أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 12th September,2001 العدد:10576الطبعةالاولـي الاربعاء 24 ,جمادى الآخرة 1422

عزيزتـي الجزيرة

دعوة للأكاديميين في الجامعات
كفّوا عن التنظير المبني على المقارنات
عزيزتي الجزيرة
تحية طيبة وبعد:
لقد تابعت بكثير من المتعة ذلك الحوار «الأكاديمي» الشيق الذي أطلق شرارته الأولى د. سعد بن هادي القحطاني (العدد 10554 من صحيفة الجزيرة في يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الآخرة 1422) ثم زاد جذوته د. عبدالعزيز العصيلي (العدد 10560 من ذات الصحيفة في يوم الاثنين الثامن من جمادى الآخرة 1422) ذلك الحوار الذي كان تعلم اللغة الثانية (الانجليزية) أسسه ومحوره واستكمالا لتلك المداولة الشيقة أحببت ان أطرح مرئياتي للعموم رجاء الفائدة وذلك بحكم التخصص والتجربة المتواضعة التي تنيف على العقد، لاسيما بعد ان طالعتنا الجزيرة (يوم الأربعاء العاشر من جمادى الآخرة 1422) بخبر مفاده عزم وزارة المعارف البدء بتدريس اللغة الانجليزية العام 1423/1424 للمرحلة الابتدائية ورغبة مني في تسهيل عملية التواصل في هذا الأمر الجد هام سيكون طرحي مبنياٍٍ على نقاط فاليكموها:
1- أبدى الكاتبان الكريمان شعوراً طيباً اتجاه اللغة العربية تبدى فيه حرصهما على صيانتها من كل ما قد يعكر «نقاءها» في أذهان النشء إلا أن د. العصيلي، غفر الله لنا وله، قد جانب الصواب فيما تبدى لي حينما أرجع أسباب اهتمامنا بلغتنا العربية إلى أسباب منها العنصر «القومي» لايشك مسلمان عاقلان في فضل اللغة العربية كونها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، ولكن هل تصورنا حال إخواننا المسلمين من الأعراق والقوميات الأخرى حينما نصف لغاتهم الأم بأنها مجرد «عجمة» و«همهمات»؟ من الواضح إذن ان هذا الطرح «الأكاديمي» كفيل بدق أسافين الفرقة بين أبناء الدين الواحد ولهذا ورد النهي عنها ووصفها المصطفى (عليه الصلاة والسلام) بأنها نتنة ودعانا إلى تركها.. وأضاف إنها «جاهلية».
2- لقد أجاد الكاتبان الكريمان حينما طالبا الأكاديميين الآخرين بمزيد من البحث والتقصي حول مسألة تأثر اللغة الأم باللغة الثانية ذلك ان جميع - فيما وفقت في الوقوف عليه - الأبحاث والدراسات الأكاديمية الجادة التي أيدت أو رفضت ذلك الطرح كلها أبحاث أجنبية تمت في بيئات أجنبية ذات تعددية عرقية/ اثنية وبالتالي تعددية لغوية. وعليه فإن نتائج تلك الأبحاث تظل «أجنبية» ومن الخطأ بمكان ان يتم تعميمها، وبالتالي فإن الأكاديمي الذي يجزم بصلاحية نقل نتائجها إلى بيئاتنا المحلية يجانب الجادة ولا أرى أنه في حل من المسؤولية والأمانة العلمية، حتى وان برر البعض «صلاحية» تلك النتائج بكونها تمت على عدد هائل من اللغات ومن قبل أشخاص وقفوا حياتهم لهذه المهمة (على سبيل المثال لا الحصر أنهى الباحثة الأشهر DANIEL SLOBIN دراسة ما ينيف على الأربعين لغة من لغات الأرض الحية وذلك عام 1978 وخلص بعدها إلى إمكانية وجود «نظام» يحكم تعلم اللغة؛ وهو شأن احسب انه لامجال للاسترسال فيه في هذه العجالة) نقارن هذا العدد الهائل من اللغات التي انكب هذا الباحث على استقصائها وهذه الهمة الأكاديمية الجد عالية بما لدى الباحثة العرب المحدثين من «همة» علمية و«جرأة» عجيبة على الخلوص إلى نتائج خطيرة دون عميق بحث وجد عمل؛ ولعلها إذن دعوة نزجيها للأكاديميين والمنظرين في الجامعات العربية عموما ان يكفوا عن «التنظير» المبني على «المقارنات» وان يشمروا ساعد الجد والبحث والتجريب في حقل أحسبه أضحى من الأهمية بمكان بحيث يلفت أنظار البحاثة بحكم الأهمية المتنامية للغة الانجليزية اليوم ليس في المملكة فحسب بل في العالم أجمع.
3- لقد تواترت الأبحاث والدراسات المدونة باللغة الانجليزية على أن تعلم هذه اللغة قبل بلوغ الإنسان سن البلوغ كفيل بالقضاء على مشكل «اللهجة» أو «النبرة» ACCENT التي ينقلها المتلقي من لغته الأم. وهو أمر متصل بفرضية تدعى المرحلة الحرجة THE CRITICAL PERIOD التي أطلقها عام 1967 العالم البيولوجي ERIC LENNEBERG الذي يرى أن الطفل يستطيع تعلم اللغة الأم أو الثانية دون أن يجد الصعوبات التي غالبا ما يعاني منها الإنسان البالغ وهو أمر معروف ومشاهد فالطفل يستطيع حفظ الأشياء والصور بسرعة تفوق سرعة حفظ البالغين ولعل ذلك مصداقا لقوله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه عنه عبدالله بن عباس رضي الله عنه.. «حفظ الغلام الصغير كالنقش في الحجر وحفظ الرجل بعدما يكبر كالكتابة على الماء» أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أنس بن مالك والخطيب في الجامع والحقيقة التي لا ينبغي إهمالها ان اللغة الانجليزية اليوم لم تعد لغة «واحدة» حيث ظهرت مفردة ENGLISHES في إشارة واضحة إلى تعدد العرقيات والقوميات التي تتحدث اللغة الانجليزية بلهجاتها المحلية كما اللهجة الهندية والصينية والفلبينية.. الخ وعليه فان التخلص من النبرة أو اللهجة يجب ألا يكون دافعا حقيقيا لنا للتفكير في البدء في تدريس اللغة الانجليزية خلال المرحلة الابتدائية ذلك انه بالتجربة المشاهدة ثبت ان وجود هذه النبرة لم يكن حائلا يعوق عملية «الاتصال» بشكل حقيقي أضف إلى ذلك استحالة التخلص من هذه النبرة إذا ما أخذنا بالاعتبار ان مدرسي هذه اللغة محلياً جلهم من القوميات التي تتحدث اللغة الانجليزية كلغة ثانية/ أجنبية وليس كلغة أم.
4- حينما نفكر في إدراج تعلم/ اكتساب اللغة الأجنبية خلال المرحلة الابتدائية فإنه ينبغي علينا أباء وأمهات ومربين وراسمي استراتيجيات ان لا يغيب عن بالنا حقيقة ان اللغة أي لغة هي كما جاء في قاموس وبستر الأشهر (WEBSTERS THIRD NEW INTERNATIONAL DICTIONARY OF THE ENGLISH LANGUAGE/1961:1270) هي جملة من الوسائل المقننة لنقل الأفكار والمشاعر وذلك بواسطة أصوات وإشارات وإيماءات تكون ذات معان مفهومة بل ان أصحاب المذهب البرجماتيكي يذهبون إلى الاعتقاد بان اللغة تتعدى المنطوق كما كان يقول بذلك قديما العلامة ابن رشد الأندلسي، إلى الأفكار والمشاعر والأحاسيس والمرئيات النفسية والصور الذهنية والمركبات النفسية ودلالات النص التي يتقاسم فهمها المرسل والمستقبل بل ان اللغة وعاء نقل الأفكار وهوية يكتسبها الإنسان مع لغته بالضرورة فحينما يتعلم محمد من الناس لغة ثانية فانه في واقع الأمر يتعلم ثقافة أخرى وهوية أخرى وهنا مكمن الخطورة في تأثيرها السلبي المحتمل على المسلمات والعقائد وهوية الأمة ناهيك عن معضل الثنائية اللغوية التي أشار إليها الكاتبان الكريمان، ومشكل الانتماء واللانتماء.
5- نعم هناك بعض التجارب التي اثبتت عكس ما ذهب إليه ابن خلدون وميقيل سجوان ووليام مكاي من ان تعلم/ اكتساب اللغة الثانية يؤثر على اللغة الأم فبين يدي تجربة ناجحة لام تدعى دوروتا زيلنسكا بولندية الأصل ومتخصصة في تدريس اللغة الانجليزية بوصفها لغة أجنبية وملخص هذه التجربة ان الأم نجحت في اكساب ابنها الصغير لغة أخرى (الانجليزية) إضافة إلى إجادته اللغة البولندية (هذه التجربة وردت في دراسة نشرتها مجلة MET المتخصصة (VOL.6 NO3 1997) حيث قامت الأم بهذه المهمة مستخدمة طريقة TOTAL IMMERSION التي تعتمد على البدء في تدريس الطفل المواد المقررة أو بعضها باللغة الثانية ثم يعمد بعد فترة إلى ادخال اللغة الأم بالتدرج والمعروف ان هذه الطريقة تطبق في الولايات المتحدة على ناطقي اللغة الاسبانية كما في كندا على ناطقي اللغة الفرنسية وتعطي نتائج إيجابية حيث يتمكن الطفل من اتقان اللغتين دون أي تأثير على لغته الأم ولمزيد من البحث حول هذه الطريقة يمكن الرجوع إلى M.SWAIN, FRENCHIMMERSION: EARLY, LATE, PARTIALIN CANADIAN.
LANGAUGE REVIEW 34: 577 - 85 (1978) MODERN والحقيقة انه يجب علينا ها هنا ان نفرق مابين «الثنائية اللغوية» و«الثنائية الثقافية» فالأولى مطلبنا ومرمانا وهي ما تتحدث عنه الدراسة أو التجربة أعلاه أما الثانية فهي ما نحذر منه وهي ما أهملت ذكره تلك الدراسة. نعم قد تكون هذه الأم راضية عن هذه «الثنائية اللغوية» التي أكسبتها ابنها ولكنني أشك في رضائها عن تعددية ابنها «الثقافية» وازدواجية هويته أما بالنسبة للنشء الكنديين والإسبان الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة فإنهم بحكم حاجتهم إلى استخدام اللغة الانجليزية كوسيلة اتصال يومي مع المحيط الخارجي لن يجدوا غضاضة في تقبل «ثقافة الآخر» حتى وان زاحم «الثقافة الأم» بل ومحاها في أحيان كثيرة.
6- لا يختلف اثنان اليوم حول الأهمية المتنامية للغة الانجليزية في عالم التجارة والأعمال والانترنت والعلوم والمعارف والاختراعات والاتصالات، حتى أضحت بلا منازع حقيقي لغة الاتصال المشترك ما بين مختلف الشعوب LINGUA FRANCA... هذه الأهمية التي ستجعل بالضرورة من لايجيد التعامل مع هذه اللغة يقف «خلف الصف» ليس بعد عقد ولا قرن من الآن بل الآن نفسه. ولكن كيف لنا ان نعلمها وننقلها إلى النشء منا وقد علمنا علم اليقين مخاطر ذلك ومحاذيره على «ثقافتهم» و هويتهم و انتمائهم؟ الحل لهذا المعضل يكمن في تصوري المتواضع المبني على التجربة الشخصية في قيام وزارة المعارف والرئاسة بتصميم مناهج دراسية لتلك اللغة يكون الهدف من دراستها «الثنائية اللغوية» دون «الثنائية الثقافية» وذلك من خلال إفراغ مفردات تلك المناهج/ المقررات من أطرها المتصلة بثقافتها الأم إذ ان إخفاء بعض عناصر ثقافة الآخر المرتبطة بلغته والمغايرة لمسلماتنا وعقائدنا أمر في غاية الأهمية خلال المراحل المبكرة من عمر النشء، وذلك حفاظا على هوية الأمة وتحقيقا للفقرة الخمسين من قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 779 في 16/9/1389 حيث نقرأ ان أحد غايات التعليم وأهدافه العامة تزويد الطلاب بلغة أخرى من اللغات الحية على الأقل بجانب لغته الأصلية للتزود من العلوم والمعارف والفنون والابتكارات النافعة، والعمل على نقل علومنا ومعارفنا إلى المجتمعات الأخرى وإسهاما في نشر الإسلام وخدمة الإنسانية غني عن القول أننا في المملكة العربية السعودية نستخدم اللغة الانجليزية بغرض التواصل مع الآخر في مجال العلوم والمعارف الحديثة وليس في مجال التواصل الثقافي بمعناه السلبي، وذلك بحكم خصوصية بلادنا التي شرفها الله بهوية مميزة مستمدة من الشرع الحنيف ومن وجود الحرمين الشريفين على ترابها الطاهر.
7- يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أمر الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه بتعلم لغة يهود فقال «فإني لا آمنهم على كتابنا» كذلك يروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها» أخرجه الترمذي.
إن تحقيق فرضية «الاستخلاف في الأرض» يتطلب من المرء المسلم البحث عن الحكمة والعلوم والمعارف والتفتيش عما ينفع الناس. ومن الواضح ان المسلمين الأوائل قد نجحوا في استيعاب هذه المسلمة حيث انكب علماؤهم على دراسة الثقافات واللغات الحية آنذاك فأنشأوا مشروعا للترجمة والنقل الفكري الناضج الذي لم يكن تعبيرا عن عقيدة نقص أو استجابة لسلطة الغير أو تماهياً في الآخر أو انسلاخاً عن الذات بل كان تفتحا حضاريا يستجيب للطموح الذي «يدفع الذات إلى المستقبل في ضوء رؤية واعية» كما يقول الدكتور الجزائري عبدالله العشي.
خلاصة القول إذن أننا بحاجة ماسة في الحقيقة إلى الأخذ بكل ما من شأنه رفعة أمتنا وعزة مجتمعنا امتثالاً لقول الحق «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» فاللغة الانجليزية اليوم هي لغة العصر وهي مفتاح تنميتنا ونهضتنا وهي طريق استفادتنا من علوم ومعارف الأمم الأخرى استفادة لا نفرط فيها قيد أنملة بثوابت عقيدتنا ومنهاجنا الصحيح فمن يدري فقد يكون ذلك بوابة عودة المجد للغة العربية بعد ان ظلت قرونا من الزمن أسيرة الآخر؟
وفي الختام أزجي الشكر للكاتبين الكريمين والعرفان موصول لـ«الجزيرة» المتألقة والجادة في طرحها أبداً .
والله الموفق
برحه لكم بجهد المقصر المقل
فهد بن مشاري الرومي
ماجستير في تدريس اللغة الانجليزية بوصفها لغة أجنبية/ الولايات المتحدة
كلية الملك فيصل الجوية/ عضو هيئة التدريس

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved