| الاقتصادية
أظن أن أعراض الظاهرة محل الدراسة أو البحث تأخذنا كثيرا عن الوقوف على الأسباب الحقيقية التي تكمن خلف الظاهرة أو المشكلة موضوع البحث، وهذا، متى ما حدث، يجعلنا نخرج بنتائج مشوهة لا تحقق الغرض المنشود، بل انه قد يدفعنا الى تركيز اهتمامنا ووجهتنا في طريق غير الطريق الذي نريد، حيث نجد أنفسنا نسير في اتجاه محاذ الى القضية وليس سائراً في اتجاهها، وهذا يحدث حينما يأخذنا الحماس العاطفي وأحيانا الاندفاع الإعلامي والذي نجد أنفسنا من خلاله مجبرين أن نقول شيئا أو أن نفعل أمرا دون التفكير العميق في صحة ذلك القول أو مناسبة ذلك الأمر،
مناسبة هذا الحديث هي ما خرجت به علينا بعض الصحف حينما تمت سعودة أسواق الذهب، حيث أشارت الى أن بعض المحلات اضطرت أن تغلق أبوابها بسبب ذلك الأمر، مما نجم عنه خسائر فادحة لأصحاب تلك المحلات، حيث اعتبر قرار السعودة هنا هو السبب الأوحد وراء ما حدث لتلك المحلات،
ولأنني لا أريد أن أقع فيما حذرت منه في بداية المقال، فإنني لا أستطيع أن أغفل ان السعودة قد تكون سبباً رئيساً في اجبار تلك المحلات على إغلاق أبوابها،
ولكن الذي كنت أتمنى أن يحدث هوان يطرح السؤال بصيغة شمولية، وان ينظر للموضوع نظرة أكثر اتساعا، آخذة في الحسبان وضع صناعة الذهب في المملكة بصفة عامة، وعدد محلاتها وانتشار تلك المحلات وارتباط ذلك باحتياج الناس، حيث إن المتأمل لن يتعب نفسه كثيرا للخروج بنتيجة مؤداها أن لدينا عددا من أسواق ومحلات الذهب، تفوق ما لدى غيرنا ممن هو يتفوق علينا من حيث عدد السكان ومن حيث القوة الشرائية،
بل ان انتشار محلات وأسواق الذهب لدينا يوحي بأن هذه السلعة ليست سلعة كمالية بل هي أساسية يجب أن تتوفر في كل شارع وكل زاوية، وهذه الملاحظة قد (وأقول قد) تقود الى القول بأن اضطرار أصحاب تلك المحلات الى إغلاقها لم يكن بسبب السعودة، بل هو بسبب ان العرض أكثر من الطلب بلغة أهل الاقتصاد، وأن ما لدينا من محلات يفوق الاحتياج، وأن سهولة الحصول على العمالة كان يدفع أولئك الى نشر محلاتهم، مما جعل هؤلاء يراجعون حساباتهم عندما جاء قرار السعودة، ليكتشفوا ان التوسع في العمل التجاري له الكثير من الشروط التي لابد من توفرها ومنها اليد العاملة التي تتحكم ظروف البلد الاقتصادية والاجتماعية في توفيرها وتهيئتها،
إننا يجب أن نعترف بأننا نعاني من فوضى تجارية في انتشار محلاتنا وأسواقنا الى درجة أصبحت معها شوارعنا وممرات أحيائنا أشبه بالمعارض والأسواق التجارية،
وإن السعودة وغيرها من القرارات التي تتخذها الجهات الرسمية قد تكون إحدى الوسائل لمعالجة هذه الفوضى وإعادة الأمور الى طبيعتها،
ومن الطبيعي أن يكون لهذا الأمر، حينما يحدث، رد فعل من المواطن والمقيم، الذي اعتاد على أسلوب حياة معين لا يقبل غيره، حتى ولو كان لأسلوبه ذلك تكاليف اقتصادية واجتماعية، هو بالطبع لا ينظر إليها أو لا يهتم بها حينما يكون في معالجتها مساس بذلك الأسلوب،
kathiri@zajoul، com
|
|
|
|
|