| الاخيــرة
بيني وبين الأرقام التي تحدد السنين لحادثة أو واقعة أو موقف ما، ما يشبه العداوة المتأصلة في نفسي.. من حيث أن خزانة ذاكرتي الرقمية مفتوحة تفرُّ منها الأرقام.
ولكن خزانة الذاكرة لا تفرغ يديها مما ليس رقماً.. في أطياف حياتي بحمد الله وهو المهم.
لذلك فإني حينما أكتب شيئاً من ذكرياتي فإنما المهم عندي حفظ الواقعة أو الموقف، وإذا أمكن ربط ذلك بالتاريخ فخير على خير وإن لم يمكن فليعذرني القراء الكرام ولا حيلة في النسيان. بل ربما يكون لدى بعض القراء علم بتاريخ هذه، أو تلك .. وإذا أمكن لهؤلاء أن يزودوني بما يذكرونه فإني أكون لهم من الشاكرين والذاكرين.
وأنا أقرُّ وأعترف بأن ذاكرتي الآن ليست كما كانت قبلاً.. إضافة الى أنها كما أشرت آنفاً ليست مع (الأرقام) بعامة على وفاق..
في سنة ما، ذهبت بوالدتي إلى الطائف لزيارة أخيها الشيخ محمد بن عبدالمحسن الدريس المقيم هناك، والعامل عضواً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل الشيخ رئيس الهيئة في الطائف.
وكان الخال قبل ذلك الوقت مرشداً للإخوان برفقة خالد بن لؤي الشريف ثم مع ابنه ناصر بن خالد فترة قصيرة.. في (الخرمة).
انتقل بعدها إلى الطائف، وانضم إلى رجال الحسبة حتى وفاته رحمه الله صادفت زيارتي ووالدتي رحمها الله للطائف أن كان أمير الطائف عبدالعزيز بن معمر على وشك إقامة حفل عشاء على شرف الملك سعود رحمه الله لزيارته في بيته على مائدة عشاء.
ويبدو أن الأمير ابن معمر كان يقرأ شيئاً مما تنشره لي بعض الجرائد المحلية من شعر.. وهو يريد أن يكون في هذا الحفل ما يزيد حفله ألقاً وجمالاً يحقق به أُنْسَ ضيفه الكبير ومرافقيه من أصحاب السمو الملكي الأمراء وعلى رأسهم ولي العهد الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز رحم الله الجميع .
فقال للخال: ليتك تقنع عبدالله يعمل قصيدة في الملك سعود ويلقيها عليه في حفل العشاء.
قال له الخال: سأحاول إقناعه ولكني لا أضمن موافقته.
وخاصة أن حِنّا وإياه في شدّ وجذب، فهو يريد أن يعود إلى الرياض سريعاً للالتحاق بدراسته، وهذا ما يجعلني أشك في تحقيق رغبتك ولكني سأحاول معه.
وكتب لي الأمير ابن معمر وريقة يطلب فيها مني كتابة القصيدة ويُعلمني أن الحفل بعد غدٍ.
والحقيقة أنني استحيت أن أرفض طلبه حتى ولو تأخرت عن الدراسة في الرياض يومين أو ثلاثة وخاصة أن الطائرة بين الطائف والرياض ليست حسب الطلب والرغبة.. لقلة رحلاتها حينذاك. لقد استعنت بالله وكتبت القصيدة.. وألقيتها أمام الملك سعود ومرافقيه ورجال الدولة المدعوين في تلك المناسبة. ولا أحب أن أدّعي التواضع فأنكر أو أخفي ما كان لها من وقع حسن في نفس الملك سعود وإعجاب بها.. موضوعياً على الأقل فمن طبيعتي في شعري أني لا أبالغ في المديح.. ولا أركز موضوع القصيدة على هذه الناحية وإنما يكون هدفي مصارحة المسؤول الكبير بطموحات المجتمع السعودي في تطوير الحياة والنهوض بها في شتى الميادين.. حتى لا نكون في ذيل قائمة الأمم والشعوب.. ولا سيما أن ديننا هو دين الرقي والتقدم الحضاري في كل ما يسعد الإنسان ويرفع شأنه. ولذلك كرر الملك سعود رحمه الله كلمتين وأنا ألقي القصيدة وهما «أبشر» و «إن شاء الله» كجواب على المطالب والطموحات النهضوية التي كنا نحترق في شبابنا لأن نراها ماثلة للعيان.. وكانت هي وقود قصائدي في مثل هذه المناسبات.
كأني أتصور الملك سعود وقد نسف طرفي غترته البيضاء على كتفيه وأنا ألقي القصيدة وعن يمينه الفيصل ثم الأمير مساعد بن عبدالرحمن.. وذلك بعد العشاء وأثناء شرب القهوة.
والمؤسف لي حقاً أن قصيدتي تلك مع قصائد أخرى قد ضاعت من ذاكرتي كعادتي أو طبيعتي في عدم قدرتي على حفظ شعري بعد نشره.
ولا أذكر منها الآن إلا البيت الأول:
حمامة الطائف المحبوب غنّينا
ورجِّعي اللحن في أحلى مغانينا |
وآمل ممن يذكرها أو يذكر شيئاً منها أن يزوّدني بذلك وجزاؤه على الله، وربما ببيتين من الشعر أثني بهما عليه جزاء ما عمل.. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
|
|
|
|
|