| الاقتصادية
عبارة كنا نرددها ونحفظها أيام الصبا في المدرسة، تحمل معنى إيجابيا عميقا (العقل السليم في الجسم السليم) فالصحة والتعليم أمران متلازمان لابد لأحدهما من الآخر فلا صحة بدون تعليم ولا تعليم بدون صحة، إذ كيف تطلب من مريض أن يفهم ويستوعب ويتعلم وهو غير قادر على حفظ قواه، أو كيف تطمع بمعافى أن يعرف قدر عافيته ويحافظ على صحته ويهتم بها وهو لا يملك الوعي الكافي للمحافظة،
من ذلك المفهوم انطلقت المسيرة التعليمية والصحية للمملكة عبر طريق واحد وخطى واحدة ثابتة وقوية راسخة تتحدى العوائق وتقف صامدة في وجه أعتى وأعنف وأقسى الظروف،
وقد حققت انطلاقتنا الصحية والتعليمية أهدافا كبيرة ونجاحات موثقة حاربنا خلالها الثالوث القاتل الخطير بكل قوة وهزمناه هزيمة نهائية لا رجعة فيها إن شاء الله ولم نتمكن من ذلك إلا بعزيمة الرجال التي كانت هي السبب بعد الله في النقلة العظيمة التي نعيشها اليوم،
ففي التعليم قفزت بنا الدولة قفزات هائل واضحة ومشهودة انتقلنا خلالها من حلق الدرس والكتاتيب وألواح الخط إلى مدارس كثيرة مطورة ومنظمة ومنتشرة في كل مكان ومعاهد وكليات متخصصة وجامعات عملاقة شامخة تضم في أروقتها أعدادا كبيرة من الطلاب والطالبات هم في الحقيقة ثروة عظيمة وثمينة لهذا الوطن الغالي فلله الحمد والشكر والمنة،
وفي مجال الصحة واترت الدولة عطاءها حتى ازدحمت المستوصفات ومراكز الرعاية الأولية والمراكز الصحية والمستشفيات وانتشرت خدماتها في كل مدينة وقرية ثم والت الحكومة دعمها وتطويرها ومتابعتها وتجديدها وتحديثها إلى أن وصلنا بمنشآتنا الصحية أعلى المستويات وإلى أن صار بإمكان مستشفى صغير يقبع في قرية صغيرة عمل أهم الفحوصات وإجراء أدق العمليات فالحمد لله الذي يسر لنا هذا وهيأ لنا من يبذل جهده لراحتنا ويقضي معظم وقته لخدمتنا،
هذه هي حال القرى فما بالك بالمستشفيات العملاقة في المدن الكبيرة فالشكر لله ثم هو أيضا موصول منا لمن يستحق الشكر،
وفي المجالين معا، التعليم والصحة، دعت الدولة القطاع الخاص وشجعته للإسهام معها في توفير مزيد من الخدمات الصحية والتعليمية للمواطنين ودعمته ماديا ومعنويا فقامت على اثر هذا التوجه وذلك الدعم المشاريع التعليمية والصحية الخاصة لتؤدي عملها جنبا إلى جنب مع المشاريع الحكومية وتسهم معها في تقديم الخدمة الجيدة إلى أبناء وطننا الغالي وتوفيرها لكل من يحتاجها لتكون قريبة منه بدلا من البحث عنها،
وتأتي رغبة الدولة في إشراك القطاع الخاص معها لتقديم مثل هذه الخدمات الحساسة والهامة للمواطنين لا تهربا من الدولة عن توفيرها ولا لعدم المقدرة على القيام بالواجب تجاهها، بل هي لغرس روح المواطنة بين المواطنين وإشعارهم بواجبهم نحو وطنهم بالإضافة إلى رغبة الدولة في توسيع هذه الخدمات وشموليتها وفتح باب المنافسة الشريفة فيها، وقد جاءت استجابة المستثمرين من المواطنين لتغطي المجال الصحي بكافة مستوياته من أصغر المستوصفات إلى أكبر المستشفيات وكانت في الحقيقة مساهمة فعالة أتت ثمارها وباتت منافعها في كل مناطق المملكة مدنها وقراها وأحيانا نراها تمتد خارج المملكة لجذب من يرغب في الاستشفاء بالمملكة أو الاطمئنان على صحته في سياحة علاجية،
أما التعليم فكانت المساهمة فيه مقصورة على المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية ولا أدري لماذا لم يكن للجامعات من هذا الاستثمار في التعليم العالي في المملكة مع أن الحاجة ملحة لوجوده والضرورة تستوجب قيام جامعات أهلية لاستيعاب أعداد كبيرة من أبنائنا وبناتنا لم تمكنهم نسبهم للالتحاق بالجامعات الحكومية أو كانت رغباتهم في تخصصات لم تتوفر لهم في الكليات الموجودة،
وحسب علمي أن التعداد لهؤلاء مرتفع جدا حيث قرأت في إحدى صحفنا المحلية أن حوالي أربعين ألف طالب سعودي يتلقون دراساتهم الجامعية في الدول المجاورة للمملكة منهم سبعة عشر ألفا في الأردن، وسبعة آلاف في البحرين، وستة آلاف في الإمارات العربية المتحدة، وثلاثة آلاف في قطر، ومن المتوقع زيادة هذا العدد إلى أكثر من ذلك بكثير وأظن ارتفاع هذا الرقم أو حتى عدم تقليصه وبقاؤه على ما هو عليه يكفي للمناداة بقيام الجامعات الأهلية لدوافع وطنية تربوية وأخرى اقتصادية واجتماعية فهل نرى الإقدام على مثل هذا الاستثمار الجيد النافع في أعوامنا المقبلة؟ وهل يجد هذا النداء صدى وقبولا في الجهات المعنية وهل يلاقي التسهيلات المشجعة لإقامة هذه المشاريع العملاقة ودفع الدارسين للالتحاق بها؟ وذلك بتيسير رسومها وجعلها في متناول الجميع حتى لا توجد الكليات وتكون صعبة المنال ويستمر الحال كما هو الحال،
والتسهيل والتيسير أراهما أمرين مهمين وضروريين خاصة أن مثل هذه المشاريع تعتبر مشاريع تنموية أكثر منها استثمارية،
وأنا هنا في الوقت الذي أشكر فيه حكومتنا الرشيدة على ما قدمته وتقدمه لنا لأرجو من جميع الأخوة الذين حظوا بثقة الدولة وفازوا بفرصة تقديم الخدمة لإخوانهم المواطنين أن يثمنوا هذه الثقة الكريمة وأن يكونوا أمناء على ما أؤتمنوا عليه وأن يغلبوا المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة وأن يتقوا الله ويرعوه في أعمالهم ويكونوا على مستوى وطنهم ودولتهم وأمتهم والله من وراء القصد والسلام،
فهد بن عبدالله العضيب
رئيس لجنة تنمية الاستثمار بغرفة القصيم
|
|
|
|
|