| مقـالات
يقول العلم إنك أيها الانسان تعتمد على حاسة البصر في تمييز الاشياء اكثر من اعتمادك على غيرها من الحواس الأخرى، ولعلك توافقني القول إن أمراً مثل هذا يعتبر نعمة إلهية من حيث ان فيه تمييزاً للانسان عن المخلوقات الأخرى التي تمتلك آليات وطرائق خاصة فيما يتعلق بتأسيس إدراكاتها الاولية، وفي طرائق استجابتها للمنبهات من حولها، فبعض منها يعتمد على حاسة الشم، أو السمع، وبعض آخر على الموجات دون الصوتية، بل ان من هذه المخلوقات كالنحل أو الطيور على سبيل المثال ما يعتمد على الضوء البنفسجي الواقع في محيط الانسان غير انه خارج مدارات ادراكه، ولهذا فان الانسان يرى الطير بطريقة تختلف عن رؤية الطير للطير، حيث ان الطيور ترى ألوان بعضها الآخر بصورة أكثر وضوحاً وتمييزاً وتناغماً .
بالتأكيد انني لم أضف جديداً بما ذكرت آنفاً من حقائق علمية، غير انني سطرتها لهدف معين يتمثل فيما سوف اسميه منهجية السباحة فكريا ضد التيار المنهجي المألوف النمطي المتعارف عليه مما لا يتعلق بالثوابت او القيم، فثمة منهجية علمية سائدة ترى ان الهدف الرئيس للعلم هو اثبات الاشياء، غير ان هناك من يسبح فكرياً نمطية وتقليدية هذا التيار المنهجي، حيث يعتقد ان مهمة العلم تتعين في «نفي» الاشياء وليس في اثباتها، فالقدرة على نفي الشيء هي معيار الحكم عليه، وبدلاً من السعي والاعتماد على ما يثبت النظرية نسعى بحثاً عما ينفي هذه النظرية، فلو اردنا على سبيل المثال ان نتبين حقيقة «حب فلان لفلانة»، فلن نذهب ونسرد الشواهد على ذلك الحب، «فالحكي رخيص»، وكما تعلم فقد يكون فلان هذا ممن يجيد التمثيل والكلام المعسول، ولذا نأتيه علمياً «من حيث لم يحتسب».. من وراء توقعاته.. فنسعى الى التوصل الى ما ينفي حقيقة هذا الحب بدلاً من سرد الأدلة النمطية لإثبات ذلك.. ومع يقيني بأنه لا يفوتك هنا ادراك «التبسيط والتبسط» في شرح هذه النظرية، أقول كذلك انها منهجية تمنحك آفاقاً أرحب للمناورة فكرياً بعيداً عن زحمة التيار المقابل، بل تمنحك ايضاً فرصة التحليق في الاجواء خيالا، وذلك في حال لم تستطع نفي ما أردت نفيه علمياً.. هذا وبما ان خيال اليوم هو حقيقة الغد، فسوف نعود الى ما سطرناه آنفاً لنشتق منه خيالاً ونسألك عنه سؤالاً: فهل تتخيل مأساوية وضعك فيما لو اعتمدت على حاسة الشم لمعرفة الأشياء من حولك بدلاً من بصرك؟.. إن هذا يعني انك ترى الأشياء من حولك واضحة وضوح الشمس غير انك لا تعرف ماهيتها، بل انك لن تعرفها ما لم تقترب منها فتشمها عن قرب! وعلى هذا المنوال فلن تعرف الزوج او الزوجة او القريب او الصديق او اي انسان آخر، ما لم تتح لك اولاً الفرصة لشم هذا الانسان وهذا يعني ضرورة الاعتماد على «الرائحة الطبيعية» لكل انسان حتى يتم تمييزه من قبل صاحبه غرائزياً، مما يعني كذلك ان العطورات بأنواعها ستصبح من أخطر أسلحة التخفي والتمويه، بل قد تصبح في عداد الممنوعة والمحرمة دولياً! بالاضافة فسوف ترى «أنوف» المحبين مرفوعة للأعلى مرفرفة في الأجواء «نشنشة» واستنشاقاً للنصف الآخر لا للهواء الطلق، وسيتحول ما لم يتحول عبر تاريخ الانسانية واعني بذلك التركيز التاريخي على التغزل «بسواد العين» حيث سوف يصرف النظر عن النظر لصالح الأنف وقدرته على الشم لا الشمم فتصبح «حبيبة» العين حبيبة «أنف»، ويتم بناء على ذلك تحويل كافة «العمليات» التجميلية من العين اليه، بل ستتحول نظرية «والأذن تعشق قبل العين أحيانا» الى والأذن تعشق قبل الأنف، حتى الأسئلة الدارجة مثل «ما شفت فلان أو فلانة»؟ سيطالها التحول ويتم تحويرها الى صيغ انفية من قبيل: هل شممت فلاناً أو فلانة؟.. وغير ذلك الكثير من العبارات «الأنفية» للفرضية المذكورة آنفا.
في الختام.. ما رأيك فيما لو اختلطت فيك وظائف «الحواس» فأصبحت على سبيل المثال تشم ما ترى وتبصر ما تشم..؟.. فمن لدن منهجيتنا المذكورة التي نستطيع اختزالها بعبارة «نفي النقيض ولو خيالاً» نستطيع القول: إنك في حال شممت ما ترى ورأيت ما تشم فهذا يعني سلامتك من عمى الألوان، شريطة ألا تسكن في جنوب مدينة الرياض، وبعيداً عن الهزل هذه المرة، أقول: إن ثمة مرضاً شائعاً عالمياً، له أعراض شبيهة بالفرضية المذكورة آنفا، ويعرف هذا المرض باسم: «الحس المواكب: Syaesthesia»، وهو مرض عصابي مركزه (المخ)، ولم أعد أذكر مما قرأته عنه منذ زمن طويل الا حقيقة انه يحدث حينما تشترك حاستان او اكثر في ادراك الأشياء، كأن ترى مثلا الشيء وتشمه في آن، عليه فان يكن لديك لا سمح الله مثل هذه الاعراض، فلا (تدعُ عليَّ).. فأنا على يقين انك «تشم! حروفي هذه وتبصر فيها نيتي الحسنة».. فقط عليك تذكر انه قد تم فحصك مجانا..!
|
|
|
|
|