| الاخيــرة
كثيرة هي المظاهر الدالة على اختلال معايير الأداء لدى بعض شاغلي الوظيفة العامة.. وما يفرزه ذلك من اتّهام مبطّن أو صريح للموظف بالتخاذل في الولاء، والتقصير في الأداء، والإهدار لضوابط الوظيفة، زماناً ومكاناً وسلوكاً!
***
ورغم ذلك، يلحُّ على الذهن أكثر من سؤال في هذا الصوب:
1 لماذا التقصير أصلاً من لدن الموظف العام، وهو الذي اختارته الدولة كي يخدم الناس، وليكون في سبيل ذلك قويّاً وأميناً!
2 هل الموظف المقصّر وحده الملوم، أم أن له شركاء داخل العباءة البيروقراطية وخارجها؟
3 لماذا يعزِّره الناس باللّوم، ويخصّونه بالنقد؟!
هل لأنه يقف في خط المواجهة المباشرة معهم، فيتحمل وحده وزر تعثّر مصالحهم، أم أن لوم الناس له «عادة» يسيّرها مخزون «اللا وعي» في أعماقهم ضد الآلية البيروقراطية المعنيّة بهم.. ممثلة برمزها الظاهر: الموظف؟!
***
هذه التساؤلات وسواها تستحق أكثر من وقفة تأمل دقيق وشامل، لست مؤهلاً للتعامل معه اختصاصاً، وحسبي هنا القول بأن الهجمة على الموظف العام، في تقديري المتواضع، ليست في معظم ظروفها، سوى ظاهرة تستتر وراءها ملابسات عديدة، يرمز لها الموظف فيبدو وكأنه المقصود بما يُكتب أو يُقال حقاً أو باطلاً، حول أداء الوظيفة العامة!
والحقيقة التي لا مفرَّ من الاعتراف بها في هذا السياق هي أن الموظف العام لا يَزِرُ في كل حال الوزرَ كلّه، وإنما قد يكون ضحية لملابسات ومتغيّرات بيروقراطية لا حول له عليها ولا قوة، لكنه بدوره، قد يعبّر أحياناً عن عدم رضاه بأكثر من وسيلة، شعورية ولا شعورية، فيؤذي بذلك من لا يستحق الأذى من الناس، تعطيلاً، أو تسويفاً، أو انحرافاً .
***
هناك العديدُ من المؤشرات ترمز ل «الهجمة المضادة» التي يشنها الموظف أحياناً تعبيراً عن عدم الرضا:
كيف؟
* فالحضور المتأخر صباحاً أو الانصراف المبكّر بعد الظهر عمداً ودون عذر مشروع، مؤشر أول.
***
* والعبثُ بالوقت المخصص للعمل بإنفاقه في أغراض لا صلة لها بحيثيات العمل، بدءاً بالزيارات في المكاتب، وما يتخللها من أحاديث لا تنقطع، مروراً بثرثرة الهاتف، وانتهاءً بحالات الاسترخاء التي قد تبلغ أحياناً شفا النوم، وذلك مؤشر آخر!
***
والإهمال الإرادي أو اللاّ إرادي للمهام المناطة بالوظيفة في غياب الرقيب والحسيب، وتأجيل أعمال اليوم إلى الغد، لأي غرض من الأغراض، مؤشر ثالث!
* وكثرة الإلحاح على الإدارة بطلب الحوافز أو المكافآت، دون أن يقابل ذلك جهد إبداعي، يشفع للطلب، واعتبار هذا الأمر حقاً قائماً بذاته، مؤشر رابع.
***
والإلحاح على الإدارة للتكليف بالعمل الإضافي «خارج الدوام» وعدم التقيّد به حضوراً أو انصرافاً، شاهد خامس.
من جانب آخر، تشترك بيئة الإدارة نفسها أحياناً في تراجع معايير الولاء والأداء لدى الموظف العام، ومن ثم التقصير!
كيف:
1 حجب المبادرات الشخصية المفيدة لمصلحة العمل، والتقيّد ب «دوقما»، الروتين» اليومي، وعدم تطوير أساليب الإجراءات أو تذليلها أو إلغائها إذا استدعت المصلحة ذلك، كل تلك أمور قد تحض الموظف على التقصير وتدعوه إليه.
* *
2 غياب العدل في توزيع واجبات العمل وأعبائه، فهذا موظف محمّل بالأثقال باسم الثقة، يقابله آخر، لا عبءَ له ولا عليه، ولا ثقةَ فيه، ورغم ذلك يستوي الأثنان في الأجر.. وفي الثواب!
3 غياب العدل في توزيع «الغنائم» وظيفياً، بدءاً بالترقية، مروراً بفرص التدريب وانتهاءً بالحوافز المادية والمعنوية، بل قد يُصطفى من لا حاجة له لفرص التدريب على حساب موظف آخر أكثر منه بلاءً وأفضل عائداً من التدريب!
* *
وبعد..
فرغم كل ما قيل هنا، وما يمكن أن يُقال، هناك من قد يبرئ الموظف المقصّر، فيصبّ اللوم، كل اللوم على الإدارة، أو يعتذر للموظف، فيزعم أن له عذراً.. وغيره ملوم!
* *
أما أنا فلا أبرّئ أحداً.. ولا أعتذر لأحد، ولا أدافع عن أحد، فالموظف والإدارة شريكان في الأداء وفي السبب.. وفي النتيجة: سلباً أو إيجاباً لفعل الإدارة! ومن كان يرى غير هذا.. فليدلِ بدلوه.. فقد تكون له حجة.. غابت عن استيعابي القاصر!
|
|
|
|
|