| الثقافية
يتناول هذا الكتاب الاهتمام الغربي، المسيحي واليهودي المعاصر بالإسلام بل، ومخاوفه وقلقه منه، تمثل ذلك جليا في إطلاق تسميات مختلفة على الإسلام مثل: (الإسلام السياسي)، (الأصولية الإسلامية)، (الإرهاب الإسلامي)، لقد اعتمد الغرب في معرفته عن الإسلام على مؤسساته البحثية المنتشرة في مناطق متعددة من العالم، لذلك تعددت هذه الأبحاث واختلفت في نتائجها سلبا وإيجابا، وفي فصول هذا الكتاب نقرأ عن (الاتجاهات) الجديدة في النظر إلى الإسلام من خلال المواقف الأمريكية ورؤاها الايجابية أحيانا تجاه الإسلام، وكذلك مواقف أوروبية مختلفة في نظرها إلى الإسلام المعاصر، تلك المواقف التي تدعو إلى نقض (الحداثة الشمولية) والالتفات إلى (الحداثات الهامشية)، ومنها تجربة الحداثة في البلدان الإسلامية الحديثة والمعاصرة، وهذه الرؤى هي ما يدعى (ما بعد الاستشراق) كونها تنحو إلى الاختلاف في قراءة الظاهرة الإسلامية من خلال الاستقراء والمعاينة المباشرة لمعطيات هذه الظاهرة.
من الكتاب: أمريكا والمزاحمة الإسلامية المعاصرة:
يعد الإسلام المعاصر موضوعا مهما في راهن العلاقات الدولية، فهو مزاحمة دينية وحضارية وثقافية، ولعل رؤيته الشمولية هذه تدفعه أبدا إلى حيزات التفكير الاستراتيجي خاصة إذا تعلق الأمر بواقع المصالح المادية والحيوية بسبب تمتع التكوينات الدولية الإسلامية بمصادر الطاقة المتعددة والمتنوعة، وهو ما يعد الآن خطوة يختص بها الوجود الإسلامي.
يجمع عدد هائل من المهتمين بالوجود الإسلامي «عقيدة + ثروات» على أن فاعلية الإسلام إنما تعود إلى مطلع (سبعينيات) القرن العشرين، حيث الطفرة النفطية التي غيرت موازين المصالح داخل الوطن العربي، والدول الإسلامية، وخارجهما، إلا أن المفاضلة التاريخية هي نتاج لتفسيرات وضعية أحادية الجانب، فالنهوض الإسلامي وإرادة المزاحمة السياسية ثم الاقتصادية وما تخللهما من مناشطات عسكرية، هي تواصل وامتداد لمشروع النهضة الإسلامية في العصر الحديث وصيرورته التاريخية، وما القطائع والتوقفات والاستئنافات سوى تخل محسوس وملموس لحركية النهوض المفترض ضمن تاريخية الإسلام وبدئية وجوده الحضاري والثقافي، ومع القصور الواضح في هذه الرؤية التفسيرية الوضعية، فإن هذه الأخيرة على قدر كبير من الأهمية، كونها تؤكد الحضور الفاعل للإسلام خلال الثلاثين عاماً الماضية، هذا الحضور الذي دفع الأطر المعرفية وعدداً من العلوم في الدوائر الغربية على الاشتغال بالإسلام المزاحم والجديد، كقطاع مدرك يعني امكانية التفكير فيه كتصورات ورؤى نظرية وكخطاب نسبي الظهور، فضلا عن كونه ممارسة يشد إليها العلم رحاله ويبسط على ضواحيها مشاغله ويدخل إلى تخومها آلياته، ولما كانت هذه المزاحمة، كونية في رؤيتها، وعالمية في غاياتها، فإنها حازت عبر ربع قرن مضى على أقل تقدير، على اهتمام الغرب، كل الغرب، خاصة في موقعيه، أوروبا وأمريكا.
ومن خلال تتبع المؤلف لفكر (الاختلاف) ومعطيات الفكر الغربي حول الإسلام، أورد قراءة لفكر أحد المنظرين الغربيين في هذا الاتجاه: في إطار «فكر المثاقفة Aculturalization» تعرضت المركزية الأمريكية للنقد من داخل كيانها، وخاصة في الستينيات من القرن العشرين هذه المرحلة شهدت مداخل ومقاربات كان من شأنها نقد «الأنا الغربي» والتحول عن قيم الحداثة الغربية بالنقد والتفكيك إلى ما بعدها، وهذا ما نجده مثلا عند «مارشال هودغسون» كأنموذج غير حصري، هذا الباحث والجامعي الأمريكي الذي توفي في عام 1968م، والذي انبرى أصدقاؤه لجمع بحوثه وأعماله الفكرية في كتاب ضخم صدر عام 1974م بعنوان (مغامرة الإسلام)، كما تم مؤخراً جمع خمس دراسات مطولة ترجمت إلى اللغة الفرنسية، وصدرت في كتاب عنوانه (الإسلام في التاريخ العالمي)، في هذا الكتاب يقدم (هودغسون) رؤية نقدية واسعة للتصورات الغربية عن الاسلام الرئيس للحضارة وللتاريخ العالمي، وهو التيار الذي التحق به الأوروبيون ثم نجحوا في تزعمه وإدارة دفته، إن (هودغسون) ينفي أن يرمي الإسلام بالانحطاط، أو ينظر إليه هكذا، ومن خلال العودة إلى البحث في مسألة الانحطاط الإسلامي وإعادة النظر في الأفكار والتصورات الشائعة عن تحقيبها وتحديد ماهية ومعالم الانحطاط هذا، يسعى هذا الباحث الأمريكي إلى إدخال معايير أكثر عقلانية في مراجعته النقدية للتمثلات والتصورات المعروفة عن الإسلام والمتداولة في الغرب. وهو يدعو إلى نقض دعاوى المركزية الغربية، وإلى احلال معاينة أكثر دقة للوقائع والادراكات عن الإسلام وعزلها عن سطوة المصلحة السياسية مع الوجود الإسلامي، وهي رؤية تبدو معرفية خالصة في فكر المثاقفة الغربي، لكنها وان بدت وحيدة مهملة عبر ثلاثة عقود من الزمن، نرى أنها رؤية (تأسيسية) في الموقف الأمريكي، الذي اتجه بعكس معطياتها خلال العقود ذاتها، والذي مارس تأثيراً كبيراً في صياغة الأرضية التي تعتمدها السياسة الأمريكية تجاه الإسلام عبر إدارات متتالية حتى اللحظة، ويمكن تأكيد وجود (تيارين)، تيار مناوئ للإسلام لا ينفك عن دفع السياسة الأمريكية إلى مفاقمة رؤيتها سلبا تجاه الإسلام، وتيار آخر يسعى لتصحيح المسار والتخفيف من حدة السلبية في الرؤية ثم يقول المؤلف: ونحن نسعى إلى هذا التيار قصد التواصل الإنساني والتعارف الحضاري والثقافي من أجل بناء إنسانية نظيفة من الهيمنة والتسلط والاستحواذ والمكابرة العدوانية.
|
|
|
|
|