| مقـالات
كنت قد كتبت مقالة نشرت في هذه الصحيفة 29/5/1422ه وعنوانها «خطوة وخطوات».
وقد تحدثت فيها عن آخر اجتماع لوزراء الإعلام العرب في القاهرة وما توصل إليه من رسم سياسة تهدف إلى إطلاع الرأي العام الغربي على حقيقة ما يجري على أرض فلسطين المجاهدة، وكون هذه الخطوة مع نبل مقصدها ووجاهة اتخاذها غير يسيرة لأسباب من أبرزها أن قضية فلسطين قضية عربية إسلامية، ونظرة الغرب، بصفة عامة، إلى العروبة والإسلام نظرة غير حيادية، بل عدائية في أغلب الأحيان، وأن النفوذ الصهيوني، إعلاميا ومالياً وتنظيميا، متغلغل في المجتمعات الغربية، وأن الغرب رغم وقوفه مع المجرمين الصهاينة لم تتأثر مصالحه الاقتصادية في البلاد العربية والإسلامية، فلماذا يهتم بمشاعر العرب والمسلمين ويقف مع قضاياهم العادلة؟
وقد أشرت في تلك المقالة إلى الآثار الإيجابية في الاستجابة لنداءات فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي وأمثاله من المجاهدين بالكلمة الواعية في الامتناع عن شراء ما يمكن الاستغناء عنه من منتجات من يقف مع المجرمين الصهاينة. ثم قلت:« على أن المرء تخنقه طيوف الألم وهو يرى في ظل حرب الإبادة للشعب الفلسطيني أفرادا من العرب المسلمين، بل من أسر جذورها ممتدة في مهد العروبة ومهبط الوحي، يصل بهم حب المال إلى فتح فروع في الجزيرة العربية ذاتها لمحلات اليهودي الصهيوني ماركس آند سبنسر، الذي يعلم الجميع أن جزءا من ماله يذهب إلى خزينة الدولة اليهودية ليسهم في إبادة الشعب الفلسطيني العربي المسلم، وفي القضاء على مقدسات الأمة العربية المسلمة في فلسطين، والى جانب ذلك يرى قناة يملكها أفراد من أسر كريمة، أصلا ومكانة تبث من مناظر الخلاعة وبخاصة الإعلانات، ما يتقزز لرؤيته كل ذي حياء ومروءة لتصبح بهذا أداة من أدوات إلهاء الأمة عن تأمل مصائب قضيتها الكبرى».
وبعد نشر لتلك المقالة بمدة ضمَّني مجلس مع عدد من الإخوة الكرام الذين عرفوا بوطنيتهم وإخلاصهم وغيرتهم، وفي ثنايا الحديث والنقاش سألني أحدهم لماذا أفردت بالإشارة محلات ماركس آند سبنسر والقناة المعروفة مع عدم ذكر اسمها؟
وكانت إجابتي كما يأتي:
كنت قد ذهبت إلى بريطانيا، عام 1384ه/1964م، للدراسة العليا، وعلمت هناك كما علم جميع الإخوة من أمثالي أن محلات ماركس آند سبنسر ليست محلات يهودية فحسب، بل إن جزءا من أرباحها كل عام يذهب إلى خزينة الدولة الصهيونية المحتلة لفلسطين. ومنذ العلم بذلك لم يخطر ببال أحد منا في يوم من الأيام شراء أي بضاعة منها. وكنا نعلم أننا لا نملك من المال ما يملكه أصحاب الثراء الطائل بحيث يمكن أن نشتري شيئا ثمينا، لكن المسألة مسألة مبدأ اقتنعنا بصحته، وكان سهلا علينا التزامه.
وعلى مرِّ الأيام والليالي والشهور والسنوات لم يتغير موقف محلات ماركس آند سبنسر عن دعمه للكيان الصهيوني، وقبل حوالي شهرين عقدت المنظمات الإسلامية في بريطانيا تجمُّعا حثت فيه جميع المسلمين على مقاطعة تلك المحلات لما لها من موقف واضح في دعم دولة الصهاينة التي تشن حرب إبادة على الشعب الفلسطيني، وتقضي على مقدسات المسلمين في أرض فلسطين.
وإذا كان ذلك الموقف الشريف المنبعث عن شعور نبيل يحس آلام الأمة الإسلامية قد تم في البلاد التي نشأت فيها تلك المحلات التجارية الصهيونية، وهي بريطانيا، فكيف يقوم أفراد ولدوا وما زالوا يعيشون في مهد العروبة ومهبط الوحي بفتح فروع لها؟
وكان الأخ الكريم، الأستاذ عبدالله القفاري قد كتب مقالة في صحيفة الرياض الغراء (26 ربيع الأول 1422ه) بعنوان «ماركس آند سبنسر.. هل تخلت عن تاريخها؟».ولقد أفاض الأخ الكريم، عبدالله، وأجاد في مقالته الأمر الذي يعجز قلمي عن مجرد إعادة مضمونه الجميل النبيل، فأجد نفسي لا أملك إلا تقديم جزيل الشكر له والدعوة من الأعماق أن يكثر الله أمثاله الغيارى على مصالح أمتهم وقضاياها.
وإذا كنت أرجو أن يقرأ كل مواطن، وبخاصة من لهم تأثير في مجرى الأحداث، تلك المقالة الرائعة فإني أستأذن في إيراد فقرة من المقالة.
لقد ذكر الأستاذ عبدالله كيف أن رئيس تلك المحلات كان يصرح علنا بتأييده التام لإسرائيل وتبرعه الدائم المستقطع من أرباحها لصالح الكيان الصهيوني كما ذكر أن كثيرا من العرب كانوا يخجلون من دخول تلك المحلات،ويشعر بعضهم بالعار والخيانة عندما يتسوق في مراكز تجارية يملكها يهود من ذوي الانتماءات الصهيونية، ومن الداعمين الكبار للكيان الإسرائيلي. ثم قال:
«يا ترى ما الذي حدث اليوم حتى نستقبل محلات ماركس آند سبنسر بهذه النشوة الغريبة وكأنه فتح جديد نستقبل به هذا العقد الكئيب في زمن يذبح فيه الفلسطينيون، ويضطهد فيه العرب، ويحاصر أطفالهم وشيوخهم، وتترامى عليهم كل معاني الذلة والمسكنة؟
ما هو الجديد في تلك المحلات والمراكز حتى تظهر علينا أنباء تبشرنا بأن شركة وطنية تعتزم افتتاح بضعة فروع في السعودية لمحلات ماركس آند سبنسر؟
هل تخلت هذه الشركة عن صهيونيتها أم أنها طريقة افتراها بعض العرب لإلحاق الأذى بالإنجليز الطيبين، أم أن الشركة لم تعد مملوكة لأصحابها القدماء ممن عرفوا بيهوديتهم ودعمهم للصهاينة، وبالتالي المحلات محررة من عقدة الصهيونية ودعم إسرائيل؟
يا ترى ما الذي حدث حتى تصبح تلك المحلات مصدرا كبيرا للمنافسة بين 95 من رجال الأعمال والشركات السعودية كلها تريد الظفر بهذا الاسم لتفوز بغنيمة سوق استهلاكي شره لكل شيء؟».
أما بعد هذا الكلام الواضح الجميل فإن السؤال عن إفرادي محلات ماركس آند سبنسر بالإشارة في مقالتي يكون صحيحاً ومقبولا لو كانت توجد محلات مشابهة للمحلات التي أفردتها بالإشارة، تصهينا واضحا، ودعما كبيرا للدولة الصهيونية، فإذا كانت توجد في المملكة فروع لمحلات تشبه هذه المحلات فإن من حق كل مخلص، بل ومن واجبه، أن ينوه عنها ويحذر منها ويلوم على فتحها.وأما بالنسبة لإفراد القناة المعروفة دون ذكر اسمها بالإشارة فللسبب الذي ذكر في المقالة، وهو أنها «قناة يملكها أفراد من أسر كريمة، أصلا ومكانة».قد يقال:إن هناك قنوات لا تقل عنها عرضا لمناظر خليعة في وقت تشن فيه حرب إبادة على الشعب الفلسطيني، وهذا صحيح، بل إن هناك قنوات عدة أسوأ من هذه القناة في مجال عرض الخلاعة. لكن من يملكون تلك القنوات لا يتوقع منهم في مجال الرسالة المتوخاة والمسؤولية المؤملة ما يتوقع ممن يملكون هذه القناة.
إن الرسالة الإيجابية للإعلام ينبغي أن تحتل الصدارة في أهداف كل إعلام غيور على حاضر هذه الأمة ومستقبلها. وما تقوم به الجهات الإعلامية المسؤولة في المملكة يبرهن على حرص قيادة هذا الوطن على الحد من كل ما قد يؤثر سلبا على أخلاق الجيل الناشىء وأفكاره وما الجهود المشكورة المبذولة لملاحقة الأفلام الخليعة مثلا ومنع انتشارها إلا حلقة في سلسلة من الإجراءات الحكيمة التي تقوم بها دولة أقامت حكمها على منهج واضح في طليعة أهدافه أن تكون كلمة الله هي العليا، وشريعته السمحة هي السائدة.
|
|
|
|
|