| الريـاضيـة
* كتب عبدالكريم الجاسر:
اختتمت يوم السبت الماضي بمدينة كوبي اليابانية بطولة العالم الثالثة عشرة لألعاب زارعي الأعضاء، وذلك بمشاركة 46 دولة من مختلف قارات العالم في تظاهرة عالمية ضمن أكثر من أربعمائة مشارك احتضنتهم مدينة كوبى اليابانية التي تبعد عن أوساكا «ثاني مدينة يابانية» حوالي ساعة «80 كلم» بالسيارة.. وكان للمملكة العربية السعوية تواجد.. فاعل وسط هذا الحشد من الدول التي جمعها هدف واحد يتمثل في التأكيد على رسالة انسانية لدعم برامج زراعة الأعضاء في العالم وايصال صوت مريض الفشل العضوي إلى الجميع وهو يعود سليماً معافى قادراً على التنافس والعيش بصورة طبيعية كباقي أفراد المجتمع.. حيث أسهمت برامج زراعة الأعضاء في ايجاد الحل الأنسب لمعاناة هؤلاء المرضى من خلال زراعة الأعضاء لهم وتشجيع التبرع بالأعضاء لتوفير هذه الأعضاء لصالح مرضى الفشل العضوي وبالتالي انقاذهم بمشيئة الله تعالى من براثن هذا المرض واعادتهم أعضاء فاعلين في المجتمع..
وكعادة المملكة العربية السعودية وانطلاقاً من حجم الخدمات الطبية التي تحظى بها بلادنا ولله الحمد جاءت المشاركة السعودية لتعكس مدى ما تبذله الدولة أيدها الله من جهود ضخمة في المجال الطبي بشكل عام وبرامج زراعة الأعضاء على وجه الخصوص..
وحين صدرت الموافقة السامية الكريمة على تلبية الدعوة التي تلقاها المركز السعودي لزراعة الأعضاء ومركز الأمير سلمان الخيري لأمراض الكلى من قبل اللجنة المنظمة لهذه البطولة عبر رئيس الاتحاد الدولي لألعاب زارعي الأعضاء البروفيسور سالاباك.. كان لزاماً على الجهة المسؤولة عن هذه المشاركة وهي المركز السعودي لزراعة الأعضاء أن تكون المشاركة بالشكل اللائق بسمعة المملكة وبما يحقق الهدف منها: ولذلك فقد كان لهذه المشاركة أصداء واسع منذ اللحظة التي صدر فيها قرار المشاركة استمراراً للمشاركة السعودية في مثل هذه المناسبات.. وكان للتواجد السعودي في دولة الكويت الشقيقة التي احتضنت بطولة الشرق الأوسط الأولى قبل ستة أشهر وما حققه المنتخب السعودي هناك من نجاحات جيدة تمثلت في حصوله على خمس ميداليات الأثر الأكبر في استثمار هذه التظاهرة العالمية واظهار ما يلقاه المواطن السعودي من عناية واهتمام يماثل أرقى المستويات الصحية في العالم..
بداية رسمية للبطولة
الوفد السعودي المكون من خمسة أشخاص يمثل ثلاثة لاعبين وإداريين وصل اليابان صباح يوم الأحد 13/6/1422ه وهو يوم افتتاح البطولة. حيث انضم المنتخب لبقية المنتخبات المشاركة في حفل الافتتاح وسط اهتمام خاص.. ولقي المنتخب السعودي ترحيباً حاراً من جميع الدول المشاركة عند دخوله للصالة الرياضية وهو يحمل راية التوحيد خفاقة وسط حشد يمثل 46 دولة وحضور رسمي وجماهيري كبير يتقدمه رئيس الوزراء الياباني السابق ناساهيرو «إن لم تخن الذاكرة في الاسم».. وقد استغرق حفل الافتتاح ساعة ونصف تخلله كلمات لرئيس الوزراء الياباني السابق ورئيس اللجنة المنظمة العليا رئيس الاتحاد الدولي لألعاب زارعي الأعضاء اضافة لمشاركة عدد من المتبرعين بأعضاء أبنائهم الذين كان لتواجدهم وشرحهم للكيفية والهدف والغاية التي تبرعوا من أجلها اثر كبير لقي تصفيق الحضور وتفاعله معهم... فيما اختتم الحفل بعروض فلكلورية رائعة أكدت قدرة اليابانيين واستعدادهم لكأس العالم المقبل «الختام في اليابان»..
وبدأت المنافسات الرياضية بين الفرق في اليوم التالي باستثناء السباق الماراثون الذي أقيم قبل افتتاح البطولة..
السفير السعودي
يفاجئ الجميع
سفير خادم الحرمين الشريفين في طوكيو الأستاذ محمد بشير كردي فاجأ الوفد السعودي بتواجده في حفل الافتتاح ودعمه لأفراد المنتخب وتسهيل مهمتهم.. حيث أبدى سعادته استعداده لحل أي اشكالات قد تواجههم.. وكان لهذا التواجد اثر طيب لدى الجميع ومنح المشاركة السعودية دعماً قوياً في هذا المحفل العالمي..
وكان لتوجيهات سعادة السفير وشرحه لأفراد البعثة طبيعة الحياة اليابانية والتعامل والعادات والتقاليد اليابانية دور طيب في نفوس الجميع..
المشاركة والنتائج
المشاركة السعودية لم تكن بهدف تحقيق النتائج.. وهذه حقيقة كانت ماثلة أمام الجميع منذ البداية.. ولعل حرص سعادة مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء ومركز الأمير سلمان الخيري لأمراض الكلى الدكتور فيصل عبدالرحيم شاهين وتأكيده على أهمية المشاركة يعكس الهدف الأسمى من التواجد في مثل هذه المناسبات الانسانية الهادفة.. بل إن المشاركة السعودية كانت مهددة بالالغاء نتيجة لعدم توفر الدعم اللازم لها.. وجاء تدخل الدكتور شاهين الشخصي بمثابة الانقاذ للموقف حين تم توفير الميزانية المطلوبة قبل البطولة بفترة بسيطة وبجهد شخصي أثمر هذا التواجد السعودي الفاعل في البطولة.. فالرسالة السعودية التي وصلت العالم في المحافل العلمية والدولية حول برامج زراعة الأعضاء كانت مهمة جداً في نظر الدكتور شاهين وكل العاملين في البرنامج ان تتواصل من خلال هذه المناسبات.
فالعالم أجمع ينظر لمثل هذه المشاركات بمنظار آخر يقيس من خلاله مدى التطور والتقدم الذي تحققه دولة ما.. وهذا ما أمكن تحقيقه بفضل الله عبر هذا التجمع بعيداً عن النتائج .. فالدول المشاركة اجمالاً حرصت على التواجد والتواصل وتبادل الخبرات والمعلومات عن بعضها البعض ومن ثم التنافس في أجواء أضواء بعيدة جداً عن النتائج كهدف رئيسي.وقد لمسنا بالفعل من خلال الاحتكاك بأعضاء الوفود الأخرى أن هناك انبهاراً بالتجربة السعودية وما حققته بلادنا من تفوق في مجال زراعة الأعضاء ونجاحها في تطبيق برنامج وطني ناجح لزراعة الأعضاء داخل المملكة..
وكان للمطبوعات والنشرات التعريفية التي زودنا بها هذه الوفود دور كبير في عكس الصورة الحقيقية للخدمات الطبية في هذا المجال..
سباح إسرائيلي
أجبرنا على الانسحاب
في سباقات السباحة للرجال وعند استعداد السباح السعودي عتيق الحربي للمشاركة فوجئنا كوفد سعودي بتواجد سباح إسرائيلي في نفس السباق.. «حارة 8» فما كان منا إلا سحب السباح السعودي والانسحاب من هذا السباق في ظل هذا الوضع.. ورغم تواجد الرياضيين الإسرائيليين في بعض الألعاب إلا أنه لم يكن هناك احتكاك مباشر أو تنافس معهم في أي لعبة باستثناء هذا السباق.
المحصلة النهائية
المحصلة النهائية للنتائج تركزت بالطبع على انجلترا وأمريكا واستراليا والمجر وغيرها من الدول الأوروبية.. حيث تفوق رياضيو هذه الدول على جميع الدول المشاركة.. فيما لم يكن هناك أي تواجد عربي باستثناء المنتخبين السعودي والكويتي.. واللذين كان لتواجدهما تأكيد جديد على اهتمام البلدين الشقيقين وتعادلهما معاً في مجال برامج زراعة الأعضاء، والتبرع بها.. وبالمناسبة فقد كان أفراد الفريقين والوفدين بمثابة الفريق الواحد سواء في التواجد معاً أثناء المنافسات الرياضية وتشجيع بعضهما البعض أو في تنسيق المواقف والعمل معاً في الاجتماعات المشتركة.. واللجان الفنية..
اليابان.. دقة ونظام وعمل
أخيراً ولأنها كانت المرة الأولى التي يزور فيها أعضاء الوفد السعودي اليابان فقد دهش الجميع من العقلية اليابانية في العمل والتنظيم.. والذي كان على أعلى مستوى وبشكل يماثل أجهزة الكمبيوتر تماماً.. فالدقة في التنفيذ تفوق الوصف فعلاً فحفل الافتتاح مثلاً نفذ كما خططوا له وحسب البرنامج بحيث لم يتجاوز الزمن المحدد له سوى بدقيقة واحدة.. والباصات المقلة للفرق تتحرك حسب المواعيد المحددة لها تماماً وبشكل يماثل حركة دوران عقارب الساعة.. وبدء المنافسات ونهايتها يتمان بدقة وفي نفس التوقيت المقرر.. أما العقلية اليابانية والتعامل مع الوفود فهي حقاً تستحق وقفة مطولة.. لكننا نشير هنا إلى جزء من التقاليد اليابانية التي تفرض الاحترام والتقدير للآخرين وللعمل.. فالياباني حين تسأله عن شيء ما فإنه لا يجيبك قبل أن يسأل أو يتأكد.. ومن النادر أن تجد من يجيبك من المرة الأولى في أي أمر.. وذلك لسبب بسيط أن الياباني لا يحب أن يخطئ.. ولذلك فإنك تجد الاجابة الصحيحة غير القابلة للخطأ..
كما أن الياباني لا يمكن أن يقبل منك «مثلاً» موضوعين معاً أو سؤالين مختلفين.. فهو كجهاز الكمبيوتر تماماً لا يقبل إلا موضوعاً واحداً ينهيه لك ثم يسألك عن الآخر وهكذا..
أيضاً ما لمسناه هناك من اليابانيين أن العمل عمل وفي وقت العمل لا يمكن أن يلتفت لأي شيء آخر.. وقيل لنا هناك أن الياباني لا يترك عمله ما لم ينجزه تماماً.. ومن المستحيل أن يغادر مكتبه وهناك عمل مؤجل للغد حتى ولو بقي إلى منتصف الليل.. أما العادات اليابانية الخاصة بالاحترام فإنها تفرض بقاء المرؤوس في عمله طالما أن رئيسه ما زال باقياً حتى لو انتهى وقت الدوام وهذا يعكس احترام اليابانيين عموماً للعمل وللرئيس وأيضاً للأكبر سناً مهما كان زميلاً أو قريباً أو حتى جاراً..
وختاماً فإن ما شاهدناه في اليابان لا يمكن أن يختصر في مثل هذه العجالة لكنها زيارة تاريخية لا يمكن أن تنسى.
|
|
|
|
|