| محليــات
* كوبنهاجن الجزيرة:
بحضور معالي وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد المشرف العام على ملتقى خادم الحرمين الشريفين الاسلامي الثقافي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ، واصل ملتقى خادم الحرمين الشريفين الاسلامي الثقافي الخامس حالياً في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن اجتماعاته امس السبت العشرين من شهر جمادى الآخرة الجاري 1422ه بعقد جلسة عمله الثانية صباحاً برئاسة فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس امام وخطيب المسجد الحرام.
وكان الموضوع الرئيس لهذه الجلسة «رسالة المؤسسات الاسلامية في تأصيل المنهج المعتدل» حيث تحدث في فرعها الاول الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل الاستاذ بكلية اصول الدين بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالرياض ببحث عنوانه «اصول النهج المعتدل في العلم والدعوة» بينما تحدث في الفرع الثاني الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق بن يوسف عضو جمعية احياء التراث الاسلامي بالكويت عن ملامح المنهج المعتدل واثروسطيته في حياة المسلمين.
ففي بحثه في هذه الجلسة، بدأ الدكتور ناصر العقل مقدمة البحث في عرض الخطة التي سار عليها في الاعداد ثم عرف مصطلح الاصول، قائلاً: انه جمع اصل، والاصل هو الاساس الذي يقوم عليه امر ما، وعليه فأصول الدعوة هي القواعد والاسس التي تبنى عليها الدعوة في اهدافها، وغاياتها، ومناهجها، ووسائلها.
ثم عرف الباحث مصطلح المنهج في اللغة، وقال: ان مناهج الدعوة هي اصولها وخططها المرسومة واساليبها ووسائلها الموضوعة، اما الاعتدال فهو التزام المنهج العدل الاقوم والاستقامة والتزكية، مشيراً الى ان الاعتدال يرادف الوسطية التي ميز الله بها سبحانه وتعالى هذه الامة، قال تعالى:«وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا».
وفي السياق نفسه، اكد ان طاعة الله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم من الغايات المهمة في الدعوة الى الله تعالى، قال تعالى:«يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وانتم تسمعون» وتحصيل رضا الله تعالى والعمل به، وقال: ان من اعظم الغايات التي يجب ان تهدف اليها الدعوة الى الله السعي الى تحصيل ما يحبه الله ويرضاه،والايمان والعمل الصالح، والحرص على هداية الناس، واظهار الدين والعمل بشرع الله وعمارة الدنيا فيه وتحقيق الجماعة، ونبذ الفرقة، قال تعالى:«وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله»، وقال عز وجل:«واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا».
وتحدث الباحث الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل عن اهم اصول المنهج المعتدل في العلم والدعوة الى الله، وقال انها الاصول الشرعية المستمدة من الوحي المعصوم، وتتمثل هذه الاصول في الاستمساك بالكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سنة الخلفاء الراشدين، وذلك بمقتضى وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام، والتزام نهج السلف الصالح الذي هو سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه.
وخلص الباحث في نهاية بحثه عن اصول المنهج المعتدل في العلم والدعوة الى ان اصول الدعوة الى الله تعالى ومناهجها وغاياتها تعتمد على مصادر الوحي «الكتاب والسنة»، و ان غايات الدعوة يجب ان تكون مبنية على غايات الدين لان الدعوة انما قامت بنشر الدين.
وأوصى بإنشاء المعاهد والمؤسسات التعليمية التي تحتضن الشباب المسلم ليدرسوا اصول الدعوة ومناهجها الشرعية السليمة، وانشاء مركز بحوث رفيع المستوى يعنى بكل ما يخص الاقليات المسلمة في جميع شؤونها في دينها ودنياها لتزويد المؤسسات الاسلامية والعلماء والدعاة والمعاهد والجامعات والدول الاسلامية بالمعلومات والمنشورات والدراسات والاحصاءات العلمية الوافية الموثقة بما يدفع الدعوة الى الامام على منهج شرعي علمي سليم موثق.
كما قدم عضو جمعية احياء التراث الاسلامي بالكويت الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق يوسف بحثاً بعنوان «ملامح المنهج المعتدل واثر وسطيته في حياة المسلمين» عرض فيه بعض الاصول والقواعد التي تبين ملامح منهج الوسط صراط اهل السنة والجماعة.
وقال: ان اول مبادئ المنهج المعتدل هو الاعتصام بالوحي المنزل على رسول الله «صلى الله عليه وسلم» كتاب الله وسنة نبيه وتلاهما وحي من الله عز وجل، قال تعالى:«فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير»، وثانياً صحة الاعتقاد فلا يكون المؤمن مومناً حقاً الا اذا كان صحيح الاعتقاد في إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ثالثاً التزام الوسطية والحذر من الغلو والجفاء وذلك في الاعتقاد والعمل قال تعالى:«يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله الا الحق..»، والعدل في الحكم على الناس، والحرص على هداية الناس، وعدم استعجال النتائج، التي من التعصب، وعدم المنافاة بين الالتزام بثوابت الوحي ومتغيرات الواقع، ومراعاة الموالاة، والتحلي بمكارم الاخلاق.
وشرح الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق كل مبدأ من هذه المبادئ على حدة مؤكداً ان امة الاسلام أمة واحدة من دون الامم وان تفرقت دولهم وتباعدت اوطانهم، تربطهم العقيدة الاسلامية «المسلم اخو المسلم» وتجمعهم الاخوة الايمانية، قال تعالى: «إنما المؤمنون إخوة»، فيجب عليهم التناصر والتناصح والاجتماع، ويحرم عليهم التباغض والغش والافتراق.
بعد ذلك تحدث الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق عن آثار الالتزام بالمنهج الوسط في حياة المسلمين وهي: الهداية الى صراط الله المستقيم واجتماع الكلمة، والطمأنينة وعدم الاضطراب، واستمالة قلوب الناس، وترغيبهم في الاسلام ونجاح الدعوة.
وقال: ان المسلمين عندما يصبحون امة قائمة بأمر الله قد زكت نفوسهم وطهرت اعمالهم وكانوا كالجسد الواحد فإن هذا بإذن الله سيستميل قلوب الناس ويرغبهم في دينهم بل سيدخل الناس في دين الله افواجا اذا رأوا ذلك كما حصل في صدر الاسلام.
كما ناقشت الجلسة البحث المقدم من الاستاذ الدكتور الحسين بن محمد الشواط استاذ السنة وعلومها والمدير التنفيذي للجامعة الامريكية المفتوحة، وموضوعه «المنهج المعتدل ضرورته واثره في رسالة المؤسسات الاسلامية»، وعلق على البحث الشيخ عقيل بن عبدالعزيز العقيل، وقد استهل الباحث بحثه برفع الشكر والتقدير لراعي الملتقى الذي اتاح له الفرصة لحضور الملتقى، والاستفادة من علم المشاركين فيه وخبرتهم، وتبادل الآراء معهم، كما شكر القائمين على هذا المؤتمر لعنايتهم بحمل هموم الامة المسلمة وحرصهم واجتهادهم في ايجاد الحلول المناسبة لتستقيم حياة الجاليات المسلمة على منهج اهل السنة والجماعة المستند الى الوحي المعصوم: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كذلك استهل بحثه بتعريف المنهج المعتدل قائلاً: ان المنهج المعتدل هو الصراط المستقيم، والطريق المحكم القويم، الذي ارسل الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للناس اجمعين، رحمة للعالمين.
وابان الدكتور الحسين بن محمد الشواط ان الله تعالى امرنا واوصانا بالتزام هذا المنهج والاستقامة عليه، اذ به وحده تكون العصمة من الزلل والضلال، والمخرج من الفتن المهلكات، والنجاة من شرور الاختلاف والافتراق، والبعد عن البدع المضلات، وهذا المنهج السليم هو المحجة البيضاء التي تركنا عليه نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد سار الصحابة الكرام على هذا المنهج القويم فأسعدهم الله وأعزهم وأعز بهم الدين، وزكى الله ذلك منهم وخلد ذكره في كتابه العزيز فشرفوا وسموا.
وقال الباحث: وسعد بالاستقامة على هذا المنهج من سار على طريقتهم واتبع سبيلهم من التابعين ومن بعدهم من علماء هذه الامة وصالحيها فحفظ الله بهم السنن، ونجى الامة بسببهم من كثير من الفتن، جعلهم الله عز وجل حراس الدين وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين.
وسرد الدكتور الحسين بن محمد الشواط اهم اصول الاسلام التي تعبر عن المنهج المعتدل ولا يجوز الخروج عنها، ومنها: الايمان بالله الواحد الاحد، والايمان بالملائكة والانبياء والرسل وباليوم الآخر، والايمان بشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم تناول اهم معالم المنهج المعتدل الذي شرعه الله في ابواب العبادات والمعاملات ذاكراً منها الامر بالاستقامة على وسطية الاسلام، واليسر والسماحة والتوسعة ورفع الحرج والمشقة، والنهي عن الغلو في التدين، مستعرضاً بعضاً من صور الغلو، ومتناولاً الكيفية التي يتم فيها التعامل مع المخالفين، من اهل الملة ، وضوابط منهج الدعوة في التعامل مع غير المسلمين.
وفي نهاية بحثه، قدم الدكتور حسين بن محمد الشواط سلسلة من المقترحات منها: تأسيس مجلس عام للدعوة والتعليم في دول الاقليات، وتكوين مجلس للفتوى تحول اليه جميع المسائل من المراكز والمساجد، ويصدر دورية شهرية للفتوى توزع على المسلمين في دول الاقليات.
كما واصل ملتقى خادم الحرمين الشريفين الاسلامي الثقافي الخامس المنعقد حالياً في كوبنهاجن بالدنمارك مساء امس الجلسة الثالثة من جلسات الملتقى برئاسة معالي الامين العام لمجمع الفقه الاسلامي الدولي الدكتور محمد الحبيب بن الخواجه، وكان عنوانها «واجب المؤسسات الاسلامية في نشر العلم الشرعي»، حيث تحدث في الفرع الاول الدكتور سالم عبدالغني الرافعي من خلال ورقة عمل تقدم بها تناول فيها مكانة العلم الشرعي والحاجة اليه ومصادر تلقيه وطريقة تحصيله.
فأكد في البداية على اهمية موضوع البحث، مبيناً اقسامه التي شملت فضل العلم الشرعي واهميته الآثار المترتبة على ضعف الاهتمام بالعلم الشرعي، وفي النقطة الثانية من البحث ميز بين ما يحتاج اليه عامة الناس من العلم وما يخص طلبة العلم، اما النقطة الثالثة فقد بين فيها المصادر التي يتلقى منها العلم الشرعي.
وخصص الباحث الدكتور سالم عبدالغني الرافعي من برلين بالمانيا النقطة الرابعة للحديث عن الشروط الواجب توافرها في طلبة العلم الشرعي من اجل تحصيل قدر نافع منه، تحدث بعد ذلك عن الطريقة المثلى لتحصيل العلم الشرعي، اما النقطة الاخيرة فقد كانت عن الطريق الامثل لتحصيل العلم الشرعي في الغرب.
وفي حديث عن الجزئية الاولى من البحث وهي بيان فضل العلم الشرعي واهميتها استشهد الباحث بقوله تعالى:«شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط»، واورد من السنة النبوية الشريفة في ذلك وبعض آثار السلف.
وعن الآثار المترتبة على ضعف الاهتمام بالعلم الشرعي قال الباحث: انتشار العلم ليس امراً من الفضائل التي ان قامت به الامة اثيبت وان لم تعمم بها لم يضرها شيئاً، انما هو امر مصيري في حياة الامة يترتب على تخلقه بخلق الامة وفقدانها اسباب مقوماتها، وانحراف طريقها وانعكاس سيرتها فبدلاً من ان تكون امة تنير للناس دروب حياتهم اذ بها تنقلب الى امة مستعبدة تتجاذبها الامم وتستهزي بها، مؤكداً ان اهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية بالعلم الشرعي لم يكن عبئاً وانما لانه سر حياة الامة وانبعاث طاقاتها.
واستعرض الدكتور سالم الرافعي بعد ذلك شروط تحصيل العلم الشرعي والانتفاع به التي من اهمها اخلاص النية لله في طلب العلم، والعمل بالعلم والاجتهاد في طلب العلم والصبر عليه شارحاً هذه الشروط ومستدلاً عليها بما ورد في الكتاب والسنة من آيات قرآنية كريمة واحاديث نبوية شريفة.
اما الطريقة المثلى لتحصيل العلم الشرعي فقد بين الباحث ان لذلك ثلاث مراتب اولها تلقي العلم عن اهله لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما العلم بالتعلم»، وقال: لابد ان يكون التلقي عن اهل العلم دور المعلم لا يقتصر على تلقين العلوم بل يتسع ليشمل دور المربي والناصح والموجه، وثاني هذه المراتب هي التدرج في التحصيل فينبغي على طالب العلم ألا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعي الترتيب ويبدأ بالاهم، وثالث هذه المراتب ان يختار أنفع الكتاب واكثرها عناية بالتأصيل.
وقال الباحث عن النقطة الاخيرة من البحث وهي الطرق المناسبة لتحصيل العلم الشرعي في الغرب: ان هذه النقطة تستحق شيئاً من الاهتمام والدراسة ففي الغرب تجد كثيراً من الشباب الراغب في طلب العلم الشرعي الا انه لا يجد كفايته من خلال الدعاة المنتشرين في الغرب داعياً الى اقامة الدورات الشرعية والندوات والمحاضرات والملتقيات التي يشارك فيها علماء من خارج اوروبا ليستفيد من العلم.
واقترح الباحث الدكتور سالم الرافعي في ختام بحثه انشاء معهد شرعي في الغرب يتناوب على التدريس فيه جماعة من العلماء المجيدين يقومون بتدريس منهج شرعي متكامل ويركزون فيه على الدورس والمشكلات التي تعترض المسلمين في الغرب.
قدم بعد ذلك الدكتور محمود فؤاد البرازي مدير الرابطة الاسلامية في الدنمارك ورقة العمل الثانية في هذه الجلسة الثالثة واجب المؤسسات الاسلامية في نشر العلم الشرعي وكان موضوعها مسؤولية الفتوى الشرعية وضوابطها، واثرها في رشاد الامة بدأها بمقدمة قال فيها:« ان أنبل ما يشتغل به المشتغلون وخير ما يعمل له العاملون نشر علم نافع تحتاج اليه الامة يهديها من الضلالة وينقذها من الغواية وتخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم الى صراط مستقيم مستشهداً بقول الله تعالى: «فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون».
واورد بعد ذلك تعريف الفتوى باللغة والاصطلاح مبيناً الآيات الدالة على تحريم القول على الله تعالى بغير علم وقال: لهذا هاب الفتيا كثير من الصحابة وتدافعوها بينهم لما جعل الله في قلوبهم من الخوف والرقابة وقد كان كثير من السلف الصالح اذا سئل عن مسألة لا يعلم حكمها قال للسائل: لا ادري او قال: الله اعلم، عملاً بما روى عمر بن شعيب عن ابيه عن جده قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوماً يتمارون في القرآن فقال انما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وانما نزل كتاب الله يصدق بعضه ببعض.
وقسم الدكتور محمد البرازي بحثه الى اربعة مباحث الاول مسؤولية الفتوى الشرعية وفيه يرى الباحث ان مسؤولية المؤسسات الاسلامية تجاه الفتوى كبيرة لدورها المؤثر في توجيه الجاليات المسلمة في المجتمعات غير الاسلامية مؤكداً ان على المؤسسات الاسلامية ان تعي دورها وتدرك مسؤولياتها ولا تغفل عن الواجبات الكبرى التي يجب عليها القيام بها التي يسهم في بحوثها وفتاواها علماء متخصصون متفرغون للبحث العلمي.
اما المبحث الثاني فموضوعه ضوابط الفتوى وقد حصرها الباحث بعدد من الضوابط من اهمها الاعتماد على الادلة الشرعية وهي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاجماع والقياس وقد تحدث عن كل دليل على حدة وثاني هذه الضوابط تعلق الفتوى بموضوع الاستفتاء حتى يبلغ المستفتي حاجته ويحصل على مراده فاذا خرجت الفتوى عن ذلك فانها لا تسد للسائل حاجة ولا تحل له مشكلة ولم يشرع الافتاء الا للاجابة على التساؤلات وحل ما يعرض للانسان من مشكلات وقد اسهب الباحث في شرح هذه النقطة.
واستطرد الباحث في استعراض ضوابط الفتوى حيث ذكر ان منها سلامة الفتوى من الغموض ومن ذلك خلوها من المصطلحات التي يتعذر على المستفتي فهمها وسلامتها من التردد في حسم القضية المسؤول عنها أما رابع هذه الضوابط فهو مراعاة الحال والزمان والمكان، اذ قد تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان اذا كان الحكم مبنياً على عرف بلد ثم تغير هذا العرف الى عرف جديد ليس مخالفاً لنص شرعي.
ومن الضوابط التي ضمنها الدكتور البرازي في بحثه عدم الاجمال فيما يقتضي التفصيل وكذلك التجرد من الهوى في المفتي والمستفتي وسابع ضوابط الفتوى، اهلية المفتي وكذلك القصد والاعتدال.
وعن فهم الواقع والفقه فيه قال الباحث، ان من واجب المفتي ان يكون بصيراً بزمانه عارفاً بأوانه فاهماً لواقعه حتى تكون فتاواه مبنية على تصور سليم واستنباط قويم، فقديماً قال الاصوليون الحكم على الشيء فرع عن تصوره مواصلاً حدثه عن ثامن ضوابط الفتوى وهي مراعاته القواعد الشرعية المؤثرة في الفتوى لسد الذرائع والحيل والضروريات.
واجمل مدير الرابطة الاسلامية في الدانمارك موضوع المبحث الثالث وهو اثر الفتوى في رشاد الامة في عدد من النقاط التي تناولها بشيء من التفصيل وهي ازالة الجهل وتصحيح المسار للفرد والمجتمع وتوثيق صلة الامة بعلمائها وتبصرة طالب العلم، واعانة المسلمين على اداء التكاليف الشرعية على الوجه الصحيح.
وكان موضوع المبحث الرابع للآثار السيئة لأخذ الفتوى عن غير اهلها مبيناً ان الفتوى هي توقيع عن رب العالمين وبالتالي لا يصح اخذها الا من الفقهاء المتمسكين، فالفتاوي الخاطئة او الصادرة من غير اهلها تترك آثاراً سيئة واضراراً فادحة في الفرد والمجتمع وذكر منها التعدي على حدود الله والجرأة على دين الله وشيوع الباطل والباسه لبوس الحق والضلال عن صراط الله العزيز الحميد والانصراف عن العلماء والعالمين.
وختم الباحث الدكتور محمد فؤاد البرازي مدير الرابطة الاسلامية بالدانمارك هذا بحثه بعدد من المقترحات وهي العودة في القضايا الكبرى والمسائل الشائكة الى المجامع الفقهية في العالم الاسلامي والرجوع في المسائل الاخرى الى العلماء، لاثبات المشهود لهم بسعة العلم، وتكوين لجان فتوى من ثقاة اهل العلم، وعقد ندوات فقهية يقوم عليها فقهاء متخصصون، وعقد دورات علمية يرشح لها من عرفت بالعلم كفايته.
وآخر موضوعات الجلسة الثالثة المخصصة للمحور الثالث من محاور ملتقى خادم الحرمين الشريفين في الدنمارك ورقة في الحاجة الى المرجعية الشرعية الصحيحة وواجب المؤسسات الاسلامية في تحقيقها اعدها الشيخ/ محمد صفوت نور الدين مرسي الرئيس العام لجماعة انصار السنة المحمدية في مصر قسمها الى اربعة مباحث خصص المبحث الاول للحديث عن الحاجة الى المرجعية الشرعية وشرح بعض الاسباب الداعية لذلك وهي اثر البعد الزماني والمكاني واللساني والغزو الثقافي على المسلم المغترب وقلة وجود مؤسسات التعليم الشرعي المتمكنة وكثرة الشبه والتعايش مع غير المسلمين والاختلاط بهم من اسباب نسيان المسلم دينه واخلاقه التي تربى عليها ونشأ.
وتحدث الشيخ محمد صفوت في المبحث الثاني عن المصالح المترتبة على وجود المرجعيات الشرعية وهي تعليم المسلم امور دينه وبيان ما يشكل عليه منها والمسلم يعيش في اسرة والاسرة في مجتمع صغير كالشارع ثم الحي، وهو بحاجة الى معرفة ما يرشده اليه الشرع القويم تجاه نفسه واسرته واخوانه من المسلمين الذين يجاورونه ويعيش معهم وان المرجعية الشرعية ينبئ على وجودها من المصالح الشرعية ما يجعل المسلم يعيش حياة منفردة يربأ بنفسه عما يخالف شرع ربه.
وواصل الرئيس العام لجماعة انصار السنة المحمدية في مصر حديثه عن المصالح المترتبة على وجود المرجعية الشرعية التي منها ان المؤسسات العلمية الشرعية الموجودة في بلاد غير المسلمين وما تقوم به تجاه المسلمين إذا ما قويت صلتهم بها، وتوثقت الروابط بينها وبينهم انتج ذلك خيراً كثيراً كما ان المؤسسات العلمية الموجودة على ارض الواقع تعمل باجتهاد القائمين عليها بما ينفع المسلمين في تلك البلاد، وان اهم ما يمكن ان يناط بالمرجع الشرعي الذي يوافق عليه الجميع هو جمع كلمة المسلمين في بلاد الغرب.
وتحدث فضيلته في البحث الثالث عن الآثار السيئة لعدم وجود مرجعية صحيحة ومنها الجهل بالأمور الشرعية وأداؤها على وجه غير صحيح، وأنهم ليسوا على سبيل واحد وإنما هم متفرقون وكل يريد أن يروج لبدعته، ومما يترتب على وجود المرجعية الصحيحة ضعف صلة المؤسسات العلمية بالجاليات والأقليات، وكذلك هوية المسلم واعتزازه بدينه إنما يكون ان شعر المسلم بهذه العزة.
وخصص الباحث المبحث الرابع والأخير لموضوع واجب المؤسسات الإسلامية في تحقيق المرجعية وذلك بالعناية بالعلم الشرعي الصحيح وأخذه من المصادر الموثوقة واستقطاب الأكفياء من أهل العلم الشرعي وتوثيق الصلة مع المؤسسات العلمية الشرعية الأخرى وإيجاد معاهد شرعية متخصصة في مجتمع الجاليات والأقليات، وإقامة البرامج العلمية كالدورات الشرعية والملتقيات والمجتمعات ونحوها وأخيرا اختيار المتميزين من أبناء الجاليات والأقليات لتحصيل العلم الشرعي في المؤسسات الكفائية.
ثم ألقى فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء كلمة جاء فيها : الواقع ان لخادم الحرمين الشريفين مواقف كريمة في مجالات مختلفة وفي آفاق واسعة في مجال الحفاظ على هوية بلادنا من حيث العقيدة والأخلاق والتعليم والاقتصاد وقدرتها على مواكبة الحضارة العالمية من غير أن يكون لذلك تأثير على مقتضيات ديننا ومستلزمات أخلاقنا وتقاليدنا، وفي مجال الدعوة إلى الله داخل بلادنا وخارجها ومن ذلك إنشاء المراكز الإسلامية في مختلف أنحاء العالم وإيجاد ملتقيات إسلامية تجمع علماء المسلمين وفقهاءهم ومفكريهم على طاولة واحدة يتناصحون فيما بينهم ويتواصون بالحق فيما يتوصلون إليه من بحوث وفتاوى وتوصيات ومقترحات تسهم في حل مشاكل المسلمين بصفة عامة وفي حل مشاكل الأقليات الإسلامية بصفة خاصة.
ومن هذه الملتقيات ملتقى كوبنهاجن في مملكة الدانمارك وقد سبقه أربعة ملتقيات.. وقد طرح في هذه الملتقيات مجموعة من المسائل والمشاكل أعد للنظر فيها ودراستها مجموعة من البحوث وصدر عنها مجموعة من المقترحات والتوصيات كان لها أثر كبير في تعبئة المشاعر والأحاسيس لتجسيد الأخوة الإسلامية والإسهام في حل كثير من مشاكل الأقليات والجاليات الإسلامية.
ويبدو لي أن الملتقى الخامس ملتقى كوبنهاجن قد تميز عن غيره من الملتقيات السابقة بمواضيع اقتضت بحثها الحاجة الملحة للجاليات الإسلامية ومن أهم هذه المواضيع ضرورة وجود مرجعية شرعية لهذه الأقليات والجاليات تقوم هذه المرجعية بما تقوم به الإدارة العامة لأي مجتمع من توجيه وتعليم وإفتاء وفض نزاع وحل إشكال وأن تكون واسطة بين الدولة المضيفة والجالية المقيمة في عرض مشاكلها والتماس حلولها وحماية حقوقها وتوجيه أفراد هذه الجاليات إلى ما يجب عليهم نحو الوفاء للدول التي فتحت أبوابها لدخولهم في ديارها ووفرت لهم ما وفرته لأهل بلادها وكفلت لعاطليهم وعاجزيهم حياة كريمة.
فجزى الله خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء وأتمه وجعل ذلك في موازين حسانته وجعل عمله خالصا لوجه الله تعالى وبارك فيه وفي أعوانه وأفراد حكومته وعلى رأسهم ولي عهده المحبوب الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبدالعزيز والله المستعان.
|
|
|
|
|