| محليــات
حين يرتبط أداء الإنسان بغرض «الفائدة» منه.. تلك التي يرسم لها المرء، ويخطّط للحصول عليها.. تخفت لديه حاسَّة ضابط الأداء.. وضابط الأداء الداخلي في الإنسان شيء محسوس لا ملموس.. ذلك لأنَّ الإنسان يحمل في داخله «مصنع» أداءٍ متكامل الآليات، ولعلَّ أولها النيَّة، وآخرها الدَّافع..
والنيَّة في الإنسان قد تلعب دور الدَّافع، كما أنَّ الدَّافع، قد ينبثق عنها، ويؤدي إليها..
ولا يسمو الإنسان في أدائه إن كانت نيَّته تحرِّك دافعَه للأداء من أجل المنفعة الخاصة، أي الفائدة ذات المردود الأحادي..
كثيرون يعبدون الله فقط لأنَّ دافعهم الخوف منه تعالى كي يحصلوا على الأجر.. وينجوا بأنفسهم من مغبَّة العذاب..
كما أنَّ كثيرين يقومون بأداء أعمالهم كي يحصلوا على تزكية رؤسائهم تطلعاً لترشيحهم لمناصب أعلى أو لمواقع أفضل، أو لمكافآت مجزية..
وكثيرون ممَّن ترتبط نيَّاتهم بهذه المحصلة، يتذمَّرون إن لم يتحقق لهم ذلك من نتائج أدائهم لأيِّ عمل وفي أيِّ موقف..
حتى الإسراع لحمل أوراق الرئيس، أو تحريك المقعد له، أو حتى لمس كتفيه لأخذ العباءة عنه حين يُهِمُّ بالجلوس على المقعد.. هي مظاهر النيَّة بهدف المردود الأحادي..
وكثيرون من النَّاس لا تحلو لهم الحياة دون اللُّهاث في أذيال من يتقدَّمهم جاهاً أو منصباً أو مكانةً أو ثراءً.. وكلُّ ذلك «بنيَّة» الاستفادة..
والفائدة المحصلة عن هذه النيَّة وبتلك الدوافع فاشلة في مسيرة الإنسان/ الإنسان.. ذلك لأنَّ الإنسان لا يسمو دون النَّزاهة، ولا يجمُل دون العِفَّة، ولا يَغْنَى ونفسه فقيرة..
وليس معنى ذلك أنَّ الإنسان الذي يعمل وينخرط في عمله لا يترقَّب في نهاية عمله أجره ذلك لأنَّ الأمر الطبيعي أنَّ لكل عمل مقابلاً هو مصدر الرزق، إذ لا يقف الإنسان عن العمل، ويشحذ رزقه، أو يتوقَّع أن ينزل عليه من مكان مجهول..، بل إنَّ الإنسان هُدِيَ إلى صنعة لبوس وُجِّه إليها الأنبياء فمنهم من كان حدَّاداً، ومنهم من كان نجَّاراً، ومنهم من كان راعياً للأغنام، ومنهم من سقى، ومنهم من احتطب..
فالعمل هو مصدر الرزق المشروع للإنسان، وهو الوسيلة إلى تحقيق كرامته، وإلى إعزاز دوره في الحياة.. ولكن.. كيف يتحقق العمل؟..
إنَّ الإنسان الذي لا يعمل إلاَّ لكي يتقدَّم غيَره.. في جهد نزيه، وعمل دؤوب، وإخلاص في النيَّة، ومتابعة لتطوير الذات والقدرات.. فهو إنسان/ إنسان يحقق للإنسان في مسيرته هدف وجوده، ونتيجة بقائه.. في شكل مشرق..
أمَّا الإنسان الذي يمزج بين عمله ونواياه الوصولية، ويسلك لذلك أساليب لا ترقى إلى النَّزاهة ولا تحقق له الكرامة.. فإنَّه ينأى عن مسار الإنسان/ الإنسان ولعلَّ بعض الذين ينخرطون في مسارات العمل المختلفة، يواجَهون بفئات من العاملين معهم، أو من رؤسائهم ممَّن يدفعونهم إلى تحقيق سلوك الوصولية، ذلك لأنَّهم لا يمنحونهم حقوقهم دون أن يتزلَّفوا لهم أو يتقرَّبوا منهم..، فلا هم تركوهم على نقائهم، ولا هم منحوهم ما يفيدهم..، فتُمْسخ شخصياتهم، ويعودون من كلِّ ذلك بشخصيات ضعيفة مهزوزة لا يُرجى منها أن تكون قدوة لا لابن، ولا لمرؤوس، ولا في الحياة..
لذلك فإنَّ العمل في مجالاته جميعها هو محكُّ الأداء، ومحكُّ النَّوايا..، وهو مرتع الإنسان.
إما ينجح فيه على المستوى الإنساني الأسمى..
وإما يفشل فيه على المستوى الإنساني في جانبه الآخر الأدنى..
فضع يدك على صدرك. وتحسس موطن نواياك.. واطرح السؤال لنفسك..إلى أي الفئتين أنت؟ ومن أيِّهما الإنساني الأسمى؟ إذن فاحمد الله على سلامة نيَّتك ومسارك، فإن كنت إلى الإنساني الأدنى فاربأ بنفسك وعد إلى صومعة التَّهذيب، كنت رئيساً، أو مرؤوساً، فكلاكما مسؤولان.
|
|
|
|
|