أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 9th September,2001 العدد:10573الطبعةالاولـي الأحد 21 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

شدو
الحل: وقف تراكم الحلول
د. فارس محمد الغزي
«اختر مشكلة ما وتفكر في عشر من أمثالها مجانا»، شريطة أن تتخيل كل مشكلة على حدة وهي مرصوفة بجانب ما تم اشتقاقه لها من حلول منذ أن نشأت حتى لحظتك الزمنية هذه!
حسنا إن تكن قد فعلت، فأسال ذاتك وأجبها ذاتيا: أيهما أكبر حجما وأثقل وزنا في مخيلتك... المشكلة التي اخترتها أم حلولها؟.. لا بأس بلْه لا تثريب عليك إن لم يتضح المعنى المراد بعد، عليه وبما أن المحاولة مرة أخرى ليست حقا حصريا «لشركة الاتصالات» فقط! فسنعيد المحاولة..، أقصد الصياغة مرة إثر مرة حتى يتم «الاتصال» بمركز الافهام في رأسك! وهنا نبدأ بإلقاء السؤال عليك مرة أخرى للتمثيل لا الحصر كما يلي: أيهما أكثر «أوراقا».. قوائم ضحايا حوادث المرور أم قوائم ما تم اشتقاقه حتى الآن من حلول لمشكلة المرور؟ وبما أن قوائم الحلول بالتأكيد أكبر حجما من قوائم الضحايا «الكبيرة أصلا» فلماذا يا ترى لم يتم حل مشكلة حوادث المرور حتى الآن؟.. ما هو الحل حين لا تنفع الحلول، فتخرج المشكلة من وجدان المجتمع بمجرد خروجها من نطاق السيطرة عليها، حيث تُصر على البقاء إلى الدرجة التي تجبر المجتمع على الانسحاب عن طريقها ومنحها مكانا آمنا في كيانه، فتبدو «متلاشية» وهي التي اختبأت في طيات «الحلول» المتراكمة، آخذة في الازدياد والاستفحال طرديا بازدياد اطراد حلولها، وحينها تضيع حيلة المجتمع، فيفقد القدرة على النطق لتبرير وتسويغ ما يجري في كيانه، وأخيرا يشيح بوجهه عنها، ولا يعد يعيرها أي اهتمام، ومع مرور الزمن يؤسس هذا المجتمع «ثقافة موت فرعية» نفسية في الغالب دأبها تعليل ما لا يعلل، فيعتادها الناس قسرا ويألفوها قهرا فلا تعد تثير شجنا ولا خوفا، حيث يخترعون من «التحايلات» النفسية ما يُزوِّر الرضا بها والتعايش المصطنع معها، فتضحى جزءا من برنامجهم اللحظوي المعاش، ورويدا رويدا تتحقق حيثيات وأبعاد نظرية قول من قال:


ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بدُّ

«والبدُّ» في البيت الشعري هذا يشير إلى واقع الواقع... «ألاّ مناص.. انعدام البديل.. موت الخيارات.. مكره أخاك لا بطل.. الشكوى للّه.. وش الحيلة!!.. ما خلينا شيء!...» وغيرها من العبارات المعللة لمواقف يتعطل فيها الكلام المباح في ظل قسرية المشكلة وتناميها واستفحالها من جهة، وتراكم حلولها من جهات وجهات وجهات!!
في اللحظة هذه، لكأني بألسنة أحوالكم تصرخ قائلة «إذن ماهو الحل؟!».. لأقول إن الحل في مثل هذه الحالة يتعين بوقف تراكم الحلول..، التوقف الفوري عن إضافة أنقاض إلى أنقاض، فنتيجة إضافة الركام إلى الركام «تراكما» من شأنه أن يعيق الاحساس المباشر بالمشكلة، فيحجب الرؤية، وفي حجب الرؤية انتفاء روية، وعدمية رؤى.
ألا ترى أن ذلك هو سر التندر بالعبارات الساخرة من «حلول» تراكم الحلول من قبيل «إذا أردت أن تقتل أمرا فأحله إلى لجنة؟، وذلك إشارة منهم إلى اليأس من الحل بسبب «تراكم الأنقاض» باسم الحلول، وميكانيكية الاقتراحات باسم الإنقاذ حين تبدو الأشياء قائمة وهي الجاثية الجاثمة الخاوية على «أنقاضها»، حين تضحى كل لبنة يتم إضافتها باسم الحل سببا في اهتزاز الإرادة، وتأرجح العزيمة، فميلان موازين الحماس والإصرار، فالسقوط في براثن اليأس من الحل، لهذا فالتحلل من الحلول هو الحل الأمثل، والهدم من أجل إعادة البناء لا يتم إلا بالتوقف فوراً عن استهلاك المزيد من «الطين!» ويباسه وتصلبه، وذلك لكي يتسنى المجال لمراجعة وغربلة الموجود/ المفقود من الحلول، ومن ثم فك خناق الطريق المؤدية إلى بؤرة المشكلة.. إلى جوهر أسباب «انتفاء فعالية الحلول»..
... إن يكن «من الحب ما قتل»..، فمن الحلول المتراكمة ما يقتل.. وكما أنه «لا يجتمع سيفان في غمد واحد»، فحتما لا يجتمع حلان لمشكلة واحدة..!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved