| العالم اليوم
كشفت رسالة الأسيرة البطلة سعاد غزال المعتقلة في سجن «نيفي تيريتسا» في الرملة، والتي نقلت للعالم أجمع ما تتعرض له الأسيرات الفلسطينيات في المعتقلات الإسرائيلية من شتى اصناف التعذيب الوحشي والمضايقات والإهانات والممارسات القمعية والاستفزازية، وأن مسؤول المخابرات في السجون الإسرائيلية هدد بقتل المناضلة الأسيرة آمنة جواد، وأن تلقى نفس مصير الشهيد ابراهيم الراعي الذي استشهد على ايدي جهاز المخابرات الاسرائيلية في سجن الرملة عام 1988م، كشفت هذه الرسالة عن مدى الانحطاط الخلقي والاخلاقي الذي وصل اليه العدو الاسرائيلي في التعامل مع نساء شعبنا..!!
وكانت الصورة التي وزعتها وكالات الأنباء العالمية في آذار «مارس» الماضي للبطلة الفلسطينية آمنة جواد وهي تصرخ (إنني فخورة بنفسي) من دون ان تنسى اطلاق تلك الابتسامة الرائعة من ثغرها، بينما آثار الكدمات والتعذيب بادية على وجهها اثناء محاكمتها من قبل سلطات العدو الاسرائيلي بتهمة استدراج مستوطن اسرائيلي الى داخل الاراضي الفلسطينية وقتله في القضية التي اصبحت معروفة باسم (فتاة الانترنت)، قد اثارت قضية تجاهلها دوما الاعلام العربي والعالمي ألا وهي دور المرأة الفلسطينية في مراحل النضال الفلسطيني.
لقد احتلت المرأة الفلسطينية مكانا بارزا ومميزا في النضال الوطني بكافة اشكاله، وبدأ نشاطها في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، فشكلت مجموعة من النساء لجان اسعاف، ولجاناً لجمع التبرعات للوفود الفلسطينية التي كانت ترسلها الهيئات القومية آنذاك للدفاع عن الوطن ومواجهة الخطر الناجم عن وعد بلفور عام 1917م، وكانت (ثورة البراق) عام 1929م نقطة تحول وبداية عهد جديد في حياة المرأة الفلسطينية التي وحدت نفسها أمام المسؤولية الملقاة على عاتقها، فقد اعتقلت سلطان الانتداب البريطاني المئات من الرجال، وهدمت المئات من البيوت، ويتمت الآلاف من الاطفال الذين اصبحوا بلا معيل، ولم تستطع المرأة الفلسطينية ان تقف مكتوفة الايدي وأن تظل صامتة أمام الظلم الفادح الذي حل بأبناء شعبها الفلسطيني، فقامت ولأول مرة في تاريخ فلسطين بعقد مؤتمر نسائي في مدينة القدس بتاريخ 26 اكتوبر عام 1929م حضرته ثلاثمائة امرأة فلسطينية من القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد ونابلس ورام الله وجنين وغيرها، وكان الهدف من المؤتمر تنظيم الحركة النسائية في فلسطين للعمل على انقاذ الوطن ومساعدة العائلات المنكوبة، وكان هذا المؤتمر نقطة تحول للمرأة الفلسطينية في النضال من أجل تحرير الوطن.
لقد اسهمت المرأة الفلسطينية في جمع الأموال لعائلات الشهداء وعائلات الثوار التي خرج ابناؤها للجبال للاشتراك في الثورة على الاحتلال البريطاني، وشاركت في نقل الطعام والماء والسلاح الى الثوار في الجبال بالاضافة الى تزويدهم بالضمادات والادوية لإسعاف الجرحى، وقد جاهدت بعض النساء جنباً الى جنب مع الرجال في المعارك، وفي خضم مشاركتها بالكفاح المسلح من اجل التحرير ومقاومة الاحتلال البريطاني لفلسطين قدمت اولى الشهيدات في عام 1936م، كانت المرأة الفلسطينية تودع الثوار بالزغاريد لتلهب حماسهم وتحثهم على التضحية والاستماتة في الدفاع عن الوطن، وحين يعود الثوار وهم يحملون الشهداء تستقبلهم بالزغاريد لتعلن اعتزازها وفخرها بأبنائها.
لم تخف المرأة الفلسطينية ولم تجبن، ولم تتردد في التضحية من اجل الوطن، فقدمت مالها وحليها من اجل شراء السلاح للدفاع عن الوطن، وكانت بعض النسوة تشترط أن يكون مهرها بندقية.
وبعد نكبة عم 1948م، ضاعفت المرأة الفلسطينية جهودها لتخفيف آلام العائلات الفلسطينية المنكوبة التي اضطرت بسبب الارهاب الصهيوني إلى الرحيل عن مدنها وقراها، ففقدت رزقها وأصبحت بلا مأوى، فأسهمت الهيئات النسائية في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية لأبناء اللاجئين الفلسطينيين بالاضافة الى افتتاح مراكز لمحو الامية وتعليم مبادئ الخياطة والتفصيل وحياكة الصوف والاقتصاد المنزلي.
ومع اتساع نطاق مشاركتها في النضال الوطني وتعاظم فعاليتها، ازداد حجم تضحياتها وهي بذلك اثبتت قدرتها على التفاعل مع مسيرة الشعب الفلسطيني النضالية مما اكسبها مكانة مميزة في تاريخ نضال المرأة العربية والعالمية في النضال ضد الاستعمار والاحتلال والاضطهاد.
وفي زمن الاحتلال الاسرائيلي وصلت المرأة الفلسطينية الى درجة من النضج الفكري والوعي السياسي ادت الى ادراكها لأهمية النضال من اجل الوطن وبروز صورة المرأة الفلسطينية القوية الشجاعة، الذكية الواعية، المؤمنة بعدالة قضيتها وبحتمية انتصار شعبها في استرداد حقوقه المغتصبة.
اشتركت المرأة الفلسطينية في الكفاح المسلح ضد الاحتلال رغم علمها ان ذلك قد يتسبب في هدم منزلها وتشتيت عائلتها وتعرض افرادها للتعذيب، بالاضافة الى تعرضها للسجن مما يؤدي الى حرمانها من رعاية اطفالها، ولم تستطع ان تتصف بالسلبية واللامبالاة ازاء ما يجري حولها، فقد شعرت ان الاحتلال يهدد كيان شعبها ووجوده على ارضه لذلك ناضلت لأجل تحرير وطنها من الاحتلال.
لقد وقفت المرأة الفلسطينية في الصفوف الاولى، وشاركت في العديد من العمليات العسكرية داخل فلسطين وخارجها، وقد اصيبت بعض النساء اثناء قيامهن بعمليات المقاومة فمنهن من فقدت عينا اويدا او كلتيهما ومنهن من اصيبت اصابات بليغة بشظايا المواد المتفجرة ومنهن من استشهدت اثناء تنفييذ العملية او الاعداد لها.
وفي زمن الانتفاضة المباركة الاولى والتي اندلعت في التاسع من ديسمبر 1987، وانتفاضة الاقصى الحالية اصبحت لدى المرأة الفلسطينية قناعة ذاتية بدورها النضالي وبضرورة ممارسته بكل ثقة ووعي ودون خوف.
لقد ظهرت المرأة الفلسطينية كأنها الجدار الواقي لصد رياح الاحتلال ودفعت بالمرأة في الاراضي المحتلة للصفوف الاولى فمنذ اللحظة التي خرج فيها الاطفال والشبان الى الشوارع يرجمون جنود الاحتلال لحقت بهم النساء يلقين الحجارة على القوات الاسرائيلية بحقد مزدوج وأحيانا تجاوز حقدهن ثنائيته فهن يرجمن الاحتلال وما يمثله عندما يرجمن جنود الاحتلال بحجارتهن ويدفعن رصاص الصهاينة الموجه الى صدور الصبية والمتظاهرين او يدافعن عن اخ او اب او زوج في زنانين الاحتلال ومعتقلاته وكان اداؤهن مذهلا باستمرار.
كثيرات من النساء ممن قمن على درجة كبيرة من الاهمية فمنهن من يساندن القوات الضاربة ويخلصن الشباب من بين انياب الجنود وأخريات يواجهن النقص في المواد الغذائية الناتج عن الاضطرابات وحظر التجوال والقيام بمساعدة عائلات الشهداء والجرحى ونقل المياه لإطفاء القنابل المسيلة للدموع التي يطلقها جنود الاحتلال ونقل الحجارة والزجاجات الفارغة الى الشبان في المواقع الامامية اي من هم في حالة مواجهة مع جنود الاحتلال.
وشاركت المرأة في المهمات الاكثر خطورة مما يتجاوز وظائف ومهمات المرأة التقليدية مثل اختراق حظر التجوال والحصار العسكري المفروض على منطقة معينة والخروج في المسيرات والمظاهرات وتنظيم الاعتصامات وتشكيل اللجان التي تنبع من طبيعة المهمات النضالية مثل لجان العمل النسائي ولجان الدفاع عن الاسرى والمعتقلين ولجان تقديم المساعدات للأسر المنكوبة المتضررة من سياسات الاحتلال وغيرها.
وفي مرحلة طعن جنود الاحتلال والمستوطنين بالسكاكين كان للمرأة الفلسطينية دور بارز في هذه المرحلة، فعشرات من هذه العمليات قامت بها نساء وفتيات.
لقد جاءت الانتفاضة لتضيف للمرأة الفلسطينية سفرا جديدا الى سجلها الخالد من خلال تصديها البطولي لقوات الاحتلال جنبا الى جنب مع الرجل مضحية بالولد والروح فداء للوطن وحريته وكرامته.
لقد دفعت المرأة الفلسطينية ضريبة الدم التي دفعها الشعب الفلسطيني، وتعرضت المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لما يزيد على سبعة آلاف حالة اجهاض في زمن الانتفاضة بسبب استنشاقهن للغاز السام الذي يطلقه جنود الاحتلال الاسرائيلي ضد شباب الانتفاضة وفي المنازل الآمنة.
إن ضريبة الدم التي دفعها الشعب الفلسطيني هي التعبير المشرق عن الاستعداد للتضحية من اجل الوطن فلسطين.
آمنة جواد..
إننا فخورون بك كرمز للمرأة الفلسطينية في كل مكان.
* كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
a _abuhashim@hotmail.com
|
|
|
|
|