| الفنيــة
لم يكن غريباً على رجل بقامة الفنان المبدع محمد عبده هذه الوقفة النبيلة التي وقفها مع الاستاذ الملحن القدير عمر كدرس، ولم يكن الموقف عموماً مدهشاً ونحن نرى تلك الأريحية والإنسانية التي خص بها محمد عبده هذا الرجل الذي طالما أتحف آذاننا بالألحان الخالدة النابعة من عبقرية فنية كبيرة وإحساس غاية في الرهف والنقاء، فلو لم يقف فنان العرب مع كدرس في محنته هذه وبهذا النبل لقلنا بأن هنالك خللاً في تكوين وترتيب الأحداث والأزمنة.
ونسي هذا الإنسان كلما قد علق بعلاقته مع كدرس من منقصات وسوء فهم اعترى صفوها في السابق بل هب مسرعاً ليقف معه في محنته هذه، وبرغم مشغولياته ونشاطاته الفنية الكثيرة حيث كان يجهز لطرح البومه الجديد «شبيه الريح» ويستعد لحفلة جدة وأبها والقاهرة إلا ان كل ذلك لم يمنعه من ممارسة إنسانيته ونبله وشهامته التي عرف بها في مثل هذه المواقف ليضرب لنا مثلاً حياً في الوفاء لبقية أقرانه. ولاننسى أيضاً الكلمات الجميلة التي قالها محمد عبده في برنامج خيمة أبها بحق عمر كدرس والتي هي كذلك أكدت لنا طيب معدن وأصل فنان العرب عندما ذكر بأنه تعلم من عمر كدرس وطلال مداح رحمه الله الكثير وقال بأن لهما فضلاً كبيراً بعد الله سبحانه وتعالى في نجاح مسيرته الفنية الكبيرة.
محمد عبده أيها السادة بالرغم من مكانته الفنية العالية وموهبته الفذة وبالرغم من المكانة الطربية العربية التي وصل إليها بروائع ما ظل يقدمه طوال نصف قرن من الزمان تقريباً إلا أنه لم ينس يوماً من وقفوا معه في بدايته ولم يتنكر لماضيه البعيد حال الكثير من رصفائه الآخرين بل بدأ لنا أكثر تمسكاً بماضيه وأكثر تواضعاً ووفاء لكل من سبق إن تعامل معهم لأنهم وبلسان محمد عبده يمثلون نقطة هامة في تاريخه الحديث، فلله درك أيها الرائع المسكون بالإنسانية المترف بالشموخ والأصالة.. وأنت تقدم لنا في كل يوم أنموذجاً جديداً في أدبيات الفن الأصيل. وكيف لا وأنت تستلهم ذلك من خلال بوح ما تتغنى به من قصائد سطرها عباقرة مهندسي الكلمة في هذا البلد المعطاء.
صيفيات
كغيري من المهتمين بالحركة الفنية وفعالياتها الصيفية التي تمثلت في طرح الألبومات الجديدة وقيام المهرجانات الصيفية التي عادة ما تتخللها حفلات غنائية فقد تابعت كل هذه الأحداث الساخنة التي انتهت بنهاية مهرجان أبها والتي كانت بالفعل وبرغم سخونتها ملطفة حقيقية لصيف هذا العام وسأحاول في هذه المساحة استعراض بعض من الوقائع والأحداث الفنية التي جعلتني أتأملها وأقف عندها كثيراً. وتمثل أول هذه الأحداث بالألبوم الذي طرحته أحلام بداية الصيف «لعلمك بس» فبالرغم من أن الوقت لم يكن مناسباً لطرح الألبوم في الأسواق لأنه كما هو معلوم لدى الجميع ان عدداً كبيراً من سكان الخليج يذهبون لقضاء إجازاتهم بعيداً عن الديار في مثل هذا التاريخ فبالتالي ستقل مبيعاته كثيراً ولكن وفي اعتقادي ان الألبوم قد سجل نجاحاً لا بأس به مقارنة بالألبومات الأخرى التي نزلت في نفس التوقيت. أما الحدث الثاني فكان الألبوم الرائع الذي أصدره الفنان الشاب أصيل أبوبكر والذي جاء جميلاً في كل شيء: الكلمة، اللحن، الأداء وكان بالفعل نكهة صيفية مميزة استمتعنا بها كثيراً.
وتمثل الحدث الثالث في تلك الأحداث الدراماتيكية التي دارت فصولها بمهرجان جدة 22 في الفعاليات الغنائية. فاللوحة الأولى من هذا السيناريو السمج كانت عدم مشاركة الفنان عبادي الجوهر وما صاحب ذلك من تبعات سبق ان تحدثنا عنها في حينها. أما اللوحة الثانية فكانت مشاهد ما حدث في حفل راشد الفارس الذي كان مقرراً له ختام الحفل ولكن رأت اللجنة المنظمة غير ما يراه الجميع. واللوحة الأخيرة من سيناريو جدة 22 كانت أكثر تراجيديا من سابقتيها لأنها كانت الأكثر غرابة وسط تلكم الأحداث فهل تصدقوا بأن حفل الفنان محمد عبده كان مهدداً بالإلغاء بسبب همجية التنظيم ورعونة منظمي الحفل؟ أما أكثر الأحداث وقعاً على المتابعين فتمثل في طرح فنان العرب لألبومه القنبلة «شبيه الريح» الذي فيه تفوق محمد عبده على نفسه وعوّض بالفعل صبرعشاقه وجمهوره عن انتظارهم الطويل لهذا الألبوم الذي سبق ان أجل إصداره لثلاث مرات متتالية لأسباب مختلفة.
والجديد في هذا الألبوم هو الصيغة الجديدة التي خرج بها الينا محمد عبده في شكل الاخراج العام للألبوم من حيث اللحن والتوزيع اللذين جاءا بصورة جديدة لم نعهدها عنده من قبل ولم نتوقعها ان تأتي بهذه الكيفية فلذلك كانت الدهشة كبيرة في وجوه كل من استمع للألبوم وسأعود في القريب إن شاء الله لأتناوله بالتحليل الدقيق لمفردات أغانيه والجمل اللحنية والتوزيعية الراقية التي تمشت بين حنايا مفرداته. والحدث قبل الأخير كان مشاركتي محمد عبده في حفلة أبها التي كانت في ختام حفلات مهرجان أبها وحفلة القاهرة ولن أتحدث بالمزيد عن هذه الحفلات لأن الجميع يعلم جيداً بشكل حفلات فنان العرب وحضوره الرائع فيها.
وآخر الأحداث تمثل في نجاح حفلة الفنان عبادي الجوهر في أغادير ومن ثم تتويج هذا النجاح بإصداره لألبومه الجديد «المرايا» الذي حمل تعاوناً راقياً وبديعاً بين عبادي ومهندس الكلمة الأمير الشاعر ذي الأسلوب الشفاف في التعامل مع المفردة بدر بن عبدالمحسن. وما أفرحني كثيراً في هذا الألبوم العودة القوية لأخطبوط العود لتألقه من جديد والذي أتمنى أن يستمر حتى نرى عبادي الذي نعرفه.
وأخيراً فهذه هي الأحداث التي توقفت عندها كثيراً وليس كل أحداث هذا الصيف فقد دار الكثير منها ولكن لم ألقِ بالاً إلا لهذه.
aldhmi@suhuf.net.sa
|
|
|
|
|