| مقـالات
لست في موقف الواعظ فقط .. ولكني عندما أقارن بين ما عليه الناس من غفلة وانبهار بانفتاح الدنيا وغفلة عن الدين واستهزاء بما يصك الآذان من أحداث في هذه الدنيا.. وبين ما نرى ونشاهد كل يوم من تحول الإنسان الحي الراكض في مضامير هذه الدنيا ثم تحوله فجأة إلى جسم جامد لا حراك به. ثم الذهاب به إلى بيته الجديد الأخروي أو الذي يؤدي إلى الآخرة. إذ ان القبر هو أول درجة في سلم الآخرة. هذا السلم الذي لا يدري الواحد منا هل يصعده إلى أعلى، أم إلى أسفل.
عندما أقارن بين ذلك وغيره .. أرى أن الحياة بدأت في التجرد من القيم والمثل السليمة التي تسلك بالإنسان الطريق القويم الآمن.
دخلنا منذ أيام وبعض الإخوان مقبرة النسيم الكبيرة.. وتذكرت كيف يسعى الواحد منا في هذه الدنيا إلى الركض خلف الحصول على منحة من الدولة. ولكنه يغفل عن منحة ستأتيه حتما دون أن يسعى إليها.
رأيت القبور .. كيف صفت بنظام مؤثر.. وعليها الحصباء.. ثم رأيت قبور الأطفال والصغار وحدها مصفوفة هي الأخرى بشكل مؤثر ، وتطلعت خارج سور المقربة فرأيت الفلل والقصور لكنها أعلى في بنائها من هذه الدور الآخروية.. وقلت .. يا ترى ألا تكون هذه القبور على ارتفاعها البسيط أرفع من هذه المباني الدنيوية بل قد تكون .. فإن الله يرفع قدر الصالحين والذين كانوا يرجون لقاءه ولم يغفلوا عن الآخرة.
إنها العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع والمؤسف أن الناس عندما ينتهون من دفن الميت ينسون كل شيء .
لقد حدثني من أثق به من رجال التربية والتعليم.. قال : دفنا فلانا من الناس وجلست قليلا عند القبر . كنت أفكر كثيرا في هذا المآل. ولم أدر أن الناس قد ذهبوا.. ولكني عندما التفت وجدت شابا صغيرا لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة ، رأيته وقد وقف أمام أحد القبور يصلي على الميت. قال : جئته فسلمت عليه. وقلت: يا بني هل تعرف صاحب القبر، قال: لا .. قلت لماذا أنت هنا. قال : أنا كل يوم أو يومين آتي للمقبرة فأسلم على الموتى وأدعو لهم ثم أعود للبيت. وأكبرت فيه هذا الشعور. وتركته ثم إني ركبت سيارتي فشاهدته يعود على قدميه. فوقفت وناديته وأركبته ثم استقصيت معه في السؤال.
قال: بيتي في حي السلام قريب من المقبرة. وكنت وبعض الزملاء غير مستقيمين وأزعجنا أهلنا. ثم مات بعضهم لكن الذي أيقظ قلبي، زميل ترك ما نحن عليه وعاد إلى ربه.
لكنه مات بعد ذلك بالسكتة.. فهزني ذلك وانقلبت إلى ربي ومنذ ذلك الوقت وأنا في خير واتخذت زيارة المقبرة منهجا للعبرة وأحسست بالرضا .. قلت: يفهمها من شرح الله صدره ويغفل عنها الغافلون.
|
|
|
|
|