| شرفات
ماجد يوسف صوت من جيل السبعينات الذي تفتح وعيه على انهيار الحلم القومي، وأحس بأنه مغيب إعلاميا فكان الجيل الأكثر مشاكل والأكثر صداما.
أصدر ماجد العديد من الدواوين والدراسات النقدية، ومن أعماله «ست الحزن والجمال 3 مرايات على جمرة فهارس البياص ومؤخرا رأس إحدى القنوات المتخصصة في مصر وما بين الشعر والنقد والإعلام لا يزال ماجد يوسف يتجول منذ ثلاثين عاما. دون أن يبتعد عن المعارك وإنما يبتعد عن الفجاجة والجعجعة لأنه كشاعر يتقن فن التريث ولا يتهم .. ولأنه كناقد يتقن فن الموضوعية قبل أن ينحاز .. عن جيله وأزمة الأجيال يبوح ماجد يوسف للجزيرة.
أزمة بين جيلين
* باعتبارك أحد فرسان جيل السبعينات يلاحظ أن هذا الجيل كثير المشاكل يفجر الأزمات مع السابقين واللاحقين .. لماذا؟ وما سر أزمتكم مع الجيل السابق؟
من وجهة نظري، أرى أن جيل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي أنجز «النقلة» من الشعر العمودي إلى الشعر الحر، وهذا جزء من تثوير القصيدة العربية الحديثة لكنه ليس كل الأجزاء، حيث ظلت القصيدة تدور في نفس الأطر التقليدية المعروفة إلى حد كبير، فنجد تقسيم الشعر على أساس الأغراض والموضوعات: شعر رومانتيكي وشعر وطني أو واقعي.. وهكذا.. بما يعني أن الدعوى بأن الأغراض كانت في القصيدة التقليدية فحسب دعوى «خادعة» لأنها ظلت موجودة ايضا في شعر الستينات!!
لهذا السبب اقترب جيل السبعينات من شاعر كعفيفي مطر رغم انتمائه إلى جيل الستينات لأنه كان أكثر تثويرا للقصيدة من أقرانه وكان أقرب إلى الشعر الخالص، بما يعني أن أغراض القصيدة تنبع من داخلها وليس من الخارج.
كذلك إذا تكلمنا عن المفردة الشعرية لدى جيل الستينات سنلاحظ أنها لا تزال خاضعة لمعناها في القاموس. راجع شعر حجازي وعبد الصبور. لأنهم كجيل انشغلوا بهم التوصيل المباشر، وليس بالبحث عن صورة شعرية انقلابية أو تفجير للمفردة.
* ألا تنطوي هذه المقارنة على قدر من التعالي؟
لا أستطيع أن أوافقك ! فلولا خطوة هؤلاء التي ثورت جانبا في القصيدة العربية لما وجدت قصيدة السبعينات أساسا. ولكن يجب أن نقر بأن جيل الرواد أبقى على جوانب كثيرة تقليدية ومن هنا فإن جيلي استكمل تثوير القصيدة وأتم الإنجاز، ووضع كل العناصر المكونة للقصيدة تحت مشرط التغيير سواء على مستوى اللغة أو الموسيقى أو الصورة أو العمارة الكلية لعمل الفني.
ومن هنا حينما يؤرخ للحداثة بمحمولاتها الفلسفية والشعرية وليس بالمعنى التاريخي سيؤرخ لها بجيل السبعينات.
الشهرة والعزلة
* لكن ألست معي أن جيل الستينات كان أكثر توهجا وانتشارا ونجح شعراؤه في التواصل مع الجماهير وفي تحقيق التفرد أيضا، سواء على مستوى شعراء الفصحى أم العامية: حجازي، عبدالصبور، صلاح جاهين، أمل دنقل، أحمد فؤاد نجم وغيرهم؟!
من ناحية الجماهيرية جيل الستينات أفضل منا بكثير مع بعض التحفظ، لأن الانتشار يرجع إلى اقترابهم من القصيدة التقليدية بعكس جيلنا الذي أنجز ثورة في الشعر وليس بالشعر كما يقول أدونيس. ولا يمكن أن أحاكم شاعرية شاعر بعدد الجماهير، فلو افترضنا أن الأبنودي هو أكثر الشعراء جماهيرية وأعلنا عن أمسية له وبجواره حفلة للسيرك مجانا فلن يذهب أحد من الجمهور إلى الأبنودي!
المعيار أن تكون صادقا فيما تكتب فحسب بغض النظر عن الجماهير.
كما يمكن أن نضيف سببا آخر لشهرة جيل الستينات، فبالنسبة لشعراء العامية مثلا كانت الأغنية مشروعا قوميا دعمت وجودهم شعريا بعكس جيلنا الذي ارتبط بالمرحلة الساداتية حيث ضربت المنطلقات القومية والوطنية التي وإن لم تتحقق تماما لكن على الأقل كان الشعار صحيحا!! فاختلاف المشروع السياسي همش وجود شعر العامية بالذات لأنه صوت الناس واستبدل بالشعراء رجال الأعمال والبيزنس!!
* بغض النظر عن تقليدية القصيدة أو الارتباط بالمشروع القومي، نلاحظ أن جاهين في الرباعيات أوجد دربا لنفسه وكذلك فؤاد حداد في المسحراتي أو نجم في مشاغباته السياسية.. فلماذا لم يحقق أحد من جيلكم هذه الخصوصية أو التفرد؟
يبدو السؤال وكأنه يثبت الأزمة وهذا لا يتحقق في الواقع .. لا شك أن جاهين وفؤاد حداد انتقلا بالقصيدة العامية من أفق الزجل الذي أنجزه بيرم التونسي إلى أفق الشعر الحقيقي، وهذا إنجاز يعطيها قيمة مضافة . لكن لا شك أن الظروف السياسية سمحت لهما بنوع من التواجد، فلم تخل الإذاعة سنويا من مسحراتي فؤاد حداد مثلا.. وفي النهاية المقارنة المعيارية لا تعنيني لأنها مهمة نقاد غائبين عن لعب دورهم ولا داعي لسرد نماذج!! يجب أن ينبع النقاد من نفس اللحظة التي نبع فيها الشعراء، لأن كل شعر ابن عصره.. فهل أنا مهم بالنسبة لمن ؟ لا أعرف... وربما يكون الأبنودي مهما عند شريحة وغير مهم عند شريحة أخرى؟ هذا أمر يهم النقاد بالأساس.
الغطاء النقدي
* إذا عدنا لأزمة أخرى من أزمات جيل السبعينات، وأعني بها الأزمة مع الأجيال اللاحقة، ما أسبابها وكيف تراها؟
أزمة الأجيال التالية بوجه عام أنها بلا غطاء نقدي يتابع عملها.. حتى بالنسبة لجيلي الذي ثور القصيدة بعناصرها المختلفة.. وربما هنا تنبع أزمة جيل الثمانينات الذي شعر أنه بلا دور.. فماذا يجدد؟ أم هل يكتفي بتكرار إنجازنا.
يضاف إلى ذلك أنهم ايضا جيل بلا نقاد.. لأن القصيدة الحداثية تتطلب ناقدا من نوع خاص، يقرأها قراءة شاملة وبتفان ليفك شفرتها، وقد ذكر الدكتور محمد عبدالمطلب أنه يضطر لقراءة القصيدة الواحدة أكثر من عشر مرات.
لأن المسافة بين معطيات القصيدة ومحمولاتها لم تعد بسيطة.. أما النقاد الخفة الذين يبحثون عن النتائج السريعة فلن يناسبهم هذا الإنجاز الذي يتطلب تفانيا.. ولكن هذا لا ينفي وجود كثير من الزيف والألغاز المتعمد والغموض غير الفني في تجربة جيل السبعينات.
* لك اهتمامات نقدية تظهر من حين لآخر، فمثلا لك دراسة قيمة عن مسرح تشيكوف، كما نشرت في أخبار الأدب سلسلة من المقالات تهاجم كتاب زمن الرواية لجابر عصفور.. وقيل أن الأمر تصفية حسابات؟!
إنني ببساطة شاعر بالأصالة وناقد بالمزاج..وهذا لا يمنع أن تستفزني قضية نقدية فأتناولها . وقد استفزتني مقولة إننا نعيش في زمن الرواية لأنها تصادر الشعر.. والحقيقة أنه لا أحد يقبل على القراءة سواء للشعر أو للرواية، فالأولى أن نتكلم عن أزمة قراءة أو أزمة ثقافة.. فبأية إمارة يكون زمن الرواية؟ إنه زمن الفضائيات والسموات المفتوحة إن أردنا الدقة.
وقد قدمت دراستي عن كتاب جابر عصفور بأسانيد وبراهين ومناقشة تفصيلية للأفكار المغلوطة ، وهو ناقد محترف ولو كان لديه رد لما تأخر .. مثلما رد على عبد العزيز حمودة في المرايا المحدبة .. ولم أكتب مقالاتي في إطار صراع جابر عصفور مع أخبار الأدب ولا علاقة لي بتوقيت نشرها.. ولا داعي لهذه الأساليب الملتوية التي درجنا عليها في حياتنا الثقافية والأفضل أن تكون المناقشة موضوعية.
قصيدة نثر العامية
* وبحسك النقدي ألا يستفزك الآن ما يسمى بقصيد نثر العامية؟!
ابتداء لست في حاجة إلى التأكيد على أن أفق التجديد والتطوير في شعر العامية كما هو في الشعر كله أفق لا يحد. لكن يجب أن نقر بالفوارق النوعية بين شعر الفصحى وشعر العامية على مستويات التاريخ والتجارب وخصوصية الذائقة.. فإذا كان التاريخ المتلاطم أوصل قصيدة الفصحى إلى «قصيدة النثر» هذا تطور منطقي إلى حد ما لكن هل يعني هذا أن تصل قصيدة العامية أيضا إلى قصيدة نثر؟! أليس هناك أفق آخر لها؟ لو لاحظنا النصوص العامية التي تكتب على أنها قصيدة نثر سنجد أنها تثير تساؤلا أوليا هل هي شعر أصلا أم شكلا كتابيا لا أعرف كنهه؟! ألاحظ غلبة الحس القصصي عليها بتقنياته المختلفة وكأنها أصبحت في وضع متطفل أو شبه متطفل على القصة. لست ضد تطور الشعر ولكن من حق المتذوق أن يعرف ماهية ما يقرأ هل هو شعر أم قصة؟!
مكتبة القصيم
* قبل رئاستك لقناة التنوير حاليا، ومنذ فترة عملت بالمملكة لعدة سنوات، فماذا يتبقى في الذاكرة من تلك التجربة؟
كانت تجربة مهمة للغاية لأنها أتاحت لي فترة طويلة للقراءة والإطلاع حيث كنت أعمل بمنطقة القصيم وهي منطقة بعيدة إلى حد كبير.. ووفرت لي نوعا من العزلة للقراءة، بالإضافة إلى أننا في فرصة نادرة اشتريت إحدى المكتبات التي تحوي أكثر من أربعمائة مجلدا من التراث العربي، وعكفت على القراءة بنهم ثم انتقلت بهذه المكتبة إلى مصر أثناء عودتي..أعتبر هذه الفترة من عمري هي فترة الإطلاع وتجميع الأفكار وإعداد المشاريع، بل ساعدتني أيضا في كتابة أربعة دوادين من أعمالي صدرت جميعا باستثناء ديوان «انفتاح انفتاح» الذي لم يطبع حتى الآن!!
شريف صالح
|
|
|
|
|