| شرفات
تؤكد الدراسات والبحوث النفسية المعاصرة على أن المشكلات الخاصة بالاضطرابات والاختلالات السلوكية داخل الأسرة في المجتمع المعاصر تشكل عبئا كبيراً على أبناء الأسرة، فالرفاهية التي تمخضت عن عصر الاتصالات والحساسية وعدم الضبط الانفعالي وقلة الخبرة لمواجهة مواقف بين الأبناء، والنظرة الذاتية والتسلط من قبل الآباء في الحكم على تصرفات وسلوك الأبناء.. كل ذلك قد يعرقل مسيرة الأسرة في المجتمع المعاصر، إذ قد لا تتوافق رغبات وطموحات الآباء في التنشئة الصالحة والتوافق مع الأبناء.. وقد يتطور الأمر إلى أبناء عصابيين أو فصاميين.
ويشير كتاب «الأسرة على مشارف القرن 21» الذي صدر عن دار الفكر العربي بالقاهرة بتأليف مشترك من د. عبدالمجيد سيد منصور، ود. زكريا أحمد الشربيني إلى أن التماسك الأسري هو أساس التماسك الاجتماعي، إذ إن العلاقات الأسرية الايجابية يكون حصادها اكتساب الأبناء الخصائص السلوكية المناسبة مع المجتمع بفاعلية ودون تطرق ولذلك من الأهمية بمكان تحديد الأدوار الفعالة للأسرة في المجتمع المعاصر ودورها في بناء شخصيات الأبناء السوية، اضافة الى ابراز القيم الاخلاقية والمناقب التربوية، خاصة في مرحلة الطفولة واليفاعة، آخذين في الاعتبار ما حملته المتغيرات والتطورات العلمية والحضارية على كل الصعد والمستويات والتي انعكست بالضرورة على منظومة وأنماط العلاقات الاجتماعية في كل مؤسسات المجتمع.. في البيت والمدرسة والعمل.
وقد اهتم الكتاب بتوضيح وتوصيف المشكلات داخل الأسرة، وأبان مفردات ومضامين واتجاهات الاضطرابات والاختلالات السلوكية بين الأبناء وعلاقتها ببعض العوارض والأمراض النفسية داخل الأسرة وانعكاساتها على المجتمع، كما أوضح كيفية ارتباط المشكلات الخاصة بالاختلالات الخلقية بين الأبناء داخل الأسرة، إضافة إلى تسليط الضوء على آثار عمل الزوجة (الأم) خارج المنزل على العلاقة الأسرية. أما عن مسؤولية الآباء في تربية وتوجيه أبنائهم منذ ميلادهم، وفي مدارج العمر المتعاقبة، فإن هذه المسؤولية الرسالة لا ينبغي أن تترك بين أيدي بدائل الأمهات والمربيات، كما يحدث في بعض البلدان العربية.. ذلك أن الأبناء كثيرا ما يعانون من اضطرابات بخاصة وعامة لايمكن تفهمها ومعالجتها إلاّ من قبل الآباء أنفسهم.
وينتقل الكتاب الى توصيف وحصر المشكلات الخاصة داخل الأسرة، فيحدّدها بالآتي: العلاقة بين الأبوين، وكذلك العلاقة بينهما وبين أبنائهما، المشكلات التعليمية، المشكلات الاجتماعية، المشكلات الاقتصادية. وغالبا ما تبرز المشكلات الأسرية من خلال ضعف الروابط بين أفرادها، التسلط الأبوي، ضعف رقابة الوالدين، البعد الاجتماعي والنفسي بين الأبوين والأبناء، التهاون في القيام بمهمة التربية والتوجبه، المبالغة في تطبيق معادلة الثواب أو العقاب.
أما المشكلات التعليمية فيضعها المؤلفان تحت عناوين عامة منها: عدم رغبة بعض الأبناء في التحصيل العلمي وعدم الاهتمام المطلوب للتحصيل الدراسي في المدرسة أو في المنزل، عدم الانتظام والمواظبة المدرسية (الهروب أو التهرب)، الضعف العام للتوجيه التربوي والمهني.
ويشير المؤلفان الى ان ابناء المجتمع العربي، على وجه العموم، يواجهون مشكلات اجتماعية في صور متعددة منها: عدم استيعاب وتمثيل التطورات الهائلة التي جرت في العالم، أو حتى في بعض مجتمعاتهم المحلية، وعدم امتلاك الوعي الشمولي على فهم مفرداتها وتوجهاتها، وعدم القدرة على إجراء عملية فرز موضوعي بين ايجابياتها وسلبياتها، الأمر الذي يسهل الوقوع في براثن السيء منها، بروز ظاهرة محاولة تقليد سلوكيات المجتمعات الغربية، بكل ما تحمله من تناقضات، الأمر الذي يقود الى عدم تمثل قيم الجماعة، والانحياز الى سلوكات مضادة لعادات وتقاليد مجتمعاتنا، تفشي ظواهر سلبية مثل التسيب و«اللا أبالية» و«الاتكالية» الهروب الى أفكار وقيم وتقاليد وممارسات لا تتسق مع أرومات وأعراف وثقافة مجتمعاتنا، تفشي ظواهر أكثر سلبية كالتدخين المبكر وتعاطي أو إدمان المخدرات، الابتعاد عن القيم الروحية، خصوصا وانها تشكل صمامات أمان في كبح جماح نوازع الشرّ والممارسات السلبية غير المسؤولة. ويذهب المؤلفان الى اننا نحتاج في مجتمعاتنا العربية الى برامج إرشادية وتوجيه للآباء والأمهات عند تعاملهم مع أبنائهم.
ولكن كيف يكون دور الأسرة في المجتمع؟
يجيب المؤلفان: يمكن أن يكون ذلك من خلال: العمل على وقاية الصغار من الاضطرابات النفسية والاختلالات القيمية داخل الأسرة، توجيه الآباء والأمهات لاشباع الحاجات الأساسية للأبناء، تجنب الآباء التمزق والتفكك الأسري الناجمين عن حرمان الأبناء من الأباء، ضرورة التشديد على دورالآباء في مرحلة المراهقة.. وهي الفترة الأكثر خطورة وحساسية في حياة الأبناء ، حيث تحتاج الي وعي وادراك بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم دون مغالاة في الافرادط في تلبية مطالبهم أو التراخي فيها، التوافق والانسجام بين الآباء والأبناء، الضبط والحزم دون مبالغة، الصداقة والمودة بين الآباء والأبناء.. تضييق هامش الخلاف بين الآباء والأبناء، تنمية الذاتية والاستقلالية بين الأبناء من خلال اتاحة فرص المشاركة في الأدوار الاجتماعية التي من شأنها تدعيم عرى الحياة الأسرية المتماسكة وتقليل المشاكل التي يعيشها جيل الأبناء، محاولة حسر الهوة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، تلك الهوة التي من شأنها احداث التباعد والتفكك الأسري، الأمر الذي يحتاج من الأباء امتلاك وتطوير القدرة على مساعدة وتوجيه الأبناء عندما يحاولون إلزامهم بالمعايير والقيم والعادات والتقاليد وقواعد الضبط والنظام مع الاهتمام الاستثنائي برغبات ومطالب وحاجات وطموحات الجيل الذي ينتمي إليه الأبناء.
|
|
|
|
|