| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
(1)
في الغرفة التي كانت تجمعنا والتي كنا نسميها فصلاً كانت أحلامنا مبعثرة، وكانت طموحاتنا متباينة بل كنا لا نعرف نهاية هذا الطموح ولا ندرك سبر أغواره وكان أغلب الطموح لا يتجاوز في أن يكون قائد سيارة لاندكروزر وأكثرنا طموحاً يريد أن يكون معلماً كذلك الشامي الذي يدخل فوَّاح الرائحة ويعرف العدّ والحساب والألف باء.
كان الواحد منّا يرى سيارة «الشاص»، هكذا كنّا نسميها فيتمنى أن يأتي ذلك اليوم الذي نغادر فيه المدرسة إلى قيادة تلك السيارة التي كان يقودها صاحبها بسعادة فنتمنى أن نكون مثله ننقل الركاب ونأنس بوجود أهل القرية والأصحاب.
(2)
كنا ننظر إلى المعلم على أنه الوحيد الذي يمكن أن نقتدي به بل هو الوحيد الذي يملك هذا الجاه والسلطان والعلم ولم يكن تفكيرنا يرتقي إلى آخرين يحملون رسائل أخرى إلى المجتمع كنا نذهب إلى الطبيب الذي جاءنا من بلاد بعيدة فلا يرهبنا منظره ولا تخيفنا مرتبته التي يتمتع بها كنا نظنه حاقن إبرٍ وصاحب حبوبٍ للصداع والألم فلم نكن نتمنى ذلك بل كنا لا ندرك كيف وصل هذا الطبيب إلى ما وصل إليه بل كنّا لا نعي أنه درس فعلا ً.
كان معلمنا هو الذي نراه أحسن الناس الذين نتعامل معهم والفائز منا من يظفر بصحبة معلمه أو إسناد شيء له من قبل معلمه.
(3)
وفي السماء كنا نرى الطائرة فلا نعرف كيف وصلت ومن أوصلها فعلاً كانت أحلامنا مبعثرة متعثرة ولم تكن قريتنا الصغيرة تحظى بتوافر أصوات الطائرات فيها حتى نُلحّ في الأسئلة عنها، كنا نعرف من كتاب الأناشيد ما هي الطائرة؟ ولم نكن نعرف كيف الوصول إلى الطائرة وكيف يمكن أن نتعلم قيادتها؟
لم تكن أحلامنا ترتقي إلى مستوى الأطباء أو الذين نستهجنهم أحيانا فنسميهم مع آبائنا دخاترة ولم تكن أحلامنا ترتقي عالياً فتعرف أسرار الطائرة أو متى سنكون طيارين.
(4)
وفي الجانب الآخر كنا أسعد الناس بأنصاف شطائر الساندوتش التي حلت ضيفاً على القرية فعرفنا المربى وأقراص «الصامولي»، وكان هذا طموح كثير من الذين تفوح حقائبهم الصغيرة وأكياس كتبهم برائحة الخبز البلدي «الخمير»، فانطلقنا خلف أقراص المربى وأنصاف الشطائر تاركين رائحة الخمير الجازاني تفوح في تنانير البيوت.
(5)
وعندما كبرنا وكبرت أحلامنا وعرفنا كل العرف المعلم والطبيب والمهندس سلك كل واحد منا طريقه فمنا من استطاع ومنا من تعثرت أحلامه وبات يحلم كما كنا نحلم في الصغر.
محمد حسن غاوي
مكتب الجزيرة جازان
|
|
|
|
|