رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 7th September,2001 العدد:10571الطبعةالاولـي الجمعة 19 ,جمادى الآخرة 1422

ملحق ملتقي خادم الحرمين الشريفين

العمارة المعنوية
د. عبدالرحمن بن سليمان المطرودي
عمارة هذا الكون سنة من سنن الله سبحانه وتعالى ، ووظيفة أساس للإنسان في حياته ، والعمارة بنوعيها المادي والمعنوي تضبطها شريعة الإسلام وتوجهها وفقاً لمراد الله سبحانه وتعالى .
والعمارة المادية بما تحتاجه من فكر ، والآلات وأدوات لا يمكن أن تؤتي ثمارها مالم تكن العمارة المعنوية التعبدية مقصودة فيها ومحققة لمراد الله جل وعلا في خلق الإنسان ووجوده «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون »وهذه هي العمارة الحقيقية لهذا الكون بعناصره ومكوناته المتنوعة .
ووظيفة الإنسان في هذه الحياة فطرية توافق كل عقل صريح ويصدق عليها كل نقل صحيح ، فلا تخالف ما يسمي بنواميس الحياة ومتطلبات الإنسان «كل مولود يولد على الفطرة »، والفطرة السليمة من المؤثرات الخارجية «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه »تقر بوجود الله سبحانه وتعالى واستحقاق العبادة وحده لا شريك له «ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله».
فسلامة إسهام الإنسان في عمارة هذا الكون يعتمد على سلامة فطرته من المؤثرات الخارجية التي ربما صرفت فطرته عن مسارها الصحيح ، وإخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن سعة انتشار هذا الدين واسهامه في عمارة الكون « سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار » يفيدنا أشياء كثيرة منها غلبة الحق وانتصاره ، وغلبة الفطرة السليمة على الفطرة المعتلة المنحرفة ، ثم انتشار دعاة الإسلام في الأرض شرقاً وغرباً . شمالاً وجنوباً ، وهذا ما يعيشه عالمنا المعاصر فما من بقعة في الأرض إلا وفيها داع إلى دين الله وسنة نبيه محمد .
إذ انتشر المسلمون في أرجاء المعمورة ناشرين بأفعالهم وأقوالهم وأخلاقهم أساس وقاعدة عمارة الأرض هذا الانتشار الذي آمن بحدوثه كل المسلمين ، إذ هو مما أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن خشيه وتنكف له الطريق أولئك الذين أعمى الله بصائرهم من أعداء الإسلام والمسلمين فلم يروا في الإسلام إلا تفسيرهم المعلول لبعض تعاليم الشريعة الإسلامية جاهلين أو متجاهلين قول الحق جل وعلا «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً » ،فحمل رسل الإسلام هذه النعمة التامة المرضية من الله سبحانه وتعالى إلى الناس كافة مبلغين لها بأقوالهم وأفعالهم .
وكان لا بد لهذا الانتشار من إمارة ترعاه وتقوم على أمره إذا كان خارج الدول الإسلامية فنذر جمع من المسلمين أنفسهم للإسلام وخدمة المسلمين فتكونت الجمعيات والمؤسسات الإسلامية على تعدد في مسمياتها وتوافق في أهدافها لتقوم بواجب القيادة بين المسلمين فيما لهم إليه حاجة وموافقاً للأعراف ونظم الدول التي يوجد فيها المسلمون مما لا يخالف الشرع .
وعند النظر في الواقع نجد تنوعاً في الاهتمامات والوظائف تللك الجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية فمن مهتم بالدعوة إلى الله ونشر العقيدة الإسلامية بين غير المسلمين ، ومن مهتم بشؤون الجاليات والأقليات المسلمة من تعليم لأبنائهم ورعاية لمصالحهم العامة أو الخاصة ، هذا التنوع في الاهتمامات والوظائف والأهداف مع التباعد في الأماكن واختلاف البيئات والثقافات نتج عنه تعدد في تلك المؤسسات وتنوع في خبراتها وتنظيماتها الإدارية والقانونية والفنية ، فأصبح لديهم تنوع في الخبرات وتراكم معرفي ، الأمر الذي استوجب تبادل الخبرات والمعارف والمعلومات بينهم بأساليب وطرق ووسائل متعددة كان من بينها التجمعات المحلية والإقليمية والدولية ، وهذا ما عرف بمصطلح «الاتحادات » سواء ما كان اتحاداً محلياً يجمع عدداً من الجمعيات والمؤسسات والمراكز المحلية أو ما كان يجمعها على نطاق الدولة الواحدة أو في القارة الواحدة ، أو في نطاق دولي .
وحيث إن المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية تقوم بواجب المسؤولية الشرعية في رعاية مصالح المسلمين في البلاد التي توجد فيها الأقليات والجاليات المسلمة ، لذا فإن دعمها ومساندتها يقع ضمن الواجبات الشرعية على عموم أفراد الأمة المسلمة كل بحسب طاقته واستطاعته ، لهذا انبرى لمساندتها ودعم برامجها والتعاون معها في جميع مناشطها نفر من المسلمين نور الله بصائرهم وهداهم للتي هي أقوم ، فلبوا نداء الواجب طواعية واختيارا ، وكانت المملكة العربية السعودية سباقة في هذا الميدان ، والواقع المشاهد الذي يراه كل ذي بصيرة يبين أن منهج المملكة العربية السعودية ، الذي لا تحيد عنه وسياستها التي لا تقايض عليها ، الدعوة إلى الله ونشر الإسلام ونصرة المسلمين بكل الوسائل والطرق الممكنة وكان هذا ديدنها على المستويين الرسمي والشعبي إذ كان ولاة الأمر فيها وفقهم الله قدوة حسنة في مساندة ودعم المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية العاملة في مجال الدعوة إلى الله ورعاية مصالح الأقليات والجاليات المسلمة في العالم . كما كان للمواطنين يد ندية في دعم مناشط تلك الجمعيات والمراكز . هذا إلى جانب ما تقوم به المملكة العربية السعودية من دفاع عن حقوق الأقليات والجاليات المسلمة في العالم ونصرة لقضاياها.
هذا الدعم والمؤازرة والمناصرة فتح أبواباً من التعاون المثمر واللقاءات المتعددة الهادفة المتنوعة بين المؤسسات الإسلامية ، فكانت المؤتمرات والندوات واللقاءات المحلية والإقليمية والدولية بصفة مستمرة لدراسة ومناقشة موضوعات كثيرة تهم المسلمين جماعات وفرادى ، أو لتبادل الخبرات والمعارف في ورش التدريب أو في ندوات متخصصة مغلقة أو مفتوحة ، وكانت تلك من المناشط التي لقيت رعاية وعناية ودعماً خاصاً من لدن حكومة المملكة العربية السعودية لما في هذه المناشط من رفع لراية الإسلام ونصرة للمسلمين وجمع لكلمتهم وتوحيد لصفهم وتلاقح لأفكارهم في مجال نفع المسلمين، وتبادل لخبراتهم في موضوعات اختصاص وأعمال تلك المؤسسات ، وقبل هذا كله توعية للمسلمين بثوابت دينهم وتثبيتهم على عقيدة التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى وأبعاد شبح اضمحلال وذوبان المسلمين في ثقافات وحضارات ومناهج الفكر في المجتمعات التي يعيشون فيها ، مع توعيتهم بدورهم في مجتمعاتهم ، ولهذا ولغيره من الأسباب والبواعث كانت الملتقيات الفكرية الإسلامية الثقافية التي لقيت دعماً ورعاية وعناية خاصة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ، التي شرفت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بتكليف خادم الحرمين الشريفين لها بتنظيمها والإشراف عليها .
ولقد عمدت تلك الملتقيات إلى العناية بكل ما يهم المسلمين حيث تعاهدت بالدراسة والبحث والمناقشة الموضوعات تعنى بنشر الإسلام وتعضيد حال المسلمين لتكّون شخصيتهم الإسلامية المتميزة التي تبرز محافظتهم على عقيدتهم الإسلامية وتطبيقهم لشريعة الإسلام عاملين فاعلين في مجتمعاتهم.
ولقد كان للجهود المبرورة والمشكورة لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على الملتقيات والتوجيهات السديدة الرشيدة ما جعل تلك الملتقيات تلبس حلة وجمالاً ورونقاً أهدى إلى كل المهتمين بالدعوة والدعاة شغف انتظارها واللهث وراء المشاركة فيها لما لها من اهتمام بتوعية المجتمع الإنساني بصفاء وسلامة الإسلام ، الدين الذي ينبذ كل رذيلة ويحارب كل اعتداء أو مصادرة لحقوق الإنسان ، وتبصيراً للبشرية بحجم إسهام حضارة الإسلام في بناء الحضارة الإنسانية وتوفير الأمن وفرص العيش في مجتمع يسوده الوئام والاحترام ، بعيداً عن الانفعال الذي يقود إلى العنف أو ارتكاب الجريمة لا سمح الله ، وذلك اهتداء بشرع الله ونشراً لمحاسن الإسلام الذي كفل حق الفرد والجماعة بطريقة تتميز عن كل الأطر والأفكار البشرية التي لا تخلو من التأثر بعواطف الإنسان وغرائزه وميوله مما يضفي على تلك الأطروحات الفكرية التنظيمية أو القانونية صفة الفردية أو الشخصية أحياناً أو الإقليمية أو العنصرية أحياناً أخرى مما يجعلها لا تناسب الفطرة السوية السليمة ،لذا فلا استغراب أن تتنوع موضوعات تلك الملتقيات وتتعدد مواطن انعقادها ، وكان هذا ظاهر جلي في الملتقيات السابقة حيث تنوعت موضوعاتها تنوعاً جمع بين الشمولية في محاور جلي والتمحيص والدقة في الدراسة والمناقشة ، لأن لهذه الملتقيات الثقافية أهدافاً واسعة يتمثل فيها العمق في الاختصاص والشمولية الموضوعية لما يتصل بالإسلام والمسلمين من أمور ، ومن هذا المنطلق كان اختيار موضوع الملتقى الخامس الذي أهتم بدراسة ومناقشة وضع المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية وإمكانية استشراف مستقبل لها عله أن يتحقق من خلالها نشر الإسلام وخدمة المسلمين في هذا العالم الذي يعيش مستجدات كثيرة متطورة ومتغيرات سريعة في مجالات متعددة ومحطات مختلفة وهذا التجديد في الموضوعات والتنويع في الاهتمامات يوافق منهج المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين في مجالات متعددة ، ويحقق توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الذي تفضل مشكوراً مبروراً بالتوجيه بتنظيم هذه الملتقيات على حسابه الشخصي ، وتلبية لتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الذي يحرص دائماً على مناصرة ومؤازرة المسلمين أينما كانوا بكل السبل والوسائل ، ثم استشرف تطلعات صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي يعنى بالتخطيط ورسم السياسات العامة لتطلعات المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين ودعم مناشط الدعوة إلى الله وإرشاد المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم .
نسأل الله أن يشكر صنعهم وأن يبارك في جهودهم وأن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
والشكر موصول إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز على اهتمامه ومتابعته لأعمال هذه الملتقيات بما أكد استمرارها وهيأ لها أسباب النجاح .
* وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الأوقاف
رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى خادم الحرمين الشريفين
الإسلامي الثقافي في كوبنهاجن بالدنمارك

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved