| العالم اليوم
* صنعاء عبد المنعم الجابري:
شهد الأسبوع الماضي حركة تغييرات وتنقلات وتعيينات جديدة واسعة في أجهزة السلطة القضائية في الجمهورية اليمنية، وذلك بموجب قرارات أصدرها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بهذا الخصوص.. وهي القرارات التي تضمنت إجراء عملية تغييرات وتعيينات لمئات من القضاة والمسؤولين والأعضاء في مختلف المحاكم والتيارات العامة على مستوى عموم المحافظات اليمنية، إضافة إلى إحالة عشرات من القضاة إلى التقاعد وكذا عزل العديد ممن ثبت ارتكابهم مخالفات وإخلالهم بواجباتهم وإحالة آخرين إلى مجالس تأديبية خاصة.
هذه الخطوة التي قابلها الشارع اليمني بارتياح وتفاؤل جاءت لتصب في ذلك الاتجاه الهادف إلى تصحيح مسار الأداء في أجهزة السلطة القضائية في اليمن، ومعالجة مظاهر الاختلالات والقصور بما في ذلك بعض جوانب الفساد التي تعاني منها هذه الأجهزة.. وهو ما أدى إلى تردي أوضاعها وحال دون قيامها بمهامها ومسؤولياتها تجاه قضايا المجتمع بالشكل المطلوب .. مما كان له انعكاسات سلبية على كثير من الأوضاع في الساحة اليمنية.
وتأمل مختلف الأوساط في الشارع اليمني في أن يكون لهذه الخطوة التصحيحية نتائج إيجابية في إعادة ترتيب أوضاع أجهزة النيابة العامة والقضاء وتفعيل أدائها ودورها بما يسهم في معالجة الكثير من جوانب الإخلالات وبعض الظواهر السلبية التي أصبحت تمثل مشكلات وتحديات تواجهها الدولة ويعاني منها المجتمع اليمني.. على اعتبار أن جوانب القصور وتردي أوضاع الأجهزة القضائية التي عانت على مدى السنوات الماضية من بعض مظاهر الفساد كان سببا رئيسيا في بروز واستفحال تلك المشكلات الاجتماعية والتي من أبرزها مشكلتا الثأر وحمل السلاح.
وكما يرى العديد من المراقبين وكذلك المسؤولين اليمنيين فإن آلية عمل أجهزة القضاء بما رافقها من سلبيات كثيرة في أسلوب التعامل مع قضايا الناس مثل التطويل في إجراءات التقاضي وعدم البت السريع فيها نتيجة الفساد الحاصل في بعض هذه الأجهزة، أمور لعبت دورا أساسيا في نشأة ظاهرة الثأر التي يعكف حاليا مجلس الشورى اليمني بالتنسيق مع بعض الجهات المعنية على بحث ودراسة السبل الكفيلة بإيجاد معالجة لها وفقا لتوجيهات أصدرها الرئيس علي عبد الله صالح بهذا الخصوص.
ولعل في الأوضاع التي عاشتها سلطات القضاء ما أدى إلى زعزعة ثقة الناس من المتخاصمين وأصحاب القضايا المختلفة وبالذات القضايا الجنائية الجسيمة بأجهزة هذه السلطات، ومن ثمَّ ونتيجة للشعور بعدم وجود قضاء عادل ونزيه فإن الكثير من أبناء القبائل في بعض المناطق اليمنية عادة ما يفضلون اللجوء إلى الأعراف القبلية في حل مثل هذه القضايا.. وهناك من يلجأ إلى الثأر مفضلا أخذ حقه بيده، وذلك بدلا من اللجوء إلى القانون والاحتكام إلى سلطات الدولة ممثلة بالمحاكم وأجهزة القضاء المختلفة والتي يرون انها وبسبب التطويل في إجراءات التقاضي تزيد من معاناتهم وتكلفهم الكثير من الوقت والمال.
ويأتي اللجوء إلى الأعراف القبلية على الرغم من أنها في كثير من الحالات تؤدي إلى انعكاسات سلبية حيث يرى المراقبون والمهتمون وكذلك المتخصصون بالشؤون الاجتماعية بأن الأعراف القبلية كثيرا ما تكون معالجتها للمشاكل والقضايا سطحية وغير جذرية مما يؤدي إلى عودتها من جديد، على اعتبار انه لا توجد عقوبات محددة في هذه الأعراف إضافة إلى كونها في كثير من الأحيان تفرض على بعض أطراف النزاع حلولا غير مقنعة مما يؤدي إلى تجدد القضايا وعودة الثأر.
وبحسب الإحصائيات التي أوردتها مصادر رسمية فإن قضايا الثأر في اليمن قدرت في عام 1997م بنحو ثمانية آلاف قضية، في حين وصل عدد الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية بالإعدام الشرعي «القصاص» ولم تجد طريقها إلى التنفيذ إلى أكثر من 400 شخص.
وخلال العام الماضي وبحسب معلومات من مصادر رسمية فقد بلغ عدد حالات القتل التي شهدتها مختلف المناطق اليمنية أكثر من 700 حالة بعضها يرتبط بقضايا «ثأر» أو بسبب نزاعات قبلية أو شخصية حول أراضٍ وعقارات وغيرها، وهذا ما يعرف بالقتل العمد والبعض الآخر والمعروف بالقتل غير المتعمد وهو ناتج عن سوء استخدام السلاح المنتشر بأعداد هائلة في أوساط السكان.
ولعل وجود ظاهرة الثأر يعد سببا أيضا في وجود ظاهرة حمل السلاح، حيث يضطر أبناء المناطق أو القبائل التي تنتشر فيها مشاكل الثأر إلى حمل أسلحتهم أثناء تنقلاتهم بين منطقة وأخرى تحسبا لما قد يواجهونه نتيجة لوجود الثأرات سواء بين أبناء القبيلة الواحدة أو بين أبناء هذه القبيلة وتلك.
ونتيجة لما سبق فإن إصلاح أجهزة القضاء وتصحيح آليات الأداء فيها أمر من شأنه أن يقود إلى الحد من ظاهرة الثأر وكذلك ظاهرة حمل السلاح وكذا الحد من كثير من الإخلالات الأمنية، ومن ثم التغلب على بعض المعوقات التي تقف أمام حركة التطور الاجتماعي والتنموي.
كما أن الإصلاحات القضائية وتطوير النظام العدلي وبالذات ما يخص المحاكم التجارية المتخصصة أمر لا شك سيكون له مردوداته الإيجابية على صعيد النشاط الاستثماري والاقتصادي في الجمهورية اليمنية.
ولعل ما يزيد من تفاؤل الشارع اليمني هو أن القرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس علي عبد الله صالح قد تضمنت كذلك إجراءات تتعلق بتفعيل دور هيئات الرقابة والتفتيش والمحاسبة القضائية لضمان نجاح عملية الإصلاحات وضمان سير أداء أجهزة القضاء بالشكل الذي يحقق الأهداف المنشودة.
|
|
|
|
|