كان شعوري لا يوصف عندما وقعت عيناي على مقالة تتناول «رحلة الحياة..» كونها بددت كل الأقوال المتضاربة عن وضعكم الصحي التي كانت تأتي من مصادر مختلفة!!.. لقد كان حلما مخيفا لم يستطع الراقد أن يصحو منه، حتى صار كالذي أفاق على خرير الماء الذي يتدفق من السواني مع صوت«الساني» بثوبه الخلق وظهره النحيل ووجهه الذي تقرأ فيه كفاح الأيام وجوع الليالي وضمد الدنيا، ولو أنحيت بصرك قليلاً إلى الأرض لرأيت «شطوب» قديمه التي لا تعرف« الفازلين». وصوت عصافير تلك«الحيالة» الصغيرة مع قيلولة الشمس الحارة التي يتربع في زاويتها ذلك«الوانيت» الذي طالما كنا نتغنى بصوت«كنداسته» عندما ننطلق باكرا إلى الخباز بحثاً عن «خبيزات» نتناولها مع أكواب الشاي التي تكاد تجزم أنها من بقايا متحف«اللوفر» بألوانها الزاهية المتقلبة كل يوم بلون عجيب!!! كأني بذلك الوانيت وهو يسابق الريح على الرغم من أنه كان يمتطي«الردمية»، ولا تسأل عن كم«ساقي» طمرنا أو كم شوطاً قطعنا!! كأني به الآن بعد أن صدرت الأوامر بتحويله إلى نظام التقاعد بدون خدمات.. قد بدت عليه بصمات السنين وهموم المشاوير، أقول.. لقد كان كابوساً تبعته إفاقة ترنحت بين النوم واليقظة، فالحال كان مختلفاً والخبز جاء صاعقاً!! ففي ليلة من ليالي صيف الرياض الملتهب، كنت في سمر مع بعض الأصدقاء. وإذ بالجوال يرن فلم أعرف انه عزاز من بحةٍ في صوته أخفت منطوق بعض حروفه، ولعل فراسة المؤمن لا تخيب، فرنين الجوال في تلك اللحظة كان مهيباً وكأنه يخفي ذلك الخبر بين أزراره.. وقع الخبر علي بكل ثقله وأنا مابين مصدق من عدمه. غير أني أقفلت الجوال وهي المرة الأولي التي أجد صعوبة في ذلك.
عندها بدأت الألسن تلهج بدعاء الله لكم وصارت القلوب ترافقكم والسؤال يزداد عنكم.. فان الله إذا احب عبده وضع له القبول في الأرض، فقد تلقيت اتصالات من مديري إدارات بالشركة ومن أناس فضلاء خففوا وطأة الوقع علينا بسؤالهم المتكرر عنكم ودعواتهم الطيبة لكم وتذكيرهم بأن المؤمن أمره كله خير إن أصابه خير شكر فكان خيرا له وأن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له« كما في الإرشاد النبوي»، وقد وعد الله الصابرين بالبشرى لهم قال تعالى:« وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون». وذات يوم عدت إلى البيت بعد جهد العمل، وكالمعتاد بانتظار وجبة الغداء اليومية، .. كانت الأمور تسير في سياقها الروتيني إلا من بعض الهموم التي يكون الفارق فيها أنها تزداد مع تناقص الأيام، وعندما امتدت يدي إلى الصحن لتأخذ ما كتب لها من الرز.. قاطعني صوت زوجتي وهي تخبرني بأنه تم نقلك إلى هيوستن للبدء في مرحلة العلاج الكيماوي.. لم أدر ما يتصارع في عيني!! تراها أكبر من أختها.. لكن أيقنت أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.. فحكمة الله بالغة ومشيئته نافذة وقضاؤه فينا ماض. لم أجد في ذلك الوقت أجمل من الصبر على ماكان وأن ألجأ إلى الله بالدعاء.. فكم هو جميل حينما يتعلق العبد بربه ويناجيه وقد أيقن بالإجابة. يبقي أن .. أسأل الله أن يشفيك وأن يرفع عنك ما أصابك وأن يلبسك لباس الصحة والعافية.. وأن يرفع بها منزلتك ويعلي بها شأنك.. وأبشر فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا. ومهما كنا عنك بعيدين فنحن معك بقلوبنا وبدعائنا لك. أخيراً .. سقطت بين يدي هذه الأبيات وكأنها تحكي الواقع وتمازج حالنا بحالكم.. يقول الشاعرü.