لا ضير في أن نجعل من ذواتنا ما يحقق غاياتنا، خاصة فيما يحيط بنا من قوانين حسن التعامل، فمثلاً لا حصراً، حري بنا إنجاز الأعمال بروح جماعية تملؤها نفس الجسد الواحد، بتصافٍ وتوادٍّ وتعاطفٍ، وكل المعاني والخصال التي نفقدها في زمن الماديات البحتة، ومن أسف أنه رُسمت لنا أفكار يغلب عليها التسطيح الثقافي على المستوى الرأسي، وإن كانت ترتفع على المستوى الأفقي، بل هناك محاولة للتنصل من جميع تلك الصفات الحميدة، وهو ما قد يكون من منظور البعض وفقاً للمبدأ الميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة»، ومما أعان على ذلك سذاجة الطبع عن ثلة من الناس فبمجرد مبادرتك بالحديث معه في أي أمر من الأمور يجنح ويأبى السماع، حتى وإن أحسنت وفادته.
هكذا هي سكة العمر، لا يمكن أن نعيب منغصاتها، فهي تضعنا بين حين وآخر أمام مطالب نضطر لها لنقوى على حمل الجسد، وأعتقد أنه أمر لا غبار عليه وفيه غنى للنفس البشرية السوية فليس من الطبعي ترك صاحب الحاجة في منأى عمَّن بيده بعد الله انجاز عمله،
ولتقريب الصورة أكثر لو كان لك معاملة في جهة ما وربما لا تحتاج لجهد يذكر لسيرها في الطريق الصحيح والذي في الأغلب الأعم يتسم بالخطوات البيروقراطية الطويلة التي لا نهاية لها.. في هذه الأثناء قد تتوقف عند أحدهم من أجل استيفاء الشروط اللازمة، لتواصل المسير حتى تنتهي إن كتب لها ذلك..!! وإن كانت الحقيقة بعيدة كل البعد عما ذكر حول تلك المعاملة اليتيمة والبريئة براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام مما ألصق لها من تهم باطلة، وفوق كل هذا يأبى هذا الموظف في موقع مسؤوليته التعاون ليس بتمريرها، وإنما فقط بتسهيل عملية انتهائها، وهذا من أسس عمله المناط به، وتتمنى في هذه الأثناء لو تستحضر ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله في وصف حال الأطراف أصحاب الشأن:
الناس للناس ما دام الحياةُ بهم
والسعد لاشك تارات وهبات
وأفضل الناس ما بين الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات
لا تمنعن يد المعروف عن أحدٍ
ما دمت مقتدراً فالسعد تارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
نعم، صدقت ورب كاتب هذه السطور، وكلام الله سبحانه وتعالى في هذا أبلغ، حيث قال البارئ مخاطباً عباده: (وتعاونوا على البر والتقوى) الآية، ولا أظن وقوفك بجانب أخيك إلا من البر والتقوى.
وصفوة القول إنه لن يكون هناك عوائق تعترض طريق أي منَّا، سواء النافع أوالمستنفع، بيد أن هذا لا يعني عدم وجود محاولات أو مساع حثيثة من صاحبنا العاجز عن كسب المراد، فالواجب عليه أن يظل مشبعاً بالحماس وإلا يقف مكتوف الأيدي وله بإذن الله التوفيق.