| عزيزتـي الجزيرة
لقد كان سوق الثلاثاء وهو أقدم أسواق منطقة عسير يقام في «رأس أملح» غرب حي مناظر، وكان يعرف بسوق «ابن مدحان» حتى عام 1242ه نسبة إلى جد عشيرة آل مدحان، كانت تسكن حي مناظر وكان الناس يتوافدون إليه لقضاء احتياجات منازلهم بحكم ان السوق اسبوعي ولا يوجد مكان آخر بعده يقضون منه حاجياتهم سوى دكاكين صغيرة وقليلة أما سوق الثلاثاء فكانت تحيط به الدكاكين والمعروضات من كل جانب وكان يؤدي دورا اقتصاديا ودورا اجتماعيا ففيه يناقضى الناس ويحلون نزاعاتهم ويتبادلون اخبارهم وكان كل ما يعرض فيه من منتوجات المنطقة ما عدا ما يجلب إلى السوق من أشياء من خارج المنطقة او من بعض الأجزاء التهامية كالقهوة والقشر والزبيب والهيل والعطارة أو الاقمشة، او ما يجلب من عدن لكونها ميناء تجاري حر، ولقد سمي بسوق الثلاثاء نسبة إلى قيامه كل يوم ثلاثاء من كل اسبوع ويسميه العوام «الثلوث» وكان بمثابة الصحيفة اليوم فعن طريقه والتقاء الناس يعرفون اخبار المناطق ويسمعون بعضهم شعر بعض ويشترون ما تحتاجه بيوتهم من الحبوب مثل البر والشعير والذرة وكذلك السمن والعسل والخضروات والفواكه المحلية والمواشي من أغنام وأبقار وجمال وكذلك الأسلحة كالخناجر والسيوف وتعرض فيه الملبوسات التقليدية التي تخاط بأيدي رجال ونساء مهرة والحلي والمشغولات والعطارة وكان الشراء يخضع لظروف وأحوال الناس كل بحسب قدرته كانت العملة المتداولة آنذاك اما الريال الفرنسي او المقايضة في السلع وكان الباعة يأتون إلى السوق قبل موعده بيومين او ثلاثة خاصة البعيدون عنه يسوقون أمامهم مواشيهم ودوابهم وهي تحمل ما يرغبون تسويقه من حبوب وثمار وكان السوق في البداية يقام حتى الظهر ثم بعد نشاطه وزيادة حركته اضطر الباعة ان يستمروا حتى المغرب وعند موعد صلاة الظهر كان بعضهم بعد الصلاة يذهبون لتناول الغداء عند اقاربهم لعدم وجود مطاعم وقد أفادني أحد الرجال المسنين ممن عايش أوضاع السوق وأحواله قبل نصف قرن بقوله: كان القاضي يجلس على «دكة» جوار السوق وكان الناس يصفون بالدور أمام مجلسه كل رجل وخصمه آخر وحاجته اما يرغب في سؤال الشيخ عن قضية دينية او قضية طلاب او قضية ارث وكان الشيخ يسأل ويناقش وفي الحال يخرج الخصمان وقد تراضيا ويرجع السائل وقد اجيب على سؤاله.
ولعل أهل أبها يذكرون أشهر تجار سوق أبها قبل نصف قرن من الزمان اذكر منهم من أعرفه «محمد قديمي، علي أبو عشي، علي وناصر الكود ري، مصطفى بن عزيز، احمد بن عامر ابو مسمار، احمد محمد ميمش، محمد الراقدي، احمد فايع حتروش، الحمراني» وغيرهم وكلهم رحم الله حيهم وميتهم اتسموا بالصدق والنزاهة وفي اطلالة تاريخية على السوق آنذاك نجد ان الباعة ينظمون أماكنهم فأسحاب الحبوب لهم مكان مخصص وكذلك أصحاب المواشي والنساء يحضرن الحطب من أماكن بعيدة وبائعات اللبن والدهن.
أما رواد السوق فكان الرجل بعد ان يعود من صلاة الفجر يفطر ويشرب قهوته ثم يأخذ «الزنبيل» ويخرج إلى السوق ويبدأ بالمرور على بائعي الخضار ويشتري حاجته ثم يمر على السوق ليشتري ما يحتاجه منزله ويكفيه لموعد السوق الثلاثاء القادم ولعل اهل أبها يذكرون مؤذن مسجد «برزان» محمد الحبيني وهو من المؤذنين المعروفين ولا تنساه الآذان كان يمارس دور «المذيع» في سوق أبها لكل من أضاع نقوداً أو حاجة أو يعلن للناس عبر شرفة البلدية موعد الصيام أو الأعياء كما ان السوق كان يعد وسيلة إعلام وتربية فكان يتم عقاب المذنب أمام الناس او من أتى بجرم حسب الشريعة الإسلامية.
واليوم سوق الثلاثاء بشكله الحديث يوجد على مقربة من قرية المفتاحة بعد ان لبس حلة جديدة تحفظ له تراثه ودوره الذي كان بعد ان أضحى ذا قيمة تراثية وسياحية وقد افتتحه الأمير خالد الفيصل في 7/6/1416ه وقد تم بنائه على شكل بيضاوي حتى يستوعب أعداد زواره ورواده ويضم بداخله أكثر من مائتي دكان وبسطة يعرض فيها الباعة معروضاتهم بشكل جميل.
محمد إبراهيم فايع
خميس مشيط
|
|
|
|
|