| محليــات
جرت العادة عند الباحثين الأكاديميين أن يتقيَّدوا بأخلاقيات البحوث العلمية، تلك التي من ضمنها الحرص على مبدأ الخصوصية، أو السريَّة بمعنى آخر، فيما يتعلَّق بالأفراد الذين يُخضعهم البحث للدراسة، من الذين تدور أهدافه على ما يحصده الباحث عنهم من «مادة»، تجعلهم محور دراسته، كي يصل إلى النتائج التي يتوخَّاها.
وهناك من الباحثين الأكاديميين من هم منخرطون في سلك الكُتَّاب الصّحافيين، وهم بدل أن يذهبوا إلى الآخر، ويحصدوا عنه مادة لكتاباتهم، فإنَّ هذا الآخر يمثِّل المقابل للكاتب إذ هو القارئ له، والذي بدوره هو الذي يأتي إلى هذا «الكاتب» بكلِّ ما يموِّنه بمادة تمثِّل خصوصية القارئ وتدخل في نطاق السريَّة عند عرضها على معايير أخلاقيات البحث العلمي بينما الصحافة لا توجد لها مثل هذه المعايير، ولم يقنَّن لها ما يدخل ضمن نطاق دور هذا الكاتب الأكاديمي في حالة أنَّه يؤدي عمله في الجانب الأكاديمي.
وعلى الرَّغم من أنّ الصحافة سبقت لدينا زمنياً العلم، ومناهجه، وضوابطه، وتصنيف أخلاقياته... إلاَّ أنَّه ليس هناك قانون أخلاقيات مكتوب يتقيَّد به هذا الأكاديمي المقيَّد في أروقة مراكز البحوث، المطلق فوق أنهار الصحف.
وقائل قد يقول: إنَّ هناك ضوابط «للممنوع» في الصحف تدخل ضمنها قيود النشر، غير أنَّ ذلك لا ينطبق إلاَّ على التجاوزات اللَّفظية عند الحوار، أو نشر القضايا، أو تبني وجهات النّظر، أو التعرُّض للأفراد، أو المؤسسات، يحكمها نظام النشر وفق سياسات ترتبط بتوجُّهات كلِّ بلد بضوابط قوانينه الرسمية.
أمَّا فيما يتعلَّق بخصوصيات الأفراد، فهي إذا كانت مقدمة من قبلهم، فكيف لا يتيح لها الكاتب مجالاً لأن تكون محور كتاباته؟، وهذا يتنافى مع مبدأ أخلاقيات البحث العلمي.
لذلك، فالكاتب الأكاديمي، الذي هو باحث أكاديمي يجد نفسه بين مأزقي الممكن صحفياً /غير الممكن بحثياً/، مما يستدعي السؤال، ما هي حدود ماذا؟! وما هو قانون ما هي؟
وهل هذا الأمر هو مؤشر لعدم تطور الصحافة وفق منهجية أخلاقية مقيِّدة؟ وفي حالة ذلك، أيمكن أن تتطور «مهارات» الأداء لهذه المنهجية لدى كافَّة كُتَّاب الصحف وليس فقط من هو منهم أكاديمي؟!
وهل في هذه الحدود يكون القارئ على قدرة لأن يدرك الفارق بين الخصوصية، وقانون سريَّة ما هو عنه ضمن أخلاقيات الممكن/ وغير الممكن؟
مثل هذا الموضوع يحفِّزني لأن أعقد دراسة مقارنة حول أخلاقيات النشر بين البحث العلمي والنشر الصحفي، ولعلَّ ذلك يدعوني إلى البحث عن نشأة أخلاقيات البحث على مستويات عديدة في الغرب، وفي العالم العربي، وفي مجتمعنا، لمعرفة ما هو المتغيِّر الذي لعب دوره من خلال هذا التأريخ لأخلاقيات العلم حديثاً وقديماً، هناك، وهناك، وهنا... وما هي أوجه الاختلاف بين متغيّر وآخر.
ولعلَّ مثل هذا الموضوع جديرٌ ببحثه دارسو الإعلام... لذلك فإنني أقدِّمه هدية لأحدهم كي يضطلع ببحثه ومن ثمَّ بدرسه، وبعقد المقارنات الزمنية، والتأريخية، والموضوعية لهذه الفكرة.
ولعلَّ ما بعث لديَّ التفكير في هذا الموضوع، هو سؤال ورد إليَّ من قارئة كريمة تسأل عن مدى رضائي عن الكُتّاب الذين يتتبَّعون «عورات» القراء، أو زملائهم الكُتَّاب، والصحافة التي تقتات على خصوصية الإنسان...، فتذكَّرت أخلاقيات الباحث في بحثه العلمي، وأخلاقيات البحث العلمي في ضوابطها...، ومن ثمَّ كيف يسعى الباحث للحصول على مادة بحثه، بينما القارئ هو من يقدِّمها للكاتب على طبق بلُّوري...، إذا استثنينا حوافز الإثارة الصحفية التي تطوي تحت عناوينها كافَّة أخلاقيات التعامل مع الآخر، وتلك التي يسعى لها «المثير» من الصحافيين ممَّن يقتات على بريقها، ولا تُقلق مضجعه مشاعر الموخَزين برنين ضحكات انتصاره حين يحقق الإثارة، وتنجح صحيفته في التَّرويج لها على حساب الآخر.
تلك معضلة...
لعلّ باحثي الإعلام كفيلون بقبول فكرة البحث فيها.
وإلا فسوف يكون بحثاً ممتعاً أبدأه نيابةً عنهم.
فما رأيهم؟!.
|
|
|
|
|