أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 5th September,2001 العدد:10569الطبعةالاولـي الاربعاء 17 ,جمادى الآخرة 1422

محليــات

يارا
الزمزمية في الأدب
عبد اللّه بن بخيت
عندما كنت مثقفا. لا يمكن أن تفوتني معارض الكتب، وأسوة بغيري من المثقفين كنت أعاني بعد نهاية المعرض من المصوع والملوع المتنوعة من شيل الكارتين والأكياس المعبأة بالكتب. وكم تمنيت جرأة وشجاعة أخي الأستاذ راشد الحمدان لكي أستفيد من خدمات «أبو فاس» الجليلة. ولكني كنت في ذلك الوقت حداثياً متشدداً أتقبل المعاناة والآلام وأتحملها على أن يعرف أي من زملائي الحداثيين أنني أمرخ كتوفي ب «أبو فاس». ومن غير المعقول أيضا أن أصمطخ على صوت فيروز وعلباي يعطعط برائحته النفاذة.
في السنوات القديمة كنت أتجول في أحد المعارض التي أقامتها جامعة الملك سعود، ربما كان آخر معرض كتاب جاد أقامته هذه الجامعة «يختلف عن معارض براءة الذمة التي تقيمها في السنوات الأخيرة». على فكرة هذا الكلام أيام الغوص. المهم كنت أتجول في أرجاء المعرض فوقع نظري على كتاب بعنوان «الزمزمية في الأدب» فاختطفته من الرف وقبل أن أبدأ بتقليبه لأعرف ما الذي يعنيه ذلك العنوان لمحت أحد الزملاء الحداثيين مقبلا، فألقيت بالكتاب من يدي كالملسوع خشية أن يطلع عليه زميلي الحداثي ويناقشني في الزمزمية في الأدب ويفضح جهلي بهذا الموضوع، رميت بالكتاب لأعود إليه لاحقا وأشتريه وأقرأه سرا، فالعنوان من أغرب العناوين التي صادفتها في حياتي رغم أن العناوين العجيبة والغريبة كانت سمة تلك الأيام.
أعرف كما تعرفون أن الزمزمية هي إناء يمكن أن نضع فيه الشاهي والقهوة والنعناع بل وربما النينخة. ولكن لم يرد في حساباتي الطبيعية أو الحداثية أن تصل الزمزمية إلى الأدب.
قلبت الأمر على جوانبه فاستقر تفكيري على أن الزمزمية هي مدرسة أدبية تم لطشها من الآداب الأجنبية كما لطشنا المصطلحات الأدبية كافة.
فقلت لنفسي إذا اقترب عصر الزمزمية وعلي أن أكون أول المستعدين، حتى أكون «زمزمي» بدلا من حداثي.
على أي حال لم أتمكن من الإفلات من صديقي الحداثي فانتهى ذلك اليوم دون أن أعود الى الكتاب لشرائه. بصراحة لم أنم تلك الليلة من التفكير في الزمزمية في الأدب، وفي الوقت نفسه لم أجرؤ أن أتصل بأحد وأسأله عن معناها.
في اليوم التالي هرعت الى المعرض لا ألوي على شيء، واتجهت على الفور الى العارض وقلبت كل الكتب المعروضة أمامه فلم أجد أثرا للكتاب فأصبت بصدمة عظيمة.
أول شيء خطر في بالي أن الكتاب سحب لأسباب خطيرة كما هي العادة، فكثير من الكتب الممنوعة تدخل الى المعارض دون رقابة ثم يكتشف أمرها أثناء المعرض فتصادر. وقد ظننت أن كتاب «الزمزمية في الأدب» من بينها فازداد فضولي لمعرفة وقراءة الكتاب، ولكني لم اسأل البائع عنه خشية أن يسمعني أحد الزبائن فيظن أني أهتم بهذا النوع من الكتب الخطيرة فيشي بي.
تحركت الأيام فأخذ كتاب «الزمزمية في الأدب» يرسب في أعماقي كحالة ثقافية مظلمة، وقضي علي أن أفكر فيها وحدي وأن اخترع لها الدلالات والمعاني المناسبة وغير المسبوقة. فأخذت أخلط كل المكونات التي يمكن أن تستوعبها الزمزمية مثل القهوة والشاهي والهيل والنعناع والزنجبيل والمسمار وأحاول أن أخرج بشيء مشترك بينها وبين الأدب والفكر الإنساني. فنشأت في داخلي احتمالات لا حصر لها، لو قدر لي تسجيلها في كتاب لكنت فعلا أسست مدرسة الزمزمية في الأدب دون حاجة لاستيراد أي شيء من مكوناتها من الغرب.
مضيت أخوض في تلك الاحتمالات وحدي حتى جاء ذلك اليوم الأغر الأبلج الذي سافرنا فيه مجموعة من الأصدقاء الحداثيين الى جدة، واستضافنا أحد الأصدقاء الحداثيين المتشددين هنا، وقبل أن اتخذ مكاني من المجلس إذا بي أرى كتاب الزمزمية في الأدب ملقى بكل إهمال وكأنه من تلك الكتب التي تسمح وزارة الإعلام بدخولها المملكة. نفس الغلاف ونفس الشكل ونفس التصميم فاقتربت منه بوجل وبأشواق متضاربة كما اقترب عادة من أي امرأة تتفضل علي بابتسامة عطوف، فالتقطت الكتاب وأمعنت النظر فيه فتداعى كل شيء في المسافة التافهة بين الشدة وبين النقطة، فالراء كان عليها شدة غير واضحة فقرأتها في المعرض «زاي» أما عنوان الكتاب فقد كان «الرمزية في الأدب».
فرق طباعي صغير أشغلني أكثر من سنة لسبب بسيط واحد وهو أنني كنت حينها ككثير من حداثيي العرب أخفي جهلي بدلا من أزيله.
Yara4me@yahoo.com

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved