أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 5th September,2001 العدد:10569الطبعةالاولـي الاربعاء 17 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

أمريكا وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب والعنصرية بين التنظير والتطبيق
دكتور عبدالله بن سالم الزهراني
أصبحت الولايات المتحدة ومع مرور الوقت قوة عظمى بل أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم في الوقت الحاضر دون منازع سواء كان ذلك سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً. أصبحت الولايات المتحدة مبهرة للحكومات والشعوب بهذا الوضع الذي تعيش فيه مما جعلها حلماً لكثير من الأفراد للذهاب إليها والعيش فيها ولكن سرعان ما يكتشف معظمهم أن معاملتهم مختلفة عمن سواهم ولكنهم يرضون العيش وهم للأسف يتمثلون بالقول: «مكره أخاك لا بطل». كثير من المهاجرين من دول العالم الثالث تبهرهم شعارات الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان ومحاربة الارهاب والعنصرية، ولكنهم سرعان ما يكتشفون الحقيقة المرة من خلال التفريق في التعامل وممارسة العنصرية ضدهم ناهيك عن تلاشي الشعارات الأخرى.
منذ متى كانت الولايات المتحدة نصيراً للحق لمجرد الحق؟ منذ متى كانت الولايات المتحدة نصيراً للمظلومين؟ منذ متى كانت الولايات المتحدة نصيراً للحريات وحقوق الإنسان؟ منذ متى كانت الولايات المتحدة مساندة لحقوق الشعوب في الاستقلال وممارسة إرادتها واتخاذ قراراتها دون تدخل منها؟
إن تاريخ الولايات المتحدة يقول عكس ذلك تماماً. تكونت الولايات المتحدة في أساسها من شعوب غرب أوروبا وبالذات من الجزر البريطانية. ومع بداية اكتشاف امريكا الشمالية بدأ الاستعمار ينتشر في قارات العالم متمثلا في الامبراطوريات الاوربية هولندية وبريطانية وبرتغالية واسبانية وفرنسية وغيرها. التاريخ يقول لنا ان المهاجرين الاوائل لامريكا الشمالية هربوا نتيجة للإضطهاد الكنسي والظلم والجور ولكن التاريخ يقول لنا ايضا ان هؤلاء المهاجرين هربوا من ممارسة الظلم عليهم الى ممارسة الظلم على غيرهم في الأراضي الجديدة اي على سكانها الأصليين. المهاجرون الاوائل الذين كونوا نواة الولايات المتحدة لم يصلوا الى ارض خلو من السكان وانما وصلوا الى ارض مسكونة وان كانت اعداد السكان الأصليين قليلة ربما في ذلك الوقت لم تتجاوز المليونين في حين انها تحتضن الآن اكثر من 300 مليون نسمة. حاول المهاجرون الاوروبيون تشغيل الهنود الحمر بأجر فرفضوا رفضاً قاطعاً فحاولوا ارغامهم على العمل فرفض الهنود الحمر وتمردوا. بدأوا في ممارسة ظلمهم على الهنود فقاوم الهنود وكانوا مثالاً للشجاعة. تكاثروا على الهنود فلم يستطيعوا التغلب عليهم بالرغم من عتادهم المتقدم وتدريبهم. لجأ الأوربيون إلى ممارسة القتل الجماعي من خلال نشر أمراض لم يكن يعرفها الهنود كالزهري والحصبة وكانوا إذا تمكنوا منهم في اي معركة يبيدونهم وكأنهم حشرات محاولين استئصال شافة الهنود. هذه هي البداية التاريخية للشعوب الاوروبية فيما يعرف الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.
أتعلمون كيف صوروا لنا السكان الأصليين أي الهنود الحمر؟ صوروهم في إعلامهم وفي أفلامهم على أنهم قبائل متوحشة تمثل بجثث الأوروبيين بعد المعارك صوروهم بأنهم قبائل جائرة وظالمة. جعلوهم في معازل. الكثير من الناس ربما لا يدري ان كثيراً من الهنود لا يزال يعيش في مستوطنات معزولة ليس لديهم أبسط الحقوق. حكومة الولايات المتحدة تدعي أنها تحترم رغبتهم.
الولايات المتحد تعتبر اكثر الامم دموية ووحشية. استخدمت السلاح النووي في هيروشيما ونجزاكي في اليابان في الحرب العالمية الأولى وتسببت في قتل مئات الآلاف مباشرة كما تسببت في قتل مئات الآلاف عبر السنين اللاحقة ولا يزال ضحاياه في اليابان حتى اليوم نتيجة للآثار التي خلفها إسقاط القنبلتين النوويتين. الولايات المتحدة تسببت في تقسيم الكوريتين وقتل مئات الآلاف منهم ولا تزال ممعنة في ظلهما في هذا الجزء من العالم وتود ان تملي شروطها لتستمر هيمنتها وسيطرتها. الولايات المتحدة تسببت في قتل أربعة ملايين فيتنامي خلافاً عما تركته من دمار وخراب على البيئة التي أحرقتها بالمواد السامة التي أثبتت الدراسات انها لن تزول ربما لآلاف السنين. الولايات المتحدة لم تتورع في استخدام اليورانيوم المنضب في البلقان التي كما يقال ليس هناك أمل في زوال تأثيره.
هذه مقدمة تاريخية حاولت أن أوردها لكي لا يعول العرب ولا المسلمون ولا حتى غير المسلمين على الولايات المتحدة الأمريكية في دعم قضاياهم أو نصرتهم في شيء.
الولايات المتحدة لم تعد بوتقة الانصهار كما سموها على اعتبار انها الارض التي التقت فيها اقوام وعرقيات واجناس مختلفة من كل بقاع العالم واستطاعت ان تتعايش مع بعض في ظل انظمة سياسية واقتصادية وقانونية موحدة. والحقيقة أنها لم ولن تكون تلك البوتقة في أي يوم من الأيام. ان وجود هذا التعبير كان من خلال مفهوم حكم القوي على الضعيف. لعلنا نعرف ومن لم يكن يعرف فليعرف ان معظم المهاجرين الأوائل إلى أمريكا الشمالية كانوا من غرب أوربا وأن 60% ربما كانوا من الجزر البريطانية وايرلندا. هؤلاء المهاجرون الاوائل ظلوا لفترة طويلة يمنعون الهجرة من شرق اوربا ومن الدول التي تطل على البحر المتوسط من جنوبه وشماله ثم انهم لم يسمحوا بهجرة الجنس الاصفر الا في منتصف القرن التاسع عشر. اما ما يعرف ببقية دولة العالم وبالذات العالم الاسلامي فكان السماح لهم بالهجرة في اضيق الحدود. اما القارة الافريقية السوداء فالهجرة منها لم تكن طوعية وانما كانت قسرية. عندما رفض الهنود الحمر وهم السكان الاصليون في امريكا الشمالية التعاون والعمل في المزارع مع المهاجرين الجدد حاول هؤلاء المهاجرون حل أزمة العمالة ففكروا في البداية في تشجيع الهجرة من اوربا للعمل في هذه المزارع وكان الاجر المعروض عليهم هو نقلهم من اوربا وان يعمل ويأكل فقط اي كما يقول المثل (بطنه بظهره). وعندما وصل مثل هؤلاء العمالة وجدوا اراضي واسعة وان بامكان اي منهم الحصول على ارض والعمل بنفسه في ملكه ولذلك تمردوا. عند ذلك لجأ هؤلاء المهاجرون الاوائل الى القارة السوداء لكنهم لم يعرضوا على السكان الهجرة مقابل الاكل والعمل بل بدأوا في اصطياد السكان في غرب القارة كاصطيادهم للحيوانات البرية كالبفالو وغيره حيث جعلوا غرب افريقيا خالية من السكان. هكذا نشأ ما يعرف بالمثلث الذهبي الذي كان يبدأ برحلة السفن المحملة بالبضائع من سواحل شرق امريكا الشمالية وصولاً الى غرب اوربا وبالذات بريطانيا التي كانت المتسيدة لامريكا الشمالية حيث التبعية للتاج البريطاني ومن ثم الانطلاق الى سواحل افريقيا الغربية لاصطياد السكان ذوي البشرة السوداء ومن ثم العودة بهم الى شرق الولايات المتحدة الامريكية وجنوبها. كيف يمكن ان تسمى الولايات المتحدة بوتقة الانصهار والعنصرية فيها ظلت فيها حتى الستينات بشكل قانوني وهي لا تزال تمارس فيها بشكل فعلي وعلني حتى اليوم. ولعل حال السود والأقليات المختلفة ينبئك بذلك.
ان ما يمكن ان نطلقه اليوم على الولايات المتحدة هو (صهير البوتقة) وليست بوتقة الانصهار. ان البوتقة هم اليهود وان الصهير هم نتاج هذه البوتقة. تختار من تضع في داخلها ليظهر لها صهيراً مطلوباً مرغوباً خالياً من الشوائب، كما ان وقود هذه البوتقة هم الأقليات والملونون الذين يظلون خارج هذه البوتقة مهمشين مهملين لا تأثير لهم يذكر على السياسة الأمريكية. أما الصهير فهو الذي يحرك العجلة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والعسكرية في الولايات المتحدة. اصبحت هذه البوتقة تتحكم في في هذا الصهير. لقد تحقق توقع احد الرؤساء الأمريكيين ربما كان ترومان عندما قال (ان اليهود لن يرضيهم إلا ان يجعلوا الشعب الأمريكي عبيداً لهم وطوع أمرهم) وفي الحقيقة أن هذا لم يكن توقعاً وانما كان تحذيراً. لكن هذا التحذير لم يؤخذبمأخذ الجد.الكل يعرف السيطرة اليهودية اقتصادياً وإعلامياً في الولايات المتحدة ومن يملك المال والإعلام فإنه في النهاية يمسك بزمام الأمر. إن ملكية زمام الأمور لاتعني بالضرورة الظلم والجور واضطهاد الشعوب والتفرقة العنصرية إلا لدى الحاقدين ومن يرددون ويرسخون انهم صفوة الخلق كما هو الحال بالنسبة لليهود الذين يحاولون ترسيخ مفهوم شعب الله المختار. هكذا هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية في الوقت الحاضر الذي تسيطر عليه العنصرية اليهودية والواضح بجلاء في كل سياساتها الخارجية. ان هذا الوضع ليس وليد الساعة بل انه وضع قديم ومؤثر في السياسة الأمريكية والسلوكيات الأمريكية منذ فترة طويلة.
من الذي مكن اليهود في فلسطين؟ أليست الولايات المتحدة؟ صحيح ان البريطانيين هم من وعد اليهود بوطن قومي لليهود في فلسطين ولكن الصحيح ايضاً ان الولايات المتحدة هي من نفذ هذا الوعد واحتضنه ورعاه.
بدأت الولايات المتحدة في تمكين اليهود في فلسطين وتنفيذ وعد بلفور من خلال مشاريع المياه التي اقترحتها حول نهر الاردن وتقسيم مياهه مثل مشروع لودرملك في نهاية الثلاثينات الميلادية ومشروع جونسون في بداية الخمسينات الميلادية من القرن العشرين. لقد نفذت هذه المشاريع بأموال امريكية وبتخطيط أمريكي، كل ذلك كان على حساب مياه العرب في الاردن وسوريا وفلسطين. أليس من الظلم والجور أن تؤيد الولايات المتحدة سحب مياه الاردن الى صحراء النقب التي ليست من ضمن حوض الاردن؟ أليس هذا شكلاً من أشكال التمييز العنصري وتجاهل حقوق الإنسان؟
الولايات المتحدة ما زالت مستمرة في هذا النهج بل انها كشرت عن أنيابها وبشكل اكثر في عهد الرئيس الابن جورج بوش الذي اصبح بالفعل المتحدث الرسمي باسم شارون.
أليس من العنصرية والظلم عدم دعوة الرئيس ياسر عرفات لزيارة الولايات المتحدة لبحث القضية الفلسطينية؟ أليس من الظلم والجور ان يحاصر الفلسطينيون ويجوعوا وتهدم منازلهم ويقتل اطفالهم وشيوخهم ونساؤهم؟ كل العالم اصبح يعرف ان كل ذلك يتم بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية؟
الولايات المتحدة نصبت نفسها وصية على حقوق الإنسان واتخذت شعار المحاربة الارهاب. ان حقوق الانسان والمحافظة عليها واحترامها وسن القوانين من اجل الالتزام بها امر مطلوب ويؤيده كل من يحترم الانسانية، كما ان محاربة الارهاب والافساد في الارض مطلب لكل شعوب الارض. فالأمن هو اساس الاستقرار واساس لتنمية المجتمعات وتقدم الشعوب.
الواضح من خلال السياسات الامريكية ان حقوق الانسان ومحاربة الارهاب مجرد شعارات وبالذات عند النظر الى تطبيقها خارج الولايات المتحدة. الولايات المتحدة تحارب الارهاب داخلها وما يتعلق بمصالحها في الخارج ولكنها تنتهك حقوق الإنسان في الداخل. والامثلةعلى ذلك كثيرة منها ما يتمثل في العنصرية المقنعة في داخل الولايات المتحدة ومنها ما يتمثل في حالة الفقر والبؤس التي تعيشها الاقليات الملونة ومنها ما يتعلق بالتعاملات مع الملونين من قبل الشرطة والسجون الامريكية شاهد على ذلك.
الولايات المتحدة تستعمل شعار حقوق الانسان كسلاح تضغط به على الشعوب الاخرى خارج الولايات المتحدة محاولة ليّ الذراع وهذا يعني انه ليس حباً في انسان هذا البلد او ذاك بل لمحاربة تمرير سياسات معينة تخدم مصالح الولايات المتحدة. عندما تثير الولايات المتحدة شعار حقوق الانسان في بلد ما فانها تتجاهل قوانين تلك البلدان ونظمها ومعتقداتها محاولة ان تفرض قوانين تطبق في الولايات المتحدة وفي هذا سلب لحقوق الشعوب الاخرى.
عندما يعتقل شخص من الولايات المتحدة في بلد من البلدان بتهمة جريمة تتعلق بمخدرات او قتل او تجسس او انتهاك لقوانين ذلك البلد فانها تحرص على اخراجه وعدم المساس به بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها. وهي بذلك تتجاهل انظمة ذلك البلد التي تطبق القوانين على اي انسان سواء ابناء البلد او من خارج البلد.
الولايات المتحدة تحارب الارهاب وكل يرفض الارهاب لكنها تعرف الارهاب بعبارات مختلفة حسب مصالحها وما يخدم ساسيتها انهم يجارون اليهود ويسمون الفلسطينيون ارهابيين بينما ينظرون الى اليهود بأنهم ذلك الحمل الوديع الذي يدافع عن نفسه. كيف يحق لهم ان يساندوا اليهود في اغتيال كوادر سياسية وعسكرية من الفلسطينيين في عمليات احترازية؟ اي نوع من الشرائع يؤيد اغتيال اناس لم يكونوا في المواجهة ؟ اي نوع من الشرائع يؤيد المحاكمات الغيابية لمثل هؤلاء ويغتالون وتسفك دماؤهم؟ من الذي يستخدم الطائرات والدبابات والصواريخ في فلسطين؟
ان موقف الولايات المتحدة من المؤتمر الذي عقد في ديربن بشأن مكافحة العنصرية مستغرب. باول الذي ذاق طعم العنصرية واوضح ذلك في كتاب له عن العنصرية يعلن من واشنطن عدم مشاركته بحجة ان المؤتمر سيتضمن عبارات ومواد تدين اليهود في فلسطين وفي نفس الوقت شعروا بأن القارة السوداء بدأت تنتفض وتطالب بتعويضات عما نالها من ظلم الرجل الغربي والاستعمار واستنزاف الثروات دون تنمية تذكر. اهذا موقف من يجعل حقوق الانسان شعاراً له؟
اليهود طالبوا ألمانيا بالتعويضات ولا يزالون يطالبون كثيراً من دول العالم ويرفعون عبارة التهديد «ضد السامية» لمن يعارض مطالباتها. أما دول القارة السوداء فلا اعفاء من الديون التي كبل الغرب بها هذه الدول ولا حتى هناك نية للاستماع لا لشيء إلا لأن بشرتهم سوداء ولا يستحقون العيش كسواهم من الشعوب البيضاء.
لن يبهر الحكومات والشعوب تمكن الولايات المتحدة من محاكمة ملزوفتش وآخرين من صرب البوسنة والكروات لان ذلك حق اريد به باطل. لم تتدخل الولايات المتحدة الا بعد ان مات مئات الآلاف من المسلمين في تطهير عرقي جماعي وكانت الولايات المتحدة تود ان يحصل ذلك لا ليدللوا على وحشية الصرب وشهامة الغرب ولكن لتفتيت البلقان واضعافه على اساس انه كان انطلاق الشرارة الاولى للحرب العالمية وفيه ترعرع هتلر وبدأ الحرب العالمية الثانية. هذا التفتيت للبلقان لم يوجد دولة اسلامية رغم امكانية ذلك. ما هو الفرق بين ان تموت الشعوب في محارق - كما يدعي اليهود - وبين ان يدفنوا بالآلاف احياء في مقابر جماعية كما حصل للمسلمين من قبل الصرب في البوسنة والهرسك. من سيعوض المسلمين كما تم تعويض اليهود؟ أين حقوق الإنسان ؟؟
zahi-200@hotmail.co

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved