| منوعـات
مر اكثر من نصف قرن على انشاء دولة صهيون على أرض فلسطين العربية الاسلامية المشتملة على المسجد الأقصى، الذي أسري إليه بنبيِّنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعرج به الى السماء منه. وكانت نبتة الوجود الصهيوني على هذه الأرض قد حظيت برعاية دولة استعمارية صفتها المميزة المكر والخداع، وهي بريطانيا. ثم احتضنت تلك النبتة الصهيونية الولايات المتحدة الأمريكية، التي لولا نفوذها على بعض دول العالم عند انشاء تلك الدولة الصهيونية، عام 1948م لما قبلت عضوا في هيئة الامم المتحدة.
ومنذ قيام الدولة الصهيونية وأمريكا معها بكل ما تريد من دعم: سياسيا وعسكريا وماليا. بل إنها نذرت نفسها حليفا استراتيجيا لها، واستخدمت كل وسائل نفوذها في العالم وهو النفوذ الذي أصبح في أوج قوته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لالزام الآخرين بالوقوف مع الصهاينة او السكوت عن جرائمهم.
واذا كان قد بدا أن امريكا لم تقف مع الدولة الصهيونية في حادثة استثنائية، فقد كانت لتلك الحادثة ظروفها الخاصة. كانت تلك الحادثة عقب العدوان الثلاثي «الصهيوني، البريطاني، الفرنسي» على مصر سنة 1956م وذلك عندما وقفت امريكا ضد احتفاظ الصهاينة بمنطقة سيناء التي احتلوها بذلك العدوان وكان من تلك الظروف:
1 كان رئيس الحكومة الأمريكية حينذاك الجنرال السابق ايزنهاور، الذي كان له من تاريخه وشخصيته القوية ما يساعده على الصمود امام طغيان النفوذ الصهيوني في بلاده. وكان أمريكا وهي ترى النفوذ البريطاني يلفظ انفاسه في المشرق العربي تريد ان يحل نفوذها محل ذلك النفوذ فلابد اذن ان تظهر ما قد يسهل مهمتها في هذا المجال.
2 كان العرب قيادات وشعوبا، منسجمين انسجاما جيدا في الوقوف ضد اعدائهم، وبخاصة دولة الصهاينة، ومن علائم ذلك ان آلافا من الناس وفي طليعتهم بعض الأمراء أخذوا يتدربون عسكريا، إبداءً لاستعدادهم في مقاومة المعتدين والدفاع عن كل شبر من الارض العربية، ودولة تتطلع الى احلال نفوذها محل نفوذ بريطانيا المتهاوي لابد ان تأخذ ذلك الانسجام العربي في الحسبان، وان تتفادى إغضاب أربابه بقدر الامكان.
3 كان الاتحاد السوفيتي حينذاك قويا متماسكا، وكانت قيادته في أيدي شخصيات لها هيبتها وجبروتها وقد وقف مع مصر ومن ورائها بقية العرب ضد العدوان الثلاثي، رغبة في تحقيق تطلعاته الهادفة الى ايجاد موضع ومكانة له على أرض الواقع السياسي للمنطقة، وكان لا بد لأمريكا ان تدرك خطورة ذلك الموقف السوفيتي وأبعاده في نفوس العرب مما قد يفقده كسب قصب السبق في التنافس على ارث النفوذ البريطاني.
على ان امريكا سرعان ما اطمأنت الى عدم قدرة الاتحاد السوفيتي على منافستها في المنطقة العربية لأسباب من بينها وقوف الاتجاه القومي ضد المد اليساري ممثلا في الأحزاب الشيوعية، اضافة الى وقوف الاتجاه الاسلامي، بزعامة القيادة السعودية، ضد الشيوعية.
ونتيجة لذلك الاطمئنان راح الرئيس الامريكي، كندي، يطمئن الحبيبة الغالية، دولة الصهاينة، بأن امريكا تتعهد بحماية حدودها ضد أي هجوم عليها وبما ان الدولة الصهيونية لم تعترف بحدود معينة لها حتى الآن فإن التعهد الامريكي معناه ان أمريكا ستقف مدافعة عن كل أرض احتلها الصهاينة ولعل من أدلة ذلك امدادهم إياهم بطيارين امريكيين وطائرات ودبابات جديدة خلال حرب 1973م عندما رأت كفة العرب تميل الى الرجحان في المعركة مع انهم ما زالوا لم يحرروا حينذاك كل الأراضي التي سبق ان احتلها الصهيونيون في حرب 1967م.
وإذا كان التاريخ في أغرب حوادثه قد شهد تمكن علو صوت الحق في الأمم المتحدة، وذلك بإصدارها قراراً بأن الصهيونية نوع من العنصرية فإن ظروف هذا التاريخ سرعان ما تغيرت واذا بأمريكا ترمي بثقلها المهيب، ونفوذها المطاع، فتتمكن من املاء رغبتها بإلغاء ذلك القرار.
وفي ظل المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية المنعقد في جنوب افريقيا بدا الجو مهيأً لاعادة وصف الصهيونية الممثلة بالدولة العبرية في فلسطين المغتصبة بالعنصرية، وذلك لاستمرار جريمة الصهاينة البشعة بحرب الابادة التي يشنونها ضد الشعب الفلسطيني بكافة فئاته، رجالا ونساء واطفالا. لكن السيدة المطاعة تقف ضد أي محاولة لإصدار ما قد يعكر صفو سعادة حليفتها وحبيبتها المتنفذة.
ومع كل ما سبق فإنه ما زال يوجد من لا يريدون ان يروا الامور على حقيقتها، بل ما زالوا يظنُّون ان امريكا قد تخرج ارادتها عن ادارة دولة الصهاينة، ولا يوافقون من يقول:
سيان قادة أمريكا وإن جحدوا
وطغمة لبني صهيون تنتسب |
علي أن المؤلم ان يرى المرء تمكن الدولة الصهيونية من ان تدخل في جيبها بلاد غاندي العظيم ونهرو المحنَّك بحيث اصبحت هذه البلاد، التي يعدها بعض الأخيار دولة صديقة، جنباً الى جنب مع امريكا في الوقوف مع الصهاينة في المؤتمر المذكور.
وماذا لو اعلن المؤتمرون وهذا أمر مستبعد لأن من العرب أنفسهم من يهمهُّم بالدرجة الاولى عدم إغضاب السيدة المطاعة أن الصهيونية نوع من العنصرية؟ هل يغير مثل هذا الاعلان شيئاً من الواقع المؤلم؟
لقد قال الصهيوني، دايان، ذات مرة:
ماذا يهم لو وقف العالم كله ضدنا ما دامت امريكا معنا؟
ومجرى الحوادث أثبت ان كلام ذلك الصهيوني صحيح، وان القيادة الامريكية والقيادة الصهيونية غير قابلتين للقسمة، بل إن عداءهما للعرب والمسلمين على أرض فلسطين بالذات عداء مشترك.
هل يمكن ان تكون للعرب والمسلمين هيبة تخرجهم من حياة الذل والاستكانة التي وصلوا إليها؟
«إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم».
|
|
|
|
|