| مقـالات
عندما وصلت الرياض قبل ثلاثين عاماً زرت أحد المرافق الحكومية فوجدت حركة غير عادية فسألت أحد المستخدمين عن معنى الاهتمام الذي بدا على العاملين في ذلك المرفق، فقال لي الرجل وهو يشيح بوجهه عني: الشيوخ أبخص! وقد استغرق مني الأمر سنوات من الترحال في مدن المنطقة الوسطى حتى فهمت تلك العبارة، وأصبحت بعد ذلك من حلاوة العبارة وغموضها أقولها لكل من يسألني عن شيء لا أريد أن أبوح له بسببه أو مناسبته بأن «الشيوخ أبخص»!
أما العبارة التي عجزت حتى الآن عن فهمها فهي عبارة «يصير خير!» فالمعنى الظاهر لها طيب، لكن يتعين على من يسمع هذه العبارة، أن يدقق جيدا في ملامح قائلها وطريقة نطقه لها والحالة النفسية لمن أطلقها، فهي قد تعني أن ما طلبت مجاب وموافق عليه، لكن المسألة، مسألة وقت لاغير، أما متى هذا الوقت فالله أعلم، فقد يكون يوماً أو يومين أو عاماً أو عامين، وقد تعني أيضاً أن تنفض يدك من مُطْلِق العبارة، وتعتبر ما طلبت غير موافق عليه، لكن يظل من طلبت منه الطلب رجلاً مهذباً لا يريد أن يقول لك: طلبك مرفوض، وان كان مرفوضاً فعلاً وقولاً!.
والعبارة أيضاً قد تعني التهديد كأن يقول الأب لابنته في لحظة غضب «يصير غير يا نوير!» بما يعني أن عليها انتظار العقاب لتقصير في أمر من أمور الدراسة أو المنزل، وما يوجه ل«نوير» قد يوجه ل «عويد» والتصغير عادة مقصود فالاسم الحقيقي نورة أو عواد، إذاً عبارة «يصير خير!» تكون في حالة التهديد مرفقة بالتصغير في الاسم.. وقد يستخدم هذه العبارة رجل مع صديقه أو شريكه أو عامل من عماله.. وهي كما أسلفنا غامضة وغالبا لا يفهم المقصود منها إلا بمراقبة طريقة نطقها وسبب نطقها وحالة ناطقها! ولجهلي يفحوى هذه العبارة ظللت عاماً كاملاً وأنا أطلب حاجة من مسؤول، وفي كل مرة كان الرجل يقول لي مواجهة أو عبر الهاتف: «يصير خير!» حتى فهمت أخيراً أن الرجل يتهرب بلطف من طلبي، وهو لهواة الاصطياد في الماء العكر، لم يكن طلباً مالياً أو قطعة أرض، لكنه مجموعة كتب وصحف.. ها أنتم ترون كم هي مطالبنا متواضعة ومع ذلك، فقد جوبهت لمدة عام كامل بعبارة «يصير خير!».. إن مثل هذه العبارة وعبارة «الشيوخ أبخص» موجودة في كل مكان، لكن لا أحد يفهم سوى العبارة، التي تنطلق من أرضه وبيئته، وإلا فإن عليه توطين نفسه لتلقيها وتمحيصها لسنوات طويلة حتى يفهم ويستوعب.. لكن الحق يقال إن العبارتين تدلان على كم كبير من التهذيب حتى وإن كان إطلاقهما لا يحقق غرضاً بشكل سريع ومباشر، وهما عموماً أفضل من العبارة الحجازية التي سنتطرق لها في حلقة قادمة.
فاكس: 4533173
|
|
|
|
|