| مقـالات
«1»
مهما تمادت الصهيونية في غيها وإجرامها وعدوانها الغاشم على حقوق وأرض الشعب الفلسطيني ومحاولاتها المتعمدة لتزوير التاريخ فإنها لن تفلح أبداً في إثبات أي حق ديني أو تاريخي لها سواء في القدس الشريف أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين أو في الحائط الغربي للحرم القدسي وهو الحائط الذي ارتكبت الصهيونية ممثلة في اسرائيل وقادتها أبشع وأخطر الجرائم من أجل تغيير اسمه من «حائط البراق» - كما هو ثابت في كل وثائق بيت المقدس - إلى حائط المبكى وهو ما أدى إلى حدوث «انتفاضة البراق» في عام 1929م التي سفكت اسرائيل فيها دماء 207 فلسطينيين وأصابت فيها أكثر من 279 فلسطينياً آخر باصابات قاتلة وإلى حدوث «انتفاضة الأقصى» التي انطلقت في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر عام 2000م والتي جاءت اعتراضاً على زيارة مجرم الحرب أرييل شارون رئيس وزراء اسرائيل الحالي لحائط البراق بعد نجاحه في الانتخابات وتوليه رئاسة الوزارة في السابع من شهر مايو من هذا العام وهي الزيارة التي فجرت فيضان الانتفاضة الجديدة التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين.
أي أن «حائط البراق» كان هو السبب المباشر لتلك الانتفاضة التي مضى عليها حتى الآن 72 عاماً وانتفاضة الأقصى التي فشل الكلب الضال أرييل شارون في إنهائها - كما وعد بذلك ناخبيه - في مائة يوم فقط ولم يستسلم الفلسطينيون ولم يحصد الاسرائيليون سوى القتلى والجرحى والعمليات الانتحارية المفاجئة وفقدان الأمن الذي جعل الكثير من المستعمرين اليهود يرحلون من فلسطين العربية إلى الخارج، ومنهم مثلاً حفيدة مناحم بيجن رئيس وزراء اسرائيل السابق التي قررت الهروب مع زوجها إلى أمريكا وترك إسرائيل بما ومن فيها.. ومن قبلها هربت أختها الصغرى إلى نفس الدولة خوفاً على أطفالها من الانتفاضة، أضف إلى ذلك زيادة عدد الجنود الإسرائيليين الذين يسجنون بسبب رفضهم الخدمة العسكرية في الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة سواء كانوا من الجيش أو الاحتياطي.
ونعود إلى قضية «حائط البراق» الذي تسعى إسرائيل جاهدة إلى اختطافه أو أسره بدعوى انه حائط المبكى وهي القضية التي ظهرت إلى حيز الوجود لأول مرة في أواخر عام 1911 أي قبل الحرب العالمية الأولى، حيث احتج مسئول الأوقاف في فلسطين في ذلك الوقت على قيام أفراد الطائفة اليهودية الذين كانوا قد تعودوا على زيارة ذلك الحائط وهم واقفون بجلب الكراسي معهم للجلوس عليها أثناء الزيارة، وطالب المسئول بإيقاف هذه الحالة تجنباً لإدعاء اليهود في المستقبل بملكية هذا المكان.
وبناء على ذلك أصدر مجلس إدارة لواء القدس تعليمات تنظم زيارة اليهود للحائط دون جلب أي مقاعد أو ستائر أو سجاجيد أو حصر أو حواجز أو خيام للجلوس عليها في أثناء الزيارة.. ولكن اليهود لم يتوقفوا عن محاولة «اختطاف حائط البراق» وخاصة بعد حدوث بعض التطورات التاريخية التي دبرتها الصهيونية واستثمرتها لصالحها وسط ظروف دولية سيئة أتاحت لها مثل هذه الظروف، ومنها مثلاً إصدار بريطانيا لوعد بلفور في عام 1917 وهو الوعد الذي حاولت به الصهيونية إثبات حقوق كبيرة لها في ذلك الحائط ووصل بها الأمر إلى أنها قد قدمت في عم 1919 صورة لهيكل يهودي جديد مكان مسجد الصخرة الذي نشرت له صورة يعلوها العلم الصهيوني وكتابات عبرية وبعدها أخذت تساوم على شراء المنطقة الواسعة المحيطة بالحائط وعرضوا لذلك أسعاراً باهظة لإغراء أصحابها بالبيع.
ومن هذه التطورات أيضاً قرارات المؤتمر الصهيوني السادس عشر الذي عقد في زيوريخ في الحادي عشر من شهر أغسطس عم 1929 والتي أثارت مخاوف الفلسطينيين وقلقهم وخاصة من مطالبة المؤتمر بفتح الأبواب على مصراعيها لليهود وحمل الحكومة البريطانية على سحب كتابها الأبيض لعام 1928 الذي اعترف بحقوق الفلسطينيين في الأماكن المقدسة.. وفور انتهاء هذا المؤتمر تأسست الوكالة اليهودية وفي أول اجتماع لها وجهت اللجنة اليهودية للدفاع عن حائط المبكى نداءات كثيرة لإثارة قلق يهود العالم وتحريضهم على العمل على إعادة الحائط إليهم.. وجاء في أحد بيانات هذه اللجنة «أيها اليهود المنتشرون في كل أنحاء العالم أفيقوا واتحدوا ولا تسكتوا ولا تتهاونوا إلى أن يعاد إلينا حائط المبكى بأجمعه».
«2»
وهكذا ثبت أنه ليس هناك أي أثر او حجارة من بقايا هيكل سليمان في الحائط الغربي للحرم الشريف..والأكثر من هذا ان البروفيسور وليم.ف. اولبرايت وهو عالم امريكي كبير كان مديراً لهيئة المدرسة الامريكية للبحوث الشرقية في القدس ورئيساً لعدة بعثات اثرية في فلسطين والدول المجاورة وعضواً في عدة أكاديميات عالمية قد اكد في مرجع أثري بالغ الأهمية له ان ابنية هيرودس في أورشليم - هيرودس هو الذي اعاد بناء الهيكل للمرة الثانية - قد محت محواً تاماً كل اثر للمباني السابقة لها لدرجة ان الأثريين لم يستطيعوا معها العثور على أية معالم مؤكدة من هيكل سليمان..وهذا يفسر لنا - كما يقول كتاب «حائط البراق أم حائط المبكى» - فشل محاولات سلطات الاحتلال الاسرائيلي حتى الآن في العثور على أية شواهد تمكنهم من الادعاء باحتمال وجود اساسات لهيكل سليمان اسفل الحرم الشريف وساحاته على الرغم من محاولات اسرائيل المضنية منذ عام 1967 حتى الآن.
ولم تكد تمر أربعة أيام على احتلال الجيش الاسرائيلي للقدس الشرقية في 7 يونيو عام 1967 حتى بدأ ذلك الاحتلال في تنفيذ مخططاته بالاعتداء على المقدسات الاسلامية وتهويدها وبدأ بحي المغاربة الذي فوجئ اهله بجرافات جيش الاحتلال الاسرائيلي تزحف عليهم وتهدم عقاراتهم في فجر يوم الحادي عشر من شهر يونيو نفسه ولم يكد يمضي نهار ذلك اليوم حتى أحالت أيدي اليهود القتلة المجرمين مسجد البراق ومعه 135 منزلاً آخر الى أطلال.
ويؤكد كتاب «حائط البراق أم حائط المبكى» انه بمراجعة كتاب «الدولة اليهودية» لمؤلفه تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية فإن هيرتزل لم يشر في كتابه هذا ولو حتى مجرد اشارة الى «حائط المبكى»..وقد ثبت ذلك في احدى وثيقتين أساسيتين معاصرتين عن الحركة الصهيونية..أما الوثيقة الثانية فهي نص يتعلق بفلسطين والصهيونية ورد في تقرير «لجنة كنج كرين» الامريكية الصادر في 28 اغسطس عام 1919 وهي اللجنة التي ارسلتها الحكومة الامريكية للتعرف على حقائق في المشرق العربي قبل اتخاذ قرار بشأن مستقبل المنطقة.
وكانت فقرتان مهمتان قد وردتا في تقرير هذه اللجنة بعد استماعها الى مطالب المسلمين واليهود..وجاء في الفقرة الاولى «أنه من المستحيل ان يرضى المسلمون والمسيحيون بوضع الأماكن المقدسة تحت رعاية اليهود مهما حسنت مقاصدهم» اما الفقرة الثانية فتقول إنه «لما كانت كل هذه الاماكن مقدسة بالنسبة للمسلمين فإن وصايتهم عليها كانت امراً طبيعياً فيما مضى».
ويقول كتاب «حائط البراق ام حائط المبكى» ان عبارة «حائط المبكى» لم تستخدم الا قبيل انتفاضة البراق في عام 1929 ثم روجتها البيانات التي كانت تذيعها لجنة الدفاع اليهودية عن «المبكى» ثم توقف استخدام تلك العبارة بعد هذه الانتفاضة..وبعد صدور حكم اللجنة الدولية بملكية المسلمين للحائط..وتؤكد كل المراجع التي استند اليها مؤلف هذا الكتاب أن عبارة «حائط المبكى» لم تستعمل منذ انتفاضة البراق الا بعد هزيمة العرب أمام اسرائيل في حرب عام 1967 حيث شاع استخدامها منذ ذلك التاريخ في أجهزة إعلام الصهيونية واسرائيل.
وقد اختتم المؤلف كتابه بالقول بكل ثقة بأن الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف هو حائط البراق وليس حائط المبكى..واذا كان من حق اليهود أن يطلقوا عليه ما يشاؤون من الأسماء وأن يذرفوا عليه دموعهم فإن من حق العرب والمسلمين في مشارق الارض ومغاربها ان يتمسكوا بالمسجد الأقصى وبحائط البراق وهذا هو اسمه الصحيح الذي أقره التاريخ وأيده القانون الدولي والذي من اجله يقدم المسلمون أنفسهم للشهادة في سبيل تحرير ذلك المسجد.
«3»
وكان اليهود هم الذين بادروا - كما قال ديفيد هيرست في كتابه «البندقية وغصن الزيتون» - باستعراض القوة والتحرش بالفلسطينيين الذين هبوا جميعاً وشاركوا في انتفاضة البراق في عام 1929م التي استمرت اسبوعين كاملين لتأكيد حقوق الشعب الفلسطيني واحتجاجاً على جهود بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين..وبعد انتهاء الانتفاضة بأسبوعين عين وزير المستعمرات البريطاني في الثالث عشر من شهر سبتمبر عام 1929م لجنة للتحقيق في الاسباب المباشرة لانتفاضة البراق عرفت ب«لجنة شو» ووضع التدابير اللازمة لمنع تكرارها..وقد اوصت تلك اللجنة بسرعة تعيين لجنة لتحديد الحقوق والادعاءات بشأن الحائط.
وتجنباً لحدوث انتفاضات اخرى اقترحت بريطانيا على مجلس عصبة الامم تشكيل لجنة لهذا الغرض وتم تشكيلها بالفعل ووصل اعضاؤها الى القدس في 19 يونيو عام 1930 واستمعت اللجنة خلال 23 جلسة عقدتها الى شهادة 52 فرداً منهم 21 شاهداً من اليهود و 30 من الفلسطينيين وشاهد بريطاني واحد، وانتصر المسلمون بعد ان استطاع دفاعهم ان يثبت ان جميع المنطقة التي تحيط بجدار حائط البراق هي وقف اسلامي، وان نصوص القرآن الكريم وتقاليد الاسلام صريحة بالنسبة لقدسية المكان وان زيارة اليهود للحائط ماهي الا منحة محددة بأمر من الدولة العثمانية التي اشترطت الا تؤدي هذه الزيارة الى احداث اي صوت او ازعاج في ذلك المكان والا يستخدم فيه اليهود ادوات للجلوس او ستائر.
وأصدرت اللجنة - كما جاء في كتاب «حائط البراق ام حائط المبكى» الذي الفه الدكتور عادل حسن غنيم المصري الجنسية - في جلستها الختامية التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس في الفترة من 28 نوفمبر الى الاول من شهر ديسمبر عام 1930 قرارا بالاجماع استهلته بقولها: «ان للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من املاك الوقف..وللمسلمين ايضاً تعود ملكية الرصيف الكائن امام الحائط وامام المحلة المعروفة ب«حارة المغاربة» المقابلة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الاسلامي لجهات البر والخير.
وكان من اهم النقاط التي تضمنها القرار عدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط ومنعهم من جلب المقاعد والحصر والسجاجيد والستائر والحواجز والخيام..واعتباراً من الثامن من شهر يونيو عام 1931 وضعت احكام هذا الامر موضع التنفيذ..والاكثر من هذا ا صدرت بريطانيا «كتابا ابيض» عن هذا الموضوع اعترفت فيه بملكية المسلمين لحائط البراق وحقهم في التصرف فيه..وبناء على ذلك اصدر ملك بريطانيا مرسوماً ملكياً عرف باسم مرسوم الحائط الغربي لعام 1931م، وقد نشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية لفلسطين في ذلك الوقت..وهذا الحكم الدولي الصادر عن لجنة محايدة يكفي من الناحية القانونية للحكم القطعي بان الحائط الغربي للمسجد الاقصى هو «حائط البراق» وليس حائط المبكى وهو ملك للمسلمين.
ومن الشواهد والادلة والقرائن الكثيرة على صحة هذا الحكم ما أثبتته لجنة التحكيم الدولية تاريخياً في تقريرها من انه لا يوجد في الحائط الغربي للحرم الشريف أي اثر او حجارة من بقايا هيكل سليمان وان الحجارة الضخمة الكائنة في اسفل الحائط وخاصة تلك المداميك الستة المنحوتة يرجع عهدها - حسب رأي اغلب علماء الآثار - الى زمن الهيكل الثاني الذي اعيد بناؤه وانه تعلوها ثلاثة مداميك من الحجارة غير المنحوتة التي يرجح انها من بقايا العصر الروماني.
|
|
|
|
|