| عزيزتـي الجزيرة
إذا كانت الآذان قد دميت من كثرة الحديث عن العولمة وتشعبت الرؤى وتفرّقت وتنوعت الأفكار في فهمها وتقديمها بصورة واضحة للمتلقي فإن الاطروحات (تتماوج) والآراء تتلاطم وتتناطح وقد تتلاقح في مواجهة ومقابلة رياح العولمة وتيارها الجارف فكل كاتب أو مفكر او مثقف له رؤية وله وجهة في استراتيجية التعامل مع العولمة فمنهم من يرفض العولمة ولا يقبلها وينتظر لحظة تفككها وفشلها حتى يأتي بالبديل الذي يفضله ويراه ومنهم من يقبلها ويحاول الدخول فيها وهو متردد وحذر.. وخائف يرتجف على مخزونه وموروثه خشية تلاشيه واضمحلاله امام عواصف وتيارات العولمة الجارفة ومنهم من تقطعت أوتاره الصوتية من نداءاته عبر الصحف والمجلات ومن خلال بعض القنوات بأن ننبذ موروثنا وننسلخ من ثقافتنا وحضارتنا التي هي في نظره سبب تخلفنا وتأخرنا و(قعودنا) عن ملاحقة ومسابقة الركب (العولمي) الحضاري.. وفيما يبدو لي ان فكرة الرفض والانزواء والابتعاد غير مقبولة.. وكذلك نبذ الموروث والانسلاخ من التاريخ والثقافة والركض الأعمى خلف (الرأسمالية) وثوبها الفضفاض (العولمة) أمر مرفوض وغير مقبول.. أما الاندماج والدخول الديناميكي الفاعل الواعي الذي لا يسلِّم ويستسلم أمام هذا التيار ويعتبر (المشروع العولمي) أمر حتمي لا تجدي مقاومته ومجابهته بل يدخل بشجاعة وقوة فلا يجابه ويقاوم بل يسايس ويساير التيار ويكون أكثر (حركية) و(فاعلية). ومرونة فلا يزدري ماضيه ويحتقر تاريخه ويهمش فكر وثقافة رجال الماضي ويرمي المتأصلين بهذا الفكر وبهذه الثقافة بالتأخر والتخلف والرجعية وان الذي جعل الآخر يتقدم ونحن نتأخر هو تمسكنا ومحافظتنا على هذا الموروث فيترك متاعه ويخرج من بيته ويلقي بآلاته وحاجياته وأثاثه ويمارس عملية اللهاث والركض خلف الآخر وتقنياته وقبول حلوه ومرّه وهو مغمض العينين يتخبط خبط (العشواء) لا يلوي على شيء (كالابل الشارد) والمصيبة ان معظم (المتثاقفين (المستغربين) والذين يدعون انهم أرباب فكر وثقافة وانهم يتلمسون النور ويبحثون عن المخارج المريحة لأمتهم ينطلقون من هذه الرؤية ويدورون حول هذه الفكرة وهي في الحقيقة فكرة قاتمة.. غائمة.. بل خاطئة.. كيف أنسلخ من حضارتي وأهمش تاريخي وأمجادي وبطولاتي..؟.
كيف أحفر حفرة عميقة وأهيل التراب على ما خطه وحفره اسلافي على بنايات الزمن بدمائهم..؟ كيف أهيل التراب على نوري وشرفي وعزتي على سبب بقائي ووجودي..؟ في التعامل مع العولمة لابد من الانحناء للعاصفة لان العاصفة وجودها أمر موضوعي وواقعي وليس باستطاعتي إزالتها او ايقافها ولكن قد يكون بمقدوري مواجهتها المواجهة (المطاطية) المرنة التي تنحني معها لا لتتحطم وتنكسر ولكن لتغير مجراها وتجعلها تصب في صالحها.. التعامل مع العولمة ان أدخل الى عمقها وأقلب في نظريتها وفلسفتها وأبحث في ثغراتها ونقائصها في التناقضات والتوترات الخطيرة التي تثيرها.. ان اندمج فيها لا لأذوب وأنصهر داخل بوتقتها ولكن من اجل العمل على تغيير شروطها والمعرفة العميقة لأسسها وآليات عملها والاستفادة من امكانياتها ومحاولة دراستها وتطويرها لترقى بحياة الأمم والشعوب وتعمل على تعميق أسس التعاون والتضامن الانساني ان اتقلب داخلها بعينين مفتوحتين وبعقلية واسعة وواعية.. أن لا اقف ساكنا وثابتا بل اتحرك لبلورة السياسات وتكوين المؤسسات وصنع التكتلات الاقليمية والانتقال من الاقتصاد الوطني الى الاقتصاد القاري (والجوسياسي) ومن ثقافة تأكيد الذات والشخصية الى الثقافة الابداعية كما يقول (برهان غليون).. ان احاول إيقاف حرية السوق وموازنة الامور واعادة الحرية للمجتمع وجعل السوق مقننة ومعتدلة ومصدر رزق للجميع لا مفتوحة ومتحررة ومسيسة من قبل دول وشركات كبرى غنية ومسيطرة.. ثم ان استراتيجية التعامل مع العولمة لا تكون بتجهيز الجيوش للانقضاض على الفريسة (العولمة) ولكن بالنفس الطويل والعمل الجاد الدؤوب من أجل تلمس الثغرات والوصول الى الآليات والقواعد التي تنطلق منها العولمة ان اعمل جادا حتى أمتلك (جهاز التحكم) الذي أستطيع من خلاله تضييق الهوة ومنع تفاقم الشرخ بين المجموعات الانسانية.. وبما ان (العولمة الرأسمالية تنطلق من عقل وفكر وتسير في نظام فإن مواجهتها لا تكون بالفوضوية (والعنجهية).. لا تكون (باللامبالاة) والتهميش لها ولفكرها ونظمها.. لا تكون باتباع السياسات الثورية التي تبحث عن تفكيكها وإسقاطها.. من أجل إحلال عولمة (بديلة) بل ان المواجهة تكون بتجهيز عقل وصنع فكر وخلق أطر والسير بخطوات رياضية وبتدرج وبترتيب ونظام ونحن المسلمين والعرب عندنا الامكانات الذهنية وعندنا الامكانات الاقتصادية بل عندنا مشروع (حياة) والعولمة في هذا الوقت بحاجة ماسة الى هذا المشروع (الحياتي) وهو الاسلام فالمجتمعات الانسانية وخاصة الاوروبية متعطشة (ومتشوقة) لهذا المشروع الحياتي الذي يعيد إليها معنويتها ويلبسها ثوب الراحة والطمأنينة والهدوء والاستقرار فيغرس في أرضها (بذار) الحياة السعيدة الممتعة اللذيذة المجموعات الانسانية بحاجة الى هذا المشروع الذي يرقق النفوس ويرطب العواطف التي جففتها (أعاصير) الرأسمالية.. فيجب علينا ان نتحرك وان نقدم هذا المشروع (الحياتي) في المناسبات والمحافل الدولية ان نعرف الآخر المتقدم والمسيطر على نظم وقوانين حياتنا ومعيشتنا بهذا المشروع الاسلامي أن نقدمه بصورة واضحة وصافية ان نزيل ونمسح كل ما علق به من تلطيخ وتشويه نحيل الصور المشوهة التي قدمها العدو عن الاسلام لينفر الناس ويبعدهم عنه نحاول طمسها ومحوها من خريطة الآخر الذهنية.. فمعظم الشعب الاوروبي لا يعرف عن الاسلام الا ما قدمته له وسائل الاعلام (الصهيونية).. اسلام قتل ودماء.. اسلام شقاق ومشاكل وتنازع.. حروب دامية وطاحنة.. هذا هو الاسلام الذي يعيشه ويعرفه الرأي العام الغربي..
فلابد من اختراق هذه الاجواء وملء الفضاء الاوروبي بالاطباق الفضائية التي تبث وتبعث رسالة نقية صافية عن الاسلام وقيمه ومبادئه واحكامه وشرائعه تعرفهم بالاسلام الحقيقي الذي ينطلق من الكتاب والسنة لا بالاسلام المشوّه (المسوّد) المعبأ بالحروب والمزروع بالمصائب والفتن والذي تختفي وراءه وتسوقه وتدعِّمه اهداف سيئة غرضها النيل والحط منه.. فلابد من التكتلات الاقليمية ولابد من التكتلات الاسلامية وفرض ارادة عالمية لمنع الدول المسيطرة على مسيرة العولمة من استغلال السوق واستنزاف الشعوب واجبارها على قبول وإقرار هذه الارادة .
كذلك محاولة تقديم وعرض بعض الاحكام والشرائع والقيم الاسلامية للهيئة (الأممية) واقناعها بقبولها بدلا من الانظمة والقوانين الوضعية التي هي قائمة عليها لان الشرائع الاسلامية منهاج حياة والعقل البشري مهما وصل من الرقي والعلم يظل قاصرا عن إدراك أسرار معيشته وعالمه وحياته ولو استعرضنا انظمة وقوانين الامم المتقدمة والراقية لوجدنا القوانين المضحكة التي تنتقدها ولا تقبلها عقول الاطفال فضلا عن الكبار وان شئت فاستعرض النظام (الحياتي) لاضخم دولة (أمريكا) تجد كيف ان (الكلاب) رفهت واترفت وأصبح لها قيمة وطغت حقوقها على حقوق الانسان وفي انجلترا بلد الحرية والعدالة كما يقولون لو تصفحت النظام والقانون الذي تنطلق منه تلك الدولة لوجدت العجب العجاب فمثلا ان تعشق المرأة وتخون زوجها في علاقات غير مشروعة هذا امر محبب ومقبول ولكن الويل وقد تصل العقوبة الى حد الاعدام لمن فضح وكتب عن هذا العشق وولي عهد البريطانيا عندما كان زوجا للاميرة (ديانا) اعترف بأنه يخونها وسوف يمضي في هذه الخيانة مع سيدة اخرى وزوج السيدة الاخرى لا يمانع ان يكون لزوجته عشيق او صديق وكذلك الأميرة (ديانا) كان لها صلة عشق مع مدربها على ركوب الخيل ولكن هذا العشق لم يستمر اذ فضح هذا المدرب أو بالمعنى الأصح (كتب) عن هذا العشق في كتاب عنونه ب (ديانا عاشقة) والكتاب يصل الى 192 صفحة مزود بالصور.. الرجل لم يسلم من (سياط) الصحافة البريطانية ولم يسلم كذلك من القانون البريطاني الذي أصدر عليه حكما بالاعدام لأنه تعرض لسيدة قد تكون ملكة لبريطانيا.. هذه مداخلة بسيطة قد تكون خارجة عن موضوعنا ولكن جئت بها لأبين بعض الشيء بأن العقل البشري مهما نبغ وتفجر بالعلم يظل عاجزا وقاصرا عن رسم خطوط حياته..
خلاصة القول يجب علينا افرادا ومؤسسات ودولا ان نقف موقفا قويا صادقا امام هذه التحديات وأمام هذه الريح (العقيم) ان قبلتم مني هذه التسمية.. وان نتعاون ونتعاضد ونزيل ما بيننا من مشاكل ونتجمع كتلة واحدة حتى لا تستطيع هذه الريح (العولمة) زحزحتنا وزعزعتنا عن مكاننا ان نكون جادين في تقديم رؤيتنا وعرض «أطروحتنا وهو الاسلام في كل مناسبة وفي كل محفل دولي».
خالد عبدالعزيز الحمادا - بريدة
|
|
|
|
|