| الثقافية
مضى على وفاة الشيخ حمد الجاسر عام كامل، فقد توفي رحمه الله يوم الخميس الموافق السادس عشر من شهر جمادى الآخرة من عام 1421ه .
وقد كانت وفاته خسارة جسيمة بالنسبة للوطن والأمة العربية، وكان وقع هذه المأساة كبيرا على نفوس الأدباء والكتاب، فكتبت مقالات كثيرة تنوه بالجهد العلمي والآثار الفكرية التي خلفها الشيخ الجاسر، ولم يكن تأثير هذه المأساة مقصوراً على الكتاب السعوديين فقط، بل إن كثيرا من أدباء العربية تأثروا بوفاته رحمه الله فتحدثوا عن مآثره وكتبوا عن نتاجه، وكنا نتوقع آنذاك أن تتلوا هذه الكتابات الفردية والانطباعات الشخصية عمل جماعي منظم تتبناه مؤسساتنا العلمية والثقافية يعمل على إبراز جهد الشيخ العلمي في تجلياته المختلفة.
لقد لقي الشيخ من الاهتمام خارج المملكة ما يفوق الاهتمام الذي لقيه من المؤسسات العلمية في الداخل، فقد أقيمت في بعض الدول العربية ندوات أشرفت عليها الملحقيات الثقافية السعودية، ويعكف الآن معهد المخطوطات العربية في القاهرة على إصدار كتاب تذكاري، يكون جهد الشيخ رحمه الله محوراً له، بينما نجد المؤسسات العلمية والثقافية في الداخل لم تقم بعمل علمي يليق بجهد الشيخ.
كنا ننتظر من الجامعات السعودية أو الأندية الأدبية، أو دارة الملك عبدالعزيز أو مكتبة الملك عبدالعزيز، أو غيرها من المؤسسات الثقافية أن تقوم بمبادرة علمية تبرز جهد الشيخ.
لقد تولى رحمه الله إدارة جامعة الإمام محمد بن سعود في أطوارها الأولى، كما تعاون مع جامعة الملك في تقديم الاستشارات العلمية وإلقاء المحاضرات على طلاب التاريخ والآثار، فكان حري بهاتين الجامعتين العريقتين أن تقدما ما يكافئ الشيخ على جهده، وكان رحمه الله من أكثر المتحمسين لوجود منتديات أدبية يلتف حولها الأدباء.
وقد أسهم بشكل فعّال في نشأة نادي الرياض الأدبي خصوصاً والأندية الأدبية القديمة عموماً، حيث كان صوته من أرفع الأصوات المطالبة بنشأة هذه المنتديات التي وجدت استجابة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله.
لقد قدم الشيخ الجاسر رحمه الله خلال ستين عاماً من عمره الحافل بالعطاء جهداً علمياً ثرياً شمل مجالات علمية متعددة، وهذا النتاج يحتاج الى إعادة تصنيف وترتيب فلو تبنت جهة علمية ندوة علمية موسعة تدعو إليها مجموعة من الأدباء والباحثين لإعادة قراءة نتاج الشيخ وتصنيفه حسب المجالات المعرفية التي تعرض لها فيُخصص محور لجهد الشيخ في علم الآثار، ويُخصص محور ثان لإسهاماته التاريخية، وثالث لدراساته اللغوية، ورابع لاهتماماته الأدبية.. وهكذا.
إن الحضارة بأبعادها المادية والمعرفية والوجدانية التي تنعم بها الإنسانية صنعها أناس متميزون نذروا أنفسهم لخدمة مجتمعاتهم، وحقهم على المجتمع أن يكرموا بالتعريف بجهودهم، والعمل على بقائها ماثلة في ذاكرة الأجيال.
وإن هذا الحق ليس مقصوراً على المؤسسات العلمية والثقافية فحسب، بل إن الأفراد من أرباب الأقلام وأرباب الأموال مطالبون بالإسهام بهذا التكريم. ونحن نعلم أن فئة من الأوفياء يقف في طليعتهم الأديب الشاعر الدكتور إبراهيم العواجي يخططون لإنشاء مؤسسات ثقافية خيرية تحمل اسم الشيخ وتعمل على نشر تراثه، وهذه المؤسسات لكي تخرج بالصورة التي تناسب مكانة الشيخ تحتاج إلى الدعم المادي والمعنوي من قبل القادرين.
لقد كان رحمه الله ينظر إلى المؤسسات العلمية والثقافية بوصفها أهم المؤسسات الاجتماعية، لأنها تعنى بعقله وجوهره، فحينما أخذ رأيه في المجمع اللغوي وهل ثمة ضرورة لإنشائه في المملكة؟ قال: المهم الصورة التي سينشأ فيها المجمع، هل سينشأ بصورة قوية وإمكانات عالية تهيئه لأداء وظائفه وتحقيق أهدافه، فأنا حينئذ أشد الناس دعوة إليه وحماسة لوجوده، أما إذا كان سيظهر بشكل ضعيف وصورة سقيمة فإن عدمه أفضل من وجوده.
وإننا نتطلع إلى أن تكون المؤسسات الثقافية التي تحمل اسمه رحمه الله في مستوى طموحه وعلو همته.. فهل يتحقق هذا الحلم؟؟؟!
د. حمد بن عبدالعزيز السويلم
نادي القصيم الأدبي
|
|
|
|
|