| مقـالات
نعم، التربية الانضباطية التي نعنيها سلوك تبدأ تداعياته من ساحة الفصل الدراسي. فلن يصير الطالب فجأة منضبطاً في تصرفاته بدون تربية يتعود عليها بذرتها الاولى بين جنبات المنزل اما تهذيبها ورعايتها ونموها، ففي المدرسة حيث يتعود حسن التعامل مع الآخرين ويتفاعل معهم على النحو الذي يتعلمه من الوالدين ثم يتلقاه على يدي معلم ماهر حتى ينشأ مواطنا منضبطا يعرف ما هو الواجب فيؤديه طواعية، وما هو الحق فيحصل عليه في رضا، ويناله دون عناء ، وما هو صواب فيتبعه باقتناع، وما هو خطأ فيتجنبه ويتحاشاه.
وهكذا فإن المدرسة الحديثة لا يمكن حسب رؤيتنا ان يتم فيها ممارسة العملية التعليمية الا في جو من الانضباط المسؤول الهادف بقصد بناء شخصية واثقة، تعي الواقع المعاصر ومتطلباته وتمارس التجربة ودواعيها، وتخوضها من اجل التيقن والتحقق.
وفي هذا لا نقصد بالتربية الانضباطية القمع والقهر والا كنا ضد ارادة التغيير، ولكنا نعني بها الالتزام المعاييري الاخلاقي، وتبادل الرأي في احترام وعطف وهو من المعلم وتبجيل وتقدير من قبل الطالب. وهذا يحدث متى حسنت ادارة الفصل الدراسي مع الحرص على استمرارية هذا المسلك على طول مراحل التعليم المختلفة وحسب تشعباته المتنوعة.
حقاً إن التعليم المدرسي في جانبه الاكاديمي والتجريبي يهدف الى تغيير في الاتجاهات، والى اكساب مفاهيم جديدة وسلوكيات متوافقة والحفز عليها، فضلا عن تزويد الطلاب بحجم من المعارف يتناسب مع خصائص النمو، والعمل على تهذيب العادات والتقاليد في اطار متوافق ومنسجم مع عادات وتقاليد ديننا الحنيف.
غاية الأمر ان التعليم بناء للبشر متكامل الأسس والمقومات المعيارية الرصينة.
فإذا اتفقنا على دور المدرسة هكذا، وعلى دور المعلم في ادارته الفاعلة للفصل الدراسي، أمكننا القول إنه من تلمس الواقع وتعرف مشكلاته ندرك ان المدرسة لدينا كم هي في حاجة ملحة لاجراء تطوير في المناهج، والوسائل التعليمية، وتحديث الكتاب المدرسي، وإعداد المعلم، وتغير دورة حياة اليوم الدراسي بما يشمله من مناشط صفية ولا صفية، ودور المعلم فيها...
وقد يسأل سائل: وهذا التطوير ، وهذا التغير المطلوب متى عسانا نبدأ فيه؟ وكيف؟ حيث إننا قد أجبنا في المستهل على لماذا؟ ونجيب ان نقطة البدء التي نراها مناسبة بل وحتمية لمواكبة متغيرات العصر نراها الآن وفي التو واللحظة. اما الإجابة على كيف؟ فنقول: أولاً بالعمل على استصدار نظام يجعل التعليم اجباريا حتى بتشعباتها المختلفة، وبذل الجهد للعمل على الاقلال من نسب التسرب في التعليم المتوسط والثانوي خاصة البنات، وادخال نظم تكنولوجيا التعليم، والاهتمام بل مزيد من الاهتمام بدراسات الكمبيوتر وتعميمه بل والارتكاز عليه في التعليم الثانوي، وانشاء شعبة متخصصة في الكليات التقنية لهندسة الكمبيوتر، وفي معهد الادارة بإنشاء قسم للبرمجة والاتصال بشبكات الانترنت، والاهتمام بالمختبرات في المدارس وتدريب الطلاب على المنهجية العلمية نحو الأخذ بأساليب البحث العلمي، والعمل على تطوير المعلم بانتظامه في دورات متقدمة، واطلاعه على التجارب العالمية المعاصرة، وذلك بفتح باب الابتعاث لفترات تدريبية قصيرة في الدول المتقدمة في هذا المضمار لامكانية الوقوف على المستحدث في العملية التعليمية، وما لحق بها من نقلة نوعية ومكثفة، ولملاحقة التغيير الحادث في الاعداد وتأهيل المعلم ليتواكب مع التغيرات المعاصرة، والنظريات العلمية الحديثة، والمفاهيم الجديدة التي اعترت ميدان العلوم التربوية والمكون التقني والتكنولوجي. هذا فضلا عن استمرارية تدريب المعلمين اثناء فترة الصيف عن طريق الاشتراك في ورش العمل المتخصصة لتعرف ما طرأ حديثاً في العملية التعليمية من تعديلات وتزويدهم بالمهارات وصقل القدرات.
كل هذه الاعمال تصب في جانب الانضباط السلوكي للطلاب وهم أبناؤنا.
والانضباط السلوكي داخل المدرسة مؤشر قوي للانضباط خارجها ونسجل بفخر ان حالنا افضل بكثير من غيرنا لدرجة ان الطالب السعودي يذهب لاستكمال دراساته العليا أحياناً بالخارج فيكون اكثر تميزاً من غيره وهذا لكفاءته وانضباطه المعاييري وسلوكه المتوافق، وهناك تسابق على تعيينهم بجهاز التدريس بالجامعات الاجنبية لتفوقهم وانجازاتهم العلمية، ولكنهم يفضلون العودة للعمل في بلادهم للنهوض بها. وهذا مؤشر حضارة ورقي وتمدن.
وكون أننا نتطلع للمزيد من الازدهار والنمو في كافة جنبات الحياة فما من شك ان اساس هذا الازدهار يكون داخل المدرسة التي باتت تتقبل التغيير والتطوير تحت مظلة وعي التوجيه الفني واهتمام من قبل مجالس اولياء الامور، وتقويم الخبراء وتوصياتهم.
كلمة أخيرة: ان الطالب يتعود الانضباط السلوكي في داخل الفصل الدراسي عن طريق الاهتداء بمدرس قدوة، واستيعاب منهج متنامٍ، وممارسة أنشطة مبدعة تشبع مطالب النمو وتسمو بعوامل التكوين البيولوجي، وتطور من اساليب التنشئة الاجتماعية من خلال منزل يدعم ويصقل ويحرص على تواصل الحوار الراقي مع المدرسة ، فينشأ الطالب إنساناً منسقاً مع نفسه متوافقاً مع مجتمعه، والطريق الوحيد لذلك هو التربية ذلك المشروع الوطني لبناء الانسان، والتي تخلق نسقاً منضبطاً مسؤولاً واعياًً بقيمنا الأصيلة ومبادئنا الإسلامية ومفاهيمها الصحيحة التي تشكل الصيغة البنائية لاعداد الشخصية السوية التي تقوم بدورها الفاعل في بناء صرح المجتمع والانتماء له والترابط مع مكوناته، وتنوير الوعي بمتطلباته، ووضوح الرؤية في استجلاء احتياجاته الاجتماعية وضرورياته السياسية، وأولوياته الحضارية، واستشراف طموحاته المستقبلية.وفي هذا توفيق انسجامي عبقري يعتمد على طرح برجماتي للعملية التربوية ومحدداتها في تحقق مسلكيات منضبطة وسوية.
|
|
|
|
|