| وَرّاق الجزيرة
تحتل كتب التراث مكانة سامقة في ذاكرة العقل العربي والمسلم فعن طريق هذه الكتب يتم التواصل الثقافي والحضاري بين حاضر الأمة وماضيها، ولا يزال الاهتمام بكتب التراث يزداد يوما بعد يوم، هذا الاهتمام يتخذ أشكالا عدة إما نشرا أو تحقيقا أو دراسة.
وكتب التراث تعكس لنا الفعل التاريخي لهذه الأمة عبر أجيالها المتعاقبة. ولا تزال هذه الكتب هي مصدر الإصلاحيين في عصرنا الحاضر، ومنها تستلهم الأمة نهضتها الحضارية التي طال أمدها، وسيطول إن لم نحسن قراءة هذا التراث قراءة واعية تبتعد عن تاريخيته، وفي الوقت نفسه تنأى عن تشطيره وأدلجته. على أية حال ما نحن بصدد الحديث عنه، هو المنعطف الذي تمر به كتب التراث في وقتنا الراهن، حيث تشهد كتب التراث منعطفا جديدا في عالم النشر الإلكتروني، هذا المنعطف يمكن أن نطلق عليه عملية رقمنة كتب التراث (تحويل كتب التراث المطبوعة الى شكل آلي/ رقمي) وفي هذا المقال سنتحدث عن بعض الملاحظات الخاصة بكتب التراث الإلكترونية، حيث يلحظ مستخدم هذه الكتب كثيرا من أوجه القصور التي تحتاج الى تحسين للبرامج المصدرية المستخدمة التي تُحمل عليها كتب التراث المطبوعة.
وفي البدء، وقبل الحديث عن كتب التراث الإلكترونية يحسن بنا أن نتحدث عن بعض الصعوبات التي تواجه مستخدم كتب التراث المطبوعة. هذه الصعوبات يمكن إرجاعها الى عاملين مهمين، أولهما: أن بعض كتب التراث تكون من الضخامة بحيث يصعب معه العثور على المعلومات المطلوبة بيسر وسهولة، وعامل آخر هو طريقة الترتيب المتبعة في كتب التراث، وتداخل الموضوعات بعضها مع بعض، مما صعب معه عملية استخراج المعلومات من هذه الكتب علاوة على أن أغلب كتب التراث تفتقر الى الكشافات التحليلية التي تدل الباحثين على أماكن وجود هذه المعلومات بيسر وسهولة لذا نجد الخطيب البغدادي يصف لنا صعوبة البحث في هذه الكتب واستخراج المعلومات منها قائلا: فإني رأيت الكتاب الكثير الافادة المحكم الاجادة، ربما أريد منه الشيء فيعمد من يريده الى إخراجه فيغمض عنه موضعه، ويذهب بطلبه زمانه، فيتركه وبه حاجة إليه، وافتقار الى وجوده (تاريخ بغداد 1:213).
ولعل دخول كتب التراث عصر النشر الإلكتروني يحد من تلك الصعوبات، ويسهل على كثير من الباحثين العثور على المعلومات المطلوبة بيسر وسهولة، ويجد الراصد لصناعة النشر الإلكتروني لكتب التراث نموا مطردا في هذا المجال، فكل يوم ينشر عدد من كتب التراث سواء على أقراص الليزر، أو كموقع على الإنترنت وتتنوع المجالات التي تغطيها كتب التراث التي تم نشرها بشكل إلكتروني ما بين دين وأدب وتاريخ ولغة وغير ذلك.
ولعل الحديث الشريف وعلومه حظي بالنصيب الأكبر في عملية النشر الإلكتروني، حيث نشر آلاف من الكتب والمجلدات، وهي متاحة على أقراص ليزر في سوق البرمجيات العربية أو على شبكة الإنترنت.
وعلى الرغم من أهمية وعظيم فائدة هذه البرامج (كتب التراث الإلكترونية) في وقتنا الحاضر إلا أنها لا تخلو من الأخطاء سواء من ناحية تصميم البرامج أو من ناحية الأخطاء المطبعية الخاصة بالكتب المخزنة، وقد يرجع هذا لحداثة التجربة العربية في مجال صناعة النشر الإلكتروني، وتصميم البرامج، وأمر آخر، ألا وهو المنافسة الشديدة بين شركات الحاسب في كسب السوق وإصدار أكبر عدد من كتب التراث على حساب نوعية هذه البرامج، على وجه العموم، فهناك من البرامج ما هو جيد ومتقن، ومنها ما هو دون ذلك بكثير، ومن أهم الملاحظات حول كتب التراث الإلكترونية المتاحة حاليا في سوق البرمجيات العربية ما يلي:
1 أن بعضا من هذه البرامج تعالج كتب التراث بمستوى واحد في عملية التخزين والاسترجاع، بمعنى أن كتب الحديث على سبيل المثال تعالج مثل كتب النحو أو كتب التاريخ. ومن المعروف أن كتب الحديث تنقسم الى متن وإسناد، وقد نحتاج البحث في الإسناد أو المتن كل على حده، أو بهما معا، وهذا لا يعني بحال أن ليس ثمة برامج توفر مثل هذه الخدمات.
2 تعمد بعض شركات الحاسب المنتجة لبرامج كتب التراث الإلكترونية حذف مقدمة وتعليقات المحققين على تلك الكتب، وذلك من أجل التخلص من حقوق التأليف، فكتب التراث ليست حكرا على أحد! فتأتي شركة فتأخذ هذا النص المحقق، وتحذف مقدمة المحقق وكذلك تعليقاته، ومن ثم تخرج هذا العمل بشكل إلكتروني دون مراعاة لعمل المحقق، وجهده الذي بذله في تحقيق ذلك الكتاب، وهذا عمل يحتاج لمقارنة بين النصوص المحققة المطبوعة والنصوص المتاحة بشكل إلكتروني من أجل معرفة التلاعب الذي تمارسه بعض شركات الحاسب الآلي المنتجة لبرامج كتب التراث.
3 لا يكاد يخلو كتاب من كتب التراث المتاحة بشكل إلكتروني من الأخطاء المطبعية، ويزداد الأمر خطورة في كتب الحديث والعقيدة والفقه وغيرها من كتب الشريعة التي قد يتأثر المعنى في تلك الكتب بزيادة حرف أو نقصانه.
4 تفتقر كثير من كتب التراث الإلكترونية الى وجود كشافات مساعدة يمكن الافادة منها بدلا من البحث الحر الذي يغلب على جميع هذه البرامج. ومن المعروف أن البحث الحر قد يسبب اشكالات كثيرة في عملية الاسترجاع، ومن المستحسن أن نعطي مثالا يوضح مقصدنا بذلك. هب أن باحثا يريد أن يبحث في كتب النحو المحملة على وسائط إلكترونية، وبحثه خاص بأداة من أدوات الجر ولتكن الأداة إلى وما قاله النحاة بخصوص هذه الأداة. وعندما أدخل الباحث هذه الأداة تم استرجاع عدد كبير من الأماكن التي ورد فيها ذكر لتلك الأداة. ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الأداة تتكرر كثيرا في الكتابة العربية ويكثر استخدامها للربط بين الجمل. فإذا بحثنا عن هذه الأداة بطريقة البحث الحر، فإن الحاسب سيسترجع لنا جميع الأماكن التي ورد فيها ذكر لتلك الأداة بغض النظر عن السياق التي وردت فيه. فكل جملة استخدمت فيها تلك الأداة للربط بين جملتين سيتم استرجاعها (وهذا ليس هو المطلوب من البحث) وإنما المطلوب فقط هو ما قاله النحاة حول هذه الأداة وكيفية استخدامها وقد كنت أجريت بحثاً بهذا الخصوص البحث عن استخدامات أداة الجر إلى في كتاب «مغني اللبيب في كتب الأعاريب»، فاسترجع الحاسب 384 موضعا ورد فيها ذكر لتلك الأداة في كتاب مغني اللبيب، بينما كان الحديث عن هذه الأداة في موضع واحد، وتحت مسرد الأدوات: الباب الأول من كتاب مغني اللبيب، وهذا يدلنا على أن عملية البحث الحر ليست مناسبة لجميع كتب التراث، بل هناك من الكتب التراثية كتب ذات خصوصية ينبغي أن تراعى عند تصميم برامج الحاسب الآلي.
5 أغلب كتب التراث الإلكترونية تفتقر الى الروابط أو الوصلات التي تربط بين نص وآخر، فعلى سبيل المثال قد يحتاج متصفح هذه الكتب أن يعرف معنى كلمة غريبة مرت عليه وهو يتصفح أحد كتب التراث. وبما أن أغلب كتب التراث المتاحة بشكل إلكتروني لا تتيح مثل هذه التقنية في برامجها، فليس على هذا المتصفح إلا تجاوز هذه الكلمة أو الرجوع الى أحد القواميس العربية من أجل أن يجد شرحا لهذه الكلمة. وقد يكون هذا القاموس مخزنا في نفس البرنامج الذي يبحث فيه هذا المتصفح، ولكن لعدم وجود هذه الروابط، فإنه يحتاج عددا من الخطوات من أجل الوصول الى معنى الكلمة.
وفي المقابل فلو كانت هذه البرامج تستخدم تقنية الروابط لما كان من هذا المتصفح الذي واجهته تلك الكلمة إلا أن ينقر عليها مرتين، وسيجد شرحا كاملا لمعناها في ذلك القاموس المخزن في نفس البرنامج، وذلك عن طريق تلك الروابط أو الوصلات.
6 تعاني أغلب كتب التراث الإلكترونية من ضعف في آليات البحث، إذ إن معظم هذه البرامج تستخدم آليات بحث متواضعة، ولا تتناسب مع طبيعة اللغة العربية.
كذلك طريقة تكثيف نصوص كتب التراث الآلية ليست واضحة المعالم، وإنما هي عبارة عن إدخال نصوص ضخمة، ومن ثم إتاحتها بشكل عشوائي بغض النظر عن أهمية ودلالة المصطلحات أو الكلمات الواردة في تلك النصوص.
وهناك غير هذه الملاحظات مما هو متعلق بعملية المساعدة، والشرح الوافي لجميع مهام البرنامج وغير ذلك، والمجال لا يتسع للتفصيل في هذه الأمور. وقبل أن أختم أحب أن أذكر أن وجود هذه الملاحظات في برامج كتب التراث الإلكترونية لا يقلل من أهمية هذه البرامج، فالحاجة إليها واستخدامها فيما يهدف أغراض البحث جد ماسة وضرورية، وهذه الملاحظات أردنا من إيرادها التنبيه ولفت أنظار مطوري هذه البرامج أن يأخذوا بها من أجل تطوير تلك البرامج، وجعلها أكثر فائدة للباحثين.
* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
musaidtayyar@hotmail.com
|
|
|
|
|