| محليــات
السَّيد التُّراب، ، ،
مَنْ ذا الذي يستطيع أن يبرم معه اتفاقاً كي لايزحف إليه؟
وهذه الشوارع تكتظ برجال يرتدون زياً موحداً يعالجونه فوق العربات، وعلى الأرصفة، ويزيحونه من فوق الشوارع المزفَّتة، بل، ، ، من على واجهات الزجاج في المحال التجارية، بل من تفاصيل العجلات، والدواليب، على الأسطحة الصقيلة التي يعفِّرها، ، ، ، أو الخشبية التي يترَّبها، ، ،
وداخل البيوت، وفي المستودعات، في الحجرات الصقيلة والوبرية، وتحت الستائر والفُرُش، وفوق الأدوات، ومبسوط الرخام، ، ، ، عند الزوايا وفي المنحنيات، ، ،
يزحف التُّراب، ، ،
في القصور، والدور، في الخيام، والعشش، في الأكواخ والسفن، في العربات والأقبية، وعلى السَّطوح، والأرفف، والحواف، ، ، يزحف التُّراب، ، ، عند من ينظِّف، ومن لا يفعل، ، ،
كم من أدوات محاربته، وعناصر العمل لمكافحته، ، ، وهو يزحف، ، ،
وكلُّ من يرتدي حذاءً يلمِّعه من التُّراب، ، ،
وكلُّ من يحمل حقيبةً يلمِّعها من التُّراب، ، ،
والتُّراب السَّيد المتسيّد في حياة الإنسان، ، ،
يأتيه من كلِّ زاوية ومنفذ، ونافذة، ومخرج، ومدخل، ، ، ، مهما أغلق نوافذه أو سدَّ ثقوبه، ، ، يلاحقه التُّراب، مهما ابتكر من أساليب نظافة، وجنَّد من عناصر عمل يلاحقه التُّراب، ، ،
التُّراب لا يعرف فروقاً بين إنسان وآخر، ، ،
وهو لا يعبأ بثمين ولا رخيص، ، ،
لا بصغير ولا كبير، ، ،
التُّراب السّيد المتسيّد في حركته، ، ،
ولأنَّ الإنسان من تراب، ، ،
ولأنَّ الإنسان إلى تراب، ، ،
فإنَّ ثمَّة علاقة وطيدة، ومُبهمة، وغامضة، وواضحة، وكبيرة بين الإنسان والتُّراب، ، ،
حتى لحظة الخضوع إلى الله في أجمل وأكثر لحظات الخضوع بين الإنسان وربِّه يسجد إلى التُّراب، ، ،
حتى لحظة ألاَّ يجد ماءً للوضوء،، ، ، يتيمَّم بالتُّراب، ، ،
فما سرُّ التُّراب في علاقته بالإنسان؟!
السَّيد التُّراب يدخل في صناعات الإنسان فتتكوَّن له المرآة التي يزداد كشفاً عنها لذاته، ولولا المرآة ما عرف الإنسان ظاهره وظهره!!
و، ، ، ،
ويلاحق الإنسانَ التُّرابُ، ، ،
في زحفه الصَّامت النَّاطق، ، ،
في حديثه البليغ الذي لا يُعيره الإنسان أذناً صاغية، ولا حساً يقظاً، ، ،
تُرى، ، ، ،
أيمكن للإنسان أن يجلسَ قليلاً إلى نفسهِ، وقبل أن تمتدَّ يده، أو يد «خادمه» كي تمسح عن طاولته، ، ، أو ورقه، أو ملابسه، أو مقعده التُّراب، ، يسأل عن سر العلاقة بينه وبين هذا التُّراب؟!
تُرى لو عرف هذه العلاقة أيمكن أن يمنحه مايستحق من التَّبجيل؟!،
أو يدرك ما وراءه من الحكمة؟!، ، ،
ومن ثمّ أيمكن أن يدرك الإنسان ما بين سطوة التُّراب وبين حكمة التَّبصُّر فيها؟،
فسبحان اللَّه الذي أوحى للإنسان بالتَّبصرة، ، وبالاعتبار كي يقوى على نفسه،
ومن ثمّ على التُّراب،
|
|
|
|
|