| المجتمـع
* الرياض تهاني الغزالي:
قال تعالى «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» فالإنجاب أمر مطلوب بدوافع غريزية وعاطفية، وذلك للمحافظة على النوع.
وقديماً كان الآباء يفضلون إنجاب الولد لحاجة المجتمع اليه، فظروف البيئة تفرض على الانسان مطالب معينة، وهي بدورها تفرض على الإنسان تفضيل نوع على نوع وهو في الحقيقة ليس تفضيل جنس على جنس وإنما تفضيل لدواعي الحاجة فنرى في المجتمعات الأكثر رقياً ورفاهية تختفي الأصوات التي تتحدث عن تفضيل الذكور على الإناث.
والعصر الحديث بامكاناته وتنظيمه واكتشافه اتاح للمرأة ممارسة الكثير من الأعمال التي كان من الصعب ممارستها فيما مضى. لذا نسأل هل نظرة الآباء والمجتمع ككل الى انجاب البنات تغيرت أم ظلت كما هي؟ وما هي العوامل التي دعت لهذه النظرة؟ وكيفية الوصول الى التغير المنشود ولا نقصد بذلك إلغاء الفوارق بين الجنسين تماماً، فلكل منهما مميزاته الخاصة به، والهامة بالنسبة للحفاظ على النوع واستمرار الحياة «كلٌ ميسَّرُ لما خلق له».
وإنما أردنا معرفة ماطرأ على المجتمع من تغيرات أدت الى تطور في وجهات النظر الخاصة بالولد والبنت.
ولكي نبدأ المشكلة من مصدرها الأول توجهنا الى إحدى أقسام الولادة والنساء لنعرف من القائمات على هذه العملية ما يحدث لحظة استقبال المولود مباشرة.
قالت الممرضة فضيلة محمد: ان استقبال الولد له فرحة أكثر، وخصوصاً عند أجداد الطفل، كذلك عند سكان الأماكن القروية، فمهما كان عندهم من الأولاد أيضاً يريدون الولد، وعموماً من يرزقه الله إناثاً يتمنى الولد ومن يرزقه الله ذكوراً يتمنى الأنثى.
التغيرات الجديدة
وتلتقط منها الحديث الدكتورة حفيظة اخصائية أمراض النساء والولادة بإحدى المستشفيات الحكومية قائلة أعمل منذ سبع سنوات في قسم الولادة، ومن خلال هذه الفترة لاحظت ان هناك تطورا في نظرة الآباء تجاه المولودة الأنثى، ففي الماضي كان الاهتمام بالولد من أجل الميراث حتى ان الرجل كان يطلق زوجته اذا انجبت له بنات متواليات، وهناك بعض الأمهات تهمهن هذه الناحية حتى أنها لحظة وصول الطفل ترفع رأسها لتطمئن، فإن جاء على غير هواها ربما اصيبت بنزيف أما الآن فلم تعد هذه الظاهرة موجودة بنفس الصورة وقد حرصنا بشكل خاص على توجيه هذا السؤال الى بعض الأسر التي رزقها الله بالإناث ولم يمن عليها بالذكور.
فتقول الموجهة التربوية نوال محمد: ان للولد ضرورة كأخ للبنات وكحماية لهم وبالنسبة لي كنت أتمنى ان يكون لي ولد ويكون هو الأكبر فأنا أحس باطمئنان لوجود اخ في حياتي. ولكن بما أن الله قد رزقني بابنتي فانا لا اطلب الولد بصورة ملحة، وسوف أكرر المحاولة مرة ثالثة فان جاء الولد خيراً، وإلا فلن إعيدها حتى أكون قادرة على تربية بناتي تربية صالحة ونافعة تعوضهن عن الأخ. ورأي زوجي نفس رأيي تماماً، ويرى من الجهل ان نظل ننجب طلباً للولد حتى نرهق أنفسنا ونعجز عن تربية بناتنا. وفي النهاية ربما اتى الولد او لم يأت.
والسيدة منى عبدالله موظفة بإحدى البنوك وأم لرشا 15 سنة وهند 3 سنوات تقول رزقني الله بابنتي رشا وشاءت مشيئة الله ان اتوقف عن الانجاب لظروف صحية لمدة 12 سنة، ولما منَّ الله علي بالشفاء فكرت في الانجاب مرة أخرى أملاً في ان يكون لي ولد من أجل التنويع فقط، فأنا أشعر بجوار ابنتي الكبرى انها صديقتي فلو كانت ولدا ما نشأت مثل هذه العلاقة بيننا، وعندما جاءت هند حمدت الله واكتفيت بهما ولن أعيد المحاولة مرة أخرى.
وبخصوص أن الولد يحمل اسم ابيه قالت، من يتذكر الآن جده الرابع؟!
وقاية من النار
على حين ترى المعلمة هيلة منصور ان خلفة البنات نعمة فتقول على الرغم من أني أم لاربع بنات إلا اني احمد الله كثيراً على هذه النعمة، فابنتي الرابعة بالرغم أنها جاءت رغما عني ومع ذلك اضفت على البيت بهجة وهؤلاء الاربع وقاية لنا من النار، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وبسؤال الأب عن رأيه في رأي العلم الذي يرجع بتحديد الولد أو البنت الى الزوج، قال: هذه هي إرادة الله وحده وليس للإنسان دخل فيها ولا حتى العلم قال تعالى: «يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور».
وظاهرة تفضيل الولد في البيئة غير المتدينة، وفي البيئة القروية من اجل الميراث.
وتضيف السيدة وفاء حمد ربة منزل ولديها ثلاث بنات نقطة أن أهل الزوج قد يكونون السبب في حدوث صراع بين الزوج والزوجة على إنجاب الذكور فتقول: للأسف قلة الوعي لدى أهل الزوج قد تكون السبب في حدوث صراع بين الزوج والزوجة على ضرورة انجاب ولد وخاصة ام الزوج التي تأخذ في بعض الأحيان موقفاً عدائياً من الزوجة التي لم تنجب إلا بنات وتحرض ابنها على الزواج من زوجة جديدة تنجب له ولي العهد وهذا ما حدث معي.
على حين تقول أم رفيق وهي ام لطفلتين: إن الإنسان دائماً يرغب في ان تكون له ذرية من الجنسين، فإن جاء ابناؤه ذكوراً كلهم اشتد به الحنين الى انجاب الإناث والعكس يحدث وقد رزقني الله ابنتين وأنا بهما سعيدة وشاكرة لله ولا أفكر في الإنجاب مرة أخرى، ولا يعني ذلك ألا أحب ان يكون لي ولد وليس دافع ذلك هو التفضيل وإنما الحنين الغريزي الى انجاب الجنسين، والمهم دائماً حسن التربية فهي التي تحصل للأبناء قيمة، ويستطيع الوالدان ان يفخرا بالابن الحسن التربية، سواء أكان ولداً ام بنتاً.
بينما يرى الاستاذ صالح الشمري اخصائي اجتماعي ان البيت بلا نساء كالحياة بلا روح ولا هواء، وان الله خلق المرأة لتكون عونا لآدم، وانني كأب وعندما تزوجت كان امنيتي بأنثى تملأ علينا البيت حناناً وبهجة وقد حقق الله لي هذه الأمنية.
ثم رزقت ايضاً ببنتين فأصبحن ثلاث زهرات، تفانينا انا وزوجتي في تربيتهن تربية سليمة لأنني مؤمن بأنني سوف أعطي لهذا المجتمع ثلاث أمهات صالحات.
ويواصل حديثه قائلاً: ان الفتاة الآن أصبحت كالولد تماماً، بل انفع في كثير من الأحيان فهي ان وجدت التوجيه السليم شبَّت على مثاليات انعكست على سلوكياتها في المنزل وخارج المنزل، فهي تساعد الأم في أعمال البيت المختلفة، وفي الأخير أقول: إن بناتي صديقات حميمات لي ولوالدتهن. يتحملن المسؤولية كاملة.
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً وصدقاً التقينا بعدد من المختصين في مجال علم الاجتماع ومنهم الدكتورة هدى الخبالي استاذ التخطيط الاجتماعي التي بينت ان المجتمعات العربية القديمة كانت تمارس التمييز بين الولد والبنت منذ لحظة مجيئها الى الحياة فتفضيل الذكر على الأنثى إحدى القيم التي مازالت قائمة في المجتمع بغض النظر عن نوعه حضرياً او ريفياً، او مكانة المرأة ودرجة تعليمها ويرجع تفضيل إنجاب الذكور على الإناث الى عدة عوامل منها عوامل دينية، حيث ان للذكر حقوقاً مكفولة بحكم الشريعة ونص القرآن الكريم.
وعوامل اجتماعية. فالأسرة السعودية اسرة ابوية، كما ان تربية الذكر اسهل من تربية الأنثى لان الولد مهما فعل وكيفما تصرف فإن سلوكه يرتد في الغالب عليه مباشرة، أما اقل انحراف من البنت فانه يعيب الأسرة كلها، كما أن من المعروف ان انجاب الولد يرفع من قيمة الرجل والمرأة معاً.
على حين ترى الأستاذة الدكتورة حنان عطا الله استاذ علم النفس الأسري بجامعة الملك سعود ان هناك عوامل دعمت النظرة التقليدية الى المرأة منها الأمية والتراث الشعبي والعادات والتقاليد الاجتماعية، والزواج المبكر، والنظرة الى المرأة وعدم الاعتراف بدور المرأة من خلال الجنس، وإنجاب الذكور بالاضافة الى وسائل الإعلام التي تظهر المرأة بصورة تؤكد على تهميش دورها واستغلالها كدمية جميلة يستفيد منها مروجو الدعايات ولهذا أؤكد على أهمية دور وسائل الإعلام في تغيير تلك النظرة تجاه البنت.
أما الدكتور احمد خيري المعالج النفسي بعيادات الاستشارات النفسية والتأهيل الشامل فيقول فكرة كراهية المجتمعات البشرية لإنجاب البنات، لا ترتبط بالمجتمع العربي في الجاهية، وإنما كانت هذه الفكرة سائدة في معظم الحضارات القديمة مع التغيير الذي طرأ على المجتمع البشري بشكل عام.
والحقيقة ان الدين الإسلامي كان له دور كبير في تعظيم دور المرأة والإشارة إليها في القرآن والسنة، على أنها كيان مستقل يجب احترامه ولها من الحقوق والواجبات ما للرجل وكان للإسلام الفضل في حث المرأة على العلم والتعليم، وعلى العمل اذا كانت الحاجة هي الدافع لهذا العمل وكان هذا الفكر الإسلامي شيئاً جديداً في رؤيته للمرأة ولكن ظلت البنت رغم هذا تحتل المكانة الثانية، وظل الأب يفرح بالولد أكثر.
|
|
|
|
|