أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 1st September,2001 العدد:10565الطبعةالاولـي السبت 13 ,جمادى الآخرة 1422

العالم اليوم

هل هناك خطأ استراتيجي في العلاقات الإسرائيلية التركية ؟
بقلم: عبدالإله بن سعود السعدون
في دراسة تاريخ العلاقات الدولية هناك عوامل عديدة تتحكم في اتخاذ قرار استراتيجي لعلاقة سابقة أو التحول نحو علاقة جديدة قد تكون نقيضة للعلاقة الأولى فالنتيجة الحتمية لمحور هذه العلاقات بين دولتين عامل المنفعة القومية العليا لتلك الدولة ونحو اتخاذ أي قرار يربطها بعلاقات جديدة سرية قد تظهر في الوقت المناسب بناءً على عوامل وظروف دولية خاصة. فالعلاقات الدولية التركية الاسرائيلية قديمة جداً ولم ننسى الاعتراف الأول لدولة اسلامية جاء من تركيا بالموافقة على قرار الأمم المتحدة المشئوم بزرع الكيان الصهيوني في نصف فلسطين آنذاك ونحن لاننسي في مراجعة تاريخية موقف الصهيونية العالمية وممثلها في قصر السلطان عبدالحميد اليهودي أك صو الذي ساوم السلطان على منح فلسطين لليهود مقابل تسديد ديون الدولة العثمانية ذهباً وفضة وكان معه عند تقديم هذا العرض منسق الصهيونية الأول هرتزل فطردهم السلطان عبدالحميد قائلاً لن نبيع أولى القبلتين وثالث الحرمين بذهب العالم كله فالقدس عين الأمة الاسلامية. ومن سخرية القدر أن يكون هذا اليهودي أك صو هو أحد الشاهدين على وثيقة خلع السلطان الكبير عبدالحميد خان! واندس أحفاد اليهودي أك صو في المجتمع التركي في العهد الجمهوري بعد تغيير الألقاب وصار من الصعب جداً أن يعرف اليهودي من غيره وسمي هؤلاء بالدوغه أي المرتدين عن القابهم السابقة والتي كانت تظهر يهوديتهم وتوصل بعضهم الى مراكز القرار السياسي والاقتصادي بفترة قصيرة ليوجه دفة السياسة الخارجية نحو التحالف التركي الاسرائيلي كما نراه واضحاً الآن.
وفي اختبارحقيقي لمتانة هذه العلاقة من هشاشتها جاء رد الشعب التركي المسلم في ليلة حرق المسجد الأقصى عام 1969م فهب هذا الشعب المسلم الأصيل عن بكرة أبيه وبكافة عروقه وأصوله هادراً بالوعد والوعيد للكيان الصهيوني ورفعت الاعلام الاسلامية الخضراء مع العلم التركي متجهة نحو مقر سفارة الصهيونية في أنقرة وقنصليتها في أسطنبول وأحرقت جزءاً كبيراً من المكتب الاعلامي الاسرائيلي في أنقرة وحوصرت القنصلية لنهار كامل لم يستطع أي صهيوني الخروج من المبنى. وتمشياً مع هذا الغضب الشعبي القوي طردت الحكومة التركية آنذاك والتي كان على رأسها السيد سليمان ديميريل رئيس الوزراء السفير الصهيوني من تركيا وخفضت العلاقة الدبلوماسية الى مكتب رعاية المصالح اليهودية في تركيا برئاسة موظف برتبة قنصل كما تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وفتحت سفارة فلسطين في قلب انقرة. إن العلاقة التي تربط الشعب التركي المسلم بالقدس والمسجد الأقصى علاقة أبدية لا يمكن التنازل عنها مهما تكن المغريات الصهيونية وان هذه التطورات الواضحة للعلاقات الثنائية بين تركيا واسرائيل جاءت في غفلة سياسية من العالم العربي والاسلامي استغلتها اسرائيل بكل دهاء مقدمة الوعود والأماني بمنافع عظيمة تجنيها تركيا من وراء هذه العلاقات وبتحريض طرفٍ ثالث مهد ايضا بالجزر الكثير للحكومة التركية وأشعرها بأن هذا هو الممر الوحيد للخروج من أزمتها الاقتصادية والسياسية والتي ستقودها للدخول للمجتمع الأوروبي.
وجاءت زيارة السفاح شارون الى تركيا في مطلع هذا الشهر لتؤكد على ان هذه العلاقة لم توضع على استراتيجية ثابتة بل كانت فقاعة كبيرة في بحر هائج وقد رافقت زيارة هذا المجرم ظروف جوية ساخنة جداً حيث بلغت درجة الحرارة أكثر من اربعين درجة مئوية وكأن الأرض والسماء لا يرحبان به في هذه الأرض المسلمة. وخرج الشعب التركي شاجباً هذه الزيارة المشئومة بتظاهرات ملأت شوارع معظم المدن التركية ودعا رئيس جمعية حقوق الانسان التركية بإلقاء القبض على شارون ومحاكمته لجرائمه البشعة والوحشية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل وأقامت جمعية الصحافة المصورة معرضاً لصور الاجرام اليهودي ضد أطفال الحجارة وبسالة الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين في مقاومة آلة الحرب الصهيونية ومقاومة الطائرات النفاثة المقاتلة والدبابات بالحجارة، وصدرت معظم الصحف التركية غاضبة لهذه الزيارة غير المرغوبة. ولم يستقبله رئيس الوزراء بل كان موظف من مراسم الخارجية في انتظاره في المطار وأجمع المراقبون السياسيون بأن زيارة شارون جاءت للتذكير بهذه العلاقة السابقة وتأكيد تأثيرها على الشعور العربي نحو تركيا بعد ان احست اسرائيل بأن تركيا أدركت بأن في استمرارها خطراً يهدد العلاقات التركية العربية. وحاولت الدبلوماسية التركية في محاولات عديدة وجادة لإزالة حالة الركود في العلاقات مع الدول العربية وازالة الغبار العالق بين أجوائها حيث تم فتح ملفات العلاقات العربية التركية من جديد بزيارة اسماعيل جيم وزير الخارجية إلى مصر وتصريحاته المكررة بعدم أهمية التعاون الاسرائيلي التركي وان الدبلوماسية التركية تسعى لاستعادة الثقة بعلاقاتها العربية والاسلامية بعد ان أدركت القيادة التركية بأنها الخاسرة الوحيدة في هذا التقارب الاسرائيلي التركي والذي يصب في مصلحة اسرائيل لوحدها في محاصرة جيران تركيا عسكرياً مثل سوريا وإيران والعراق. واعطائها فرصة ذهبية تسعى لها اسرائيل بان تجعل تركيا جسراً لتدخلها في اقتصاديات الجمهوريات الاسلامية ذات الجذور التركية والتي استقلت عن الاتحاد السوفيتي وفعلاً ظهر النفوذ الاسرائيلي في تلك الجمهوريات الاسلامية وسيطرتها على العديد من الشركات المشتركة بالعلامة التجارية التركية. وقد خطت اسرائيل خطوات واسعة على التأثير على الاقتصاد التركي ووضعت اقدامها على القطاع الزراعي التركي وبالذات في المنطقة الشرقية المحاذية لسوريا والعراق فانتشرت هناك مجموعة شركات اسرائيلية هولندية وأمريكية وابتاعت أراضي واسعة من املاك الدولة مثال الشركة الهولندية الاسرائيلية للدواجن والشركة الاسرائيلية الهولندية لتربية المواشي والشركة الاسرائيلية الدنماركية للألبان. وتحاول شركات مشتركة أوروبية واسرائيلية شراء الشركات التركية التي اصبحت مهددة بالافلاس لعدم تمكنها من سداد القروض التي حصلت عليها من البنوك التركية لتذبذب سعر صرف الدولار بالليرة التركية ومعظم هذه أخذت تلك القروض بالعملات الصعبة كالدولار والمارك الألماني الذي تضاعف سعر صرفه خلال عام واحد حيث كان سعر صرف الدولار الامريكي مقابل الليرة التركية 850 ألف ليرة وسعره الآن مليون وأربعمائة ألف ليرة تركية ناهيك عن اضافة نسبة الفائدة على هذه القروض وبالتالي يتعسر على الشركات المقترضة سداد هذه القروض وتباع شركاتهم باسعار منخفضة جداً تكون الأفواه الشرهة الاسرائيلية في انتظارها لتبتلعها لقمة سائغة ورخيصة جداً.
ان القيادة الائتلافية في تركيا تدرك بأن زيارة شارون لن تفيدها بشيء فلن يقدم عوناً ماليا أو يساعد في تعديل ميزانها التجاري مع اسرائيل بل العكس صحيح فان اسرائيل تطالب تركيا بمبالغ باهظة تصل إلى ثلاثة مليارات من الدولارات ثمنا للصواريخ الاسرائيلية وتحديث الدبابات التركية وتحسين قدرة طائرات الهيلوكوبتر التركية والتي تم تقليص عددها الى الحد الأدنى لشعور الحكومة التركية بالمبالغ الطائلة التي ستدفعها لاسرائيل في هذا الوقت بالذات الذي تعيش فيه تركيا أزمة اقتصادية مالية لم يستطع الفريق الاقتصادي برئاسة الخبير الدولي البروفسور كمال درويش والذي عين وزير دولة للشئون الاقتصادية بتوجيه من صندوق النقد الدولي لم يستطع هذا الفريق ان يحل مشاكل تركيا المالية وتم استهلاك أكثر من نصف القرض الذي خصصه البنك الدولي لمساعدة تركيا في التغلب على أزمتها النقدية ولكن جاءت النتائج الفعلية على عكس ما توقع هذا الفريق فقد استمر سعر الصرف لليرة التركية بالهبوط مقابل العملات الأجنبية.
وقد أثارت هذه الزيارة المشئومة الشارع الاسلامي والوطني التركي ضدها فخرجت جميع الاتحادات العمالية والطلبة والنساء بمظاهرات كبيرة جداً لم تشهدها انقرة وأسطنبول في الماضي منددة بهذه الزيارة ومحذرة الحكومة التركية من اخطار الانزلاق في علاقات استراتيجية مع اسرائيل والتي لا محالة ستؤدي الى عزلة الأمة التركية بكاملها عن شقيقاتها الدول العربية والاسلامية والتي ترتبط معها بالدين والتراث المشترك والمصالح الاقتصادية التي ستتأثر سلباً نتيجة هذا التقارب المرفوض شعبياً. وقد تصدت قوى الأمن لهذه التظاهرات وحدثت اشتباكات دموية في أنقرة وأسطنبول سقط عدد كبير من الجرحى والمصابين بين قوات الشرطة والمتظاهرين.
وقد طالب الكثير من الكتاب والصحفيين الأتراك بعدم المشاركة الشعبية في استقبال شارون بل مقاطعة حتى المؤتمر الصحفي الذي عقده في أنقرة وكان من المحتمل جداً حدوث تظاهرة داخل المؤتمر بمشاركة الصحفيين فيه من ذوي الاتجاه الاسلامي حين اعلن بان القدس عاصمة اسرائيل الأبدية وإني أتمنى مخلصاً ان تعيد الدول العربية والاسلامية في حساباتها السياسية والاقتصادية اتجاه تركيا منذ هذه الزيارة وان تكون منطلقا لوضع استراتيجية سياسية واقتصادية جديدة لكسب الدولة التركية وعودتها الى الصفوف العربية والاسلامية كما كانت في السابق للأهمية القصوى لهذه العلاقة على الأمن القومي العربي والاسلامي.
إن الهدف من هذه الزيارة الوقحة هو التحدي لمشاعر الشعب التركي المسلم واستخفاف بإنسانيته وهو الذي يشاهد يومياً الشهداء من أخوانهم الفلسطينيين ضحايا شارون وحكومته الغاشية وتحمل معها إحراجاً كبيراً للحكومة التركية المؤتلفة من ثلاثة أحزاب لكل منهم رأي مخالف للحزب الآخر في هذه الزيارة.
إنه التوقيت المناسب جداً لاصلاح الجسور السياسية والاقتصادية مع تركيا والتأكيد الرافض لأي شكل من اشكال التعاون مع العصابة الصهيونية والذي أخشاه ان تترك الساحة خالية للصهاينة ليربطوا الشعب التركي بنفوذهم الاقتصادية لا سيما وانه يعيش حاليا تحت ضغوط مالية واقتصادية حادة وقد لايجد مفراً من مد يده نحو اسرائيل بتشجيع من حكومته التركية وبذلك تحقق العصابة الصهيونية أمانيها في السيطرة على الموقع الاستراتيجي وتحقق أطماعها في مد نفوذها من النيل إلى الفرات..لا سمح الله!

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved