أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها جامعة الملك خالد
قال الإمام يحيى شرف الدين )000965ه) يرثي زوجه:
هي النفس حنَّت من شجاها وأنَّتِ
ففيم تلوم العين إن هي شنَّتِ
ومن أجل حزن في فؤادي أوقدتْ
فمن فيضها تلك الدموع استهلت
وهل ينبغي لي أن أرى الدهر سالياً
وفاطمة في باطن اللّحد سُلَّتِ
قلت: ليس بكثير شعر رثاء الزوجة في أدبنا العربي، وإنما هو قليل محدود، هذا هو الشاعر يتناول غرضه الشعري الفريد بشيء من الصدق النفسي، والشعور الحزين، أودى زوجه وأكل الهمُّ حشاه، وتذكر أيامه وريعان صباه، فاستهل أبياته السابقة ببيت شعري قوي في مبناه، وقافيته وحرف رويه ليقول:
هي النفس حنَّت من شجاها وأنَّتِ
ففيم تلوم العين إن هي شنَّتِ
ألا تلحظ الألفاظ في نظم الشاعر كيف تكاملت دلالاتها، وانسجمت روابطها الفنية، تذكيرا بمنطلق الألم والحزن، حيث تنطوي النفس البشرية على حبها وكرهها، حين ألهمها خالقها فجورها وتقواها، فغدت منطلقا لدواعي التفكير والنظر، ويزيد الشاعر فيذكر شجوها وأنينها ، وعندئذ يدفع عنه اللوم إن بكى وفاضت عيناه، ألا تدرك هذا الشعور في قوله إن هي شنَّت؟
هكذا إذن أفضى الشاعر بحزنه، حين ترجمته عيناه بالبكاء، وانطلق من بعده يسلي نفسه فراق زوجه، ويذكر أحاسيسه بما دلل على شعور فياض حزين، وتلك أمور معهودة معروفة، يترجمها الشعراء فيخففون من آلامهم ، وهم كغيرهم يحملون الهم ويعرفونه، ولكن من سواهم يتجرعون الهم ولايدفعونه، بل يلازم حياتهم حتى يزول بالنسيان، وينقضي بالسلوان، فلله الأمر كله من قبل ومن بعد، وهو العزيز الحكيم.