| مقـالات
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أبنائي الطلاب.
زملائي المعلمين.
إخواني وأخواتي أولياء الأمور.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يجعل هذا العام الدراسي علينا جميعاً عام يُمْنٍ وبركة، وأن يجعل ما بعده خيراً منه، ونحن نرقى في سلم التقدّم الذي نَعِزُّ به في ديننا ودنيانا.
أيها الأبناء الأحباء:
في بداية كل عام أوجّه لكم رسالةً نابعة من عقلي وقلبي، أرجو أن تصل إلى عقولكم وقلوبكم، فتعوها وتعملوا بمقتضاها؛ أخاطبكم بكل ما عندي لكم من: حبّ، وإخلاص، وخبرةٍ في هذه الحياة، لأنكم أعزُّ ما لدينا؛ مصدر البهجة والأنس، وراحة القلب والنفس، معقد رجاء، ومحور دعاء، إشراقة أمل، يحثُّه عمل، نرجو لكم من الله فوق ما نرجو لأنفسنا، ولا نبخل عليكم بغالٍ أو نفيس، نبتغي بذلك خيركم في دينكم ودنياكم، وخيرنا في ديننا ودنيانا، فأنتم بعون الله صنّاع مجد الوطن، وامتداد أعمالنا الصالحة بإذن الله بعد رحيلنا إلى دار البقاء.
تعلمون أيها الأبناء الأعزاء أن حكومتكم الرشيدة لم تدخّر وسعاً في تيسير سبل العلم لكم، وتذليل صعابه وأكبر دليل على هذا أن حصة التعليم من الميزانية العامة للدولة في المملكة العربية السعودية تكاد تكون أكبر من حصة التعليم من ميزانية أي دولة أخرى! وهذه النعمة ينبغي أن تقابل بالشكر والعمل الدؤوب. فكم من دولة لم تسمح لها إمكاناتها أن تبذل لطلابها ما يبذل لكم، نبغ فيها كثير من أبنائها، فكانوا علماءَ وأدباءَ يُشار إليهم بالبنان، تتسابق الدول الكبرى في إغرائهم للعمل فيها، فهل أبناؤنا أقل منهم شأناً واقتداراً؟!
إننا نُعدكم لتكونوا خير بناةٍ لمجتمعكم، تزاحمون بالمناكب أبناء الأمم السبّاقة، فتُعلون راية دينكم، وعروبتكم، ووطنكم، وهذا يتطلب منكم أولاً: صدقَ الإيمان بالله وحسنَ التوكل عليه، ثم العملَ الذي لا يعرف الكلل للأخذ بنواصي العلوم التي كنا فيها قادةً فأصبحنا مقودين، ويجب أن يصاحب هذا بل ويتقدم عليه أن تكونوا في حسن الخلق أمثلة يحتذيها الآخرون: في الأمانة، والصدق والتسامح، والتواضع، وعلو الهمة، والكرم، والنبل، والعفو، والجدّ، والإتقان، وغير ذلك مما حثنا عليه ديننا الحنيف، وحفلت به آيات كتابنا المجيد، وأحاديث رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم الذي «كان خلُقه القرآن» والذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، والذي بيّن أن حُسْنَ الخلق من علامات كمال الإيمان فقال: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسَنُهم خلقاً»، وأوضح أن حسن الخلق عبادة يتقرب بها المرء إلى ربّه فقال : «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» و«وما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يومَ القيامة من خُلُق حَسَن، وإنّ الله يُبغض الفاحش البذيء».
فإذا حَسُنتْ أخلاقكم اختفى من بينكم ما نسمع عنه أحياناً من حوادث غير مرضية، وأصبحتم في مدارسكم إخوةً متحابين، قرناءَ خير لا قرناء سوء، تتعاونون على البر والتقوى، ولا تتعانون على الإثم والعدوان، وأصبح الواحد منكم مرآة لأخيه، ينصحه بالحكمة إذا أخطأ، ويشجعه إذا أصاب، عند ذلك تصبح ذكريات أيام الدراسة عندكم عندما تكبرون وتنطلقون في دروب الحياة أحلى الذكريات وأغلاها، ويصبح زملاؤكم في الدراسة إخوةً أو أقرب من الإخوة، إذ «ربّ أخ لك لم تلده أمُّك». وهذه أحاسيس وتجارب عشناها وعرفناها، نحن أباءكم. أحاسيس وذكريات عزيزة نحنُّ إليها ونشتاق، ونتمنى أن تعود، ولكن هيهات!!
وأذكركم أن احترام المعلم من آكد الآداب التي حث عليها الإسلام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ليس منّا من لم يُجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقَّه». وقد ضرب لنا الصحابة رضوان الله عليهم في هذا أروع الأمثلة، وكذلك مَنْ بعدهم مِنْ سلفنا الصالح. روي أن الصحابي الجليل الفقيه زيد بن ثابت رضي الله عنه كان مع حَبْر الأمة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، فلما أراد زيد أن يركب دابته أمسك له ابن عباس الركاب ليضع فيه رجله، وقال: هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا!
كما أذكّركم أن الطالب الصالح يَعُدُّ مدرسته مثل بيته، وصفَّه مثلَ غرفتِه الخاصة، فيحرص على نظافتهما وترتيبهما، ولقد رأيت كما ذكرت في أكثر من مناسبة في إحدى زياراتي لبعض البلدان مدارسَ لا يوجد فيها عمال نظافة، يقوم طلابها بتنظيفها والعناية بها، لما ربّوا عليه في بيوتهم ومدارسهم!!
أيها الزملاء المعلمون:
إن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فالجاهل لا يستطيع أن ينفع الناس بعلمه، والضعيف لا يقدر أن يعين الناس بقوته، والفقير لا يتمكن من مواساة المحتاجين بماله... وأنى للمعلم أن يرقى بالمتعلم، وللمربي أن ينهض بالمتربي إذا لم يكن رأسُماله من العلم والخلق يسع المتعلمين والمتربين؟ وإن ضعف الطالب يكون أحياناً دليلاً على ضعف المطلوب!
إن المعلم الناجح يصطاد قلوب طلابه بلطفه وحسن خلقه، وبحبه لهم، وحنوّه عليهم، وينال إعجابهم واحترامهم بتمكنه من مادته التي يعلّمها، وبراعة إيصالها لهم، وبأن يكون لهم القدوة الحسنة: يُصدّق فعلُه قولَه، فلا يكون قولُه في جانب، وسلوكه في جانب آخر، فإذا أحبّ المعلم عمله وأخلص له، وجد المتعة فيه، وهانت عليه صعوباته. وإذا أحبّ الطالب معلمه، واحترمه بدافع من هذا الحب، وهما شيئان لا يشتريان بالمال، ولا يفرضان بالعصا، إنما يُنالان بالحكمة، وبالرفق الذي قال فيه رسولنا المعلم عليه أفضل الصلاة والسلام: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» إذا حصل هذا الحب والاحترام في نفس الطالب، أحبَّ المادة لحبّه معلِّمها، واستسهل صعبها، وتألق فيها فانظروا عِظَم المسئولية الملقاة على عواتقكم!
قال الحافظ المؤرخ الخطيب البغدادي رحمه الله، في كتابه «الفقيه والمتفقه»، متحدثاً عن آداب المعلّم: «يلزم الفقيه (أي المعلّم) أن يتخيّر من الأخلاق أجملها، ومن الآداب أفضلها، فيستعملَ ذلك مع البعيد والقريب، والأجنبي والنسيب، ويتجنَّب طرائق الجهال، وخلائق العوام والأرذال». وروي عن الفضيل بن عياض رحمه الله قوله: «إن الله يحب العالم المتواضع، ويبغض العالم الجبار، ومن تواضع لله ورثّه الله الحكمة. وينبغي (للمعلم) أن يعوّد لسانه لِيْنَ الخطاب، والملاطفة في السؤال والجواب».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني مُعنّتاً (أي: مُسبِّباً للمشقة) ولا مُتَعنِّتاً (أي: طالباً زلاتِ الآخرين)، ولكنْ بعثني معلّماً مُيسِّراً».
وكان بعض التابعين من الغلمان الصغار يأتون أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ليعلمهم، فيرحّب بهم، ويقول: مرحباً بمن أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنكم ستفتحون البلاد، فيأتيكم غلمانٌ حديثةٌ أسنانهم يتفقهون في الدين، فإذا جاؤوكم فأوسعوا لهم في المجلس، وأفهموهم الحديث، وأحسنوا تعليمهم».
وأحمد الله أن أكثر معلمينا على خير كثير؛ رأيتهم بعيني، وسمعتهم بأذني، وشعرت بالاعتزاز بهم، وبما يتحلون به من خلق حسن، واقتدار، وكفاية.
أيها الإخوة والأخوات من الآباء والأمهات:
إن بيوتكم هي المدرسة الأولى لأولادكم، ولن تجدوا إنساناً معلّماً أو سواه يحبّ أولادكم كحبُكم، ويخلص لهم كإخلاصكم، وإن السنوات الأولى من عمر الطفل هي مرحلة ذهبية وقاعدة خصيبةٌ لتربيته، وتعليمه، إنْ ضيعها الأبوان فقد ضاع على الطفل خير كثير. لا تنتظروا من المدرسة كلَّ شيء، لأن المدرسة لا تنتظر منكم كل شيء، فالتربية والتعليم في البيت ركن، وفي المدرسة ركن آخر، وتأتي بعدهما سائر الأركان. إن المدرسة بمعلميها، وإدارتها، شريكة للأبوين في العملية التربوية التعليمية، ولابد لكل شريك من أن يؤدي واجبه كاملاً غير منقوص، بحسب استطاعته، حتى تثمر الأعمال، وتتحقق الآمال.
إن هذا العقْد الذي نعيش فيه، يكاد لا يشبهه عقدٌ آخر في تاريخ الإنسان على هذه الأرض: في عالم الاتصالات، ووسائل الإعلام، والعولمة، وانهيار الحدود والسدود. وهذا يضاعف علينا جميعا المسئولية أمام الله أولاً، ثم أمام أنفسنا، وأمام الجيل القادم: صغار اليوم كبار الغد إن شاء الله فشتان بين قولهم عنا: رحم الله آباءنا وأمهاتنا؛ لقد بذلوا وما بخلوا: من ذوب أنفسهم، وحبهم، وعطفهم، ووقتهم، وجهدهم، ولم يطاوعونا صغاراً فيما نريد فوصلنا كباراً إلى ما نريد وبين قوِلهم: غفر الله لهم، لقد أهملونا، ولم يمنحونا من وقتهم ما نحن أحوج إليه من مالهم، وأطاعونا فأضاعونا!!
وليسمح لي إخواني الإعلاميون في ميادينهم كافة أن أقول لهم: لقد أخرجت الفضائيات كثيراً من الأمور من أيديكم وأيدينا، لكن لا يزال أمامنا مجال لتقديم البدائل الصالحة، إذا توفر فيها الإبداع والتشويق حققت الكثير.
أما الصحافة، التي نحترم ما يكتب فيها مما ينفع الناس ويمكث في الأرض، ونُشيح عما سواه، هذه الصحافة الجادة المخلصة ترحّب بنقدها البناء، ونصيحتها الصادقة، وندعوها الى عدم التسرع في نشر مالا تتثبت من صحته؛ فهناك الكثير مما يُسعد ويبهج في مجال التعليم ويحتاج إلى تشجيع، وهناك الأخطاء التي لا يسلم منها أحد، وتصيّد الأخطاء وتكبيرها وإهمالُ الحسنات وتصغيرها ليس من العدل والإنصاف في شيء.
أما بقية منسوبي وزارة المعارف في قطاعاتها المختلفة: في شئون الطلاب، والاختبارات، والتطوير التربوي، والإشراف، والنشاط المدرسي، وإدارات التعليم وإدارات المدارس، والكشافة... وما إلى ذلك، فإني أقول لهم: أنتم جنودٌ مجهولون تعملون إرضاءً لربكم أولاً، ولضميركم ثانياً، فاقبلوا النصيحة واعملوا بها، أما ما هو مناف للحقيقة مجاف للصواب فلا تبتئسوا به، وواصلوا العمل والعطاء، وصححوا للناس المعلومات والانطباعات الخاطئة، ولا يَصُدَنّكُمْ عن ذلك الذين لا يعلمون.
أيها الأبناء الأحباء ، أيها الزملاء الأوفياء، أيها الإخوة والأخوات ، أدعو نفسي وأدعوكم في بداية هذا العام الدراسي الجديد إلى تصحيح النيّة، والتفاؤل، وعقد العزم، والتوكل على الله، والتعاهد على التعاون والتآزر والتناصح، والتحلّي بالأخلاق الكريمة، والآداب الحميدة، نطبقها في أنفسنا، ندعو إليها، فلا خير في علم بدون خلق:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أدام الله على هذه البلاد نعمه، وأعاننا على شكرها بما يرضيه عنا، وجزى عنا أولياء أمورنا جميعاً خير جزاء وأوفاه، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، حفظهم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
* وزير المعارف
|
|
|
|
|