| شرفات
أعلن فوز الفنان الكبير محمد طه حسين بجائزة الدولة التقديرية هذا العام. لم يكن في هذا مفاجأة للذين يعرفون مشوار طه حسين مع الفن وبحثه الدائب عن فن أصيل تمتزج فيه ثقافة الغرب بخبرة الذات.. وتقاليد التراث مع حيوية الواقع.
منذ عام تقريبا احتفى طه حسين بمشواره مع الفن وأقام معرضاً بعنوان 1+70 وكأنه يعلن عن بدء حياة جديدة ومتدفقة بعد أن جاوز السبعين.
وفي هذا العام 2+70 كان خبر فوزه بالتقديرية وكان هذا الحوار معه:
جيلي وجيل 2000
* في البداية، إذا عقدنا مقارنة بين جيلك وبين جيل 2000 فيما يتعلق بالدراسة بكلية الفنون التطبيقية؟
قديما كانت الأقسام في الكلية أربعة أقسام فقط: زخرفة، أثاث، معادن، نسيج.. وكان عدد الطلاب قليلا للغاية والدخول أو الالتحاق بالدراسة عن طريق مسابقة تقوم بها الكلية.. وكان لاينجح في العادة سوى عشرة طلاب أو عشرين طالبا على الأكثر.
وكان المنهج الدراسي يعتمد على شمولية التخصص بحيث يتخرج الفنان ملما وعلى دراية كبيرة بمختلف الخامات والموضوعات وكيفية التعامل مع أية خامة.
بالنسبة للأساتذة كان لدينا أساتذة عظام وعمالقة مثل سعيد الصدر وأحمد عثمان، منصور فرج، وغيرهم. وكنا كطلبة لدينا مقدرة على الاحتكاك بطلبة الفنون الجميلة مثل السجيني والبناني وبيكار وغيرهم، حيث كان يسود جو من العلاقات المتميزة بين الطلبة بأعدادهم القليلة وبين الأساتذة.
مع جيل 2000 لم يعد كل هذا موجوداً الآن، فالاعداد كبيرة للغاية والمجموع فقط دون أن تقوم الكلية باختبار قدرات حقيقي.
كذلك بالنسبة للأساتذة خرج الكبار على المعاش أو رحلوا عن الحياة وأغلب الموجودين الآن خبرتهم قليلة. والملاحظ أيضاً أن أساليب التعليم والقدوة اختلفت.
ولذا أشعر أن جيلي كان محظوظا في أشياء كثيرة لأنه تتلمذ على يد عمالقة في الفن والأدب والعلوم المختلفة.
* هل هذا التدهور يرجع الى قصر فكرة الأستاذية على الباحث الأكاديمي والحاصل على الدكتواره في الفن حتى وإن لم يكن موهوباً؟!
الظروف الحالية بالفعل قصرت الوظائف على الحاصلين على مؤهل أكاديمي فقط.. رغم أن الأستاذية تنبع أساسا من الكفاءة والشخصية وليس من مجرد شهادة عليا.
وهذا ما كان يحدث أيامنا حيث كان ضمن هيئة التدريس أساتذة عمالقة لم يحصلوا على هذه الشهادات التي تدل على واجهة وظيفية أكثر منها إبداعية.
الجرافيك الملون
* بالنسبة للبعثة والدراسة في أكاديمية دوسلدروف.. ماذا أضافت إليك كفنان؟
في أكاديمية دوسلدروف درست الجرافيك ولأول مرة تعاملت مع الجرافيك الملون والتلوين على الحجر ومع أنواع من الجرافيك البارز والمسطح.
كل هذا أضاف لي تقنيات جديدة كحفار وجرافيكي.
لكن هذا لا ينفي أن أقرب الأشياء بالنسبة للجرافيك هو الخط والكثافة، والكتابة العربية محملة بقيمة الخط كتشكيل.. ومن خلال فهمي لطبيعة الجرافيك توصلت إلى أهمية الكتابة العربية. وبعد عودتي من البعثة عرضت لأول مرة في مصر الجرافيك الملون وتعاملت مع خامات أخرى كالبلاستيك وخرجت أكثر من خامة في العمل الفني.
كما تعاملت مع مسحطات جديدة أدخل معها في حوارات قريبة مما تعلمته في المدرسة الألمانية.
* الكلام عن الخط والكتابة العربية كقيمة تشكيلية، هل يجعلنا نقول بوجود فن جرافيك إسلامي أو عربي؟
مسألة الفن العربي أو الإسلامي أو المصري أو الافريقي.. مسألة ترتبط بثقافة الفنان نفسه ومعرفته ومخزونه كخليفة.. فالفن لا نستطيع في الأساس أن نقيده بمسائل إرشادية لأن الفنان يجب أن يتنوع.
فعندما ظهرت الحروفية العربية تعامل معها كثير من الفنانين، لكنني كفنان لا أجبر نفسي على عمل فن بعينه، لأن هذا افتعال.
وهذا لاينفى أهمية إدراك قيمنا الثقافية وأصالتنا كي يكون الفنان صادقاً.. ومسألة التصنيف في النهاية هي مسألة تهم النقد والناقد.
صراع مع الكمبيوتر
* يقال الآن إن جرافيك الكمبيوتر سيقضي على مايقوم به الفنان الموهوب من أعمال فنية؟
الجرافيك خط يتميز بالرسم وله أكثر من 28 تسمية.. فالواجهات المعمارية التي عليها خطوط جرافيك.. وخطوط السجاد جرافيك.. فهو فن يضم مفردات كثيرة، وعندما بدأ على يد فنانين كبار كان بدافع عمل مستنسخات كثيرة من أعمالهم بالأبيض والأسود عن طريق الحفر على الزنك وغير ذلك.
وفي القرن التاسع عشر بدأ يدخل التصنيع وفن الإعلان عن منتج صناعي تحت مسمى تصميم جرافيكي. وهذا التصميم يختلف عن فن الجرافيك الذي يرتبط بالفنان وإبداعاته بصرف النظر عن الجانب التجاري الذي يدخل في المعمار والسلع المنتجة والسينما وخاصة بعد اختراع الكمبيوتر.
وهذا لايعني أبدا أن يلغي مصمم الجرافيك وجود الفنان، فمصمم الجرافيك يعتمد على الكمبيوتر دون خيال ودون موهبة، ولهذا نلاحظ أن التصميمات تأتي متشابهة، ولو كان هذا المصمم فنانا حقيقياً لأبدع لنفسه إمكانات جديدة!!
لا محلية ولا عالمية
* برغم البعثات وزيارة المتاحف والدراسة في كليات متخصصة.. لماذا يبقى الفنان العربي في أسر المحلية؟!
مشكلة فنان عالمي وآخر محلي، مشكلة غير مطروحة عندي من الأساس، لأنها مرتبطة بأشياء كثيرة فيها إمكانات الإعلام والاتصال بالخارج والمشاركة في معارض عالمية وغير ذلك.
ويكفي أنني هنا في مصر استطعت أن أكون لنفسي تركيبة إبداعية أصيلة وخارجة من الذات والموروث والتقاليد وعبقرية المكان.
مزجة معاصرة مطبوخة بشكل جيد قطعا سيكون لها أثر في الخارج.
أما الفنان الذي يعيش متطلعا لتقليد أعمال غربية ويريد أن يجعل الفلاح المصري مثلا يرتدي أزياء غريبة عنه.
مثل هذا الفنان لايصل بنا إلى فن محلي محترم ولا إلى فن عالمي محترم.
وهذا لايعني أنني ضد الاحتكاك بالغرب بشرط ألا يفقد الفنان احترامه لذاته ولتكوينه الثقافي.
* حرصك على الخصوصية يفرض سؤالا عن الأساس الذي ترتكز عليه العملية الإبداعية لديك؟
من خلال أعمالي عبر مايزيد على أربعين عاما ومشروعي الإبداعي كله يرتكز على «التفكير بالفن» والبحث عن عناصر مختلفة في البيئة والتراث، وتحويلها إلى أشكال بصرية عديدة.
لأن رؤية العالم من الممكن أن تنعكس وتتبلور من خلال صنع صور وأشكال وبناء أشياء جديدة يمكن أن تفسر بطريقة وصفية أو بنوع من العقلانية والتأمل.
هناك ارتباط قوي في لوحاتي بالقضايا الحياتية الأساسية وليس بالأيدلوحيا .
وربما لهذا أختار من الأشكال الأكثر قدرة على التحول والذي يعبر عن رفض التنميط أو ماهو سابق التجهيز.
اختيار الخامة
* هل يعني هذا أن اختيار الخامة لايرتبط بفكرة ما؟
لا يمكن أن أقول هذا، فالفكرة تسبق أي عمل فني.. ويحاول الفنان ان يبحث باستمرار لفكرته عن خامة مناسبة وسطح مناسب يعبر عنها سواء أكان مسطحا أم مجسما.. ثم بعد ذلك تذوب الفكرة في أشكال وعناصر وألوان مختلفة وتتحول إلى قيمة بصرية أو مجموعة من الإشارات المتوهجة.
* ماذا تقول لشباب الفنانين بعد حصولك على جائزة الدولة التقديرية هذا العام؟
هناك من الفنانين الشباب من يقدمون أعمالاً متميزة تعبر عن جيلهم ومرحلتهم، ولكن الكثير منهم يعيش صراعا ما بين التراث والتغريب.. وكل ما أستطيع قوله لهم ألا يعتقدوا أن التغريب هو الطريق الوحيد لتقديم فن جيد!!.
|
|
|
|
|