| تحقيقات
* الدمام شيخة عبدالهادي :
في المواسم الدينية والمناسبات الاجتماعية يتبادل الناس الهدايا وفي الأعياد والأعراس وحالات الولادة والشفاء من المرض والنجاح في المراحل الدراسية المختلفة يعبّر الناس عن فرحهم وابتهاجهم بالمناسبة السعيدة ومشاركتهم للمحتفى به مشاعره وسروره بأن يقدموا له ما يختارون من الهدايا التي من شأنها زيادة المودة بين أفراد المجتمع وتمتين وشائج الصداقة والقربى وهذه العادة قديمة في عالمنا الإسلامي وهي من السنن التي أوصانا بها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتختلف الهدايا التي تقدم في المناسبات من مجتمع لآخر، ففي زمن مضى كانت تتكون من رأس أو أكثر من الماشية أو الطيور الداجنة أو كمية من أحد المحاصيل التي درج الناس على استهلاكها. وقد تكون نقوداً ذهبية أو فضية أو مشغولات من هذين المعدنين الثمينين.
تغيرت مع الزمن
وبمرور الزمن وتطور العادات الاجتماعية دخلت موجودات المنزل ضمن قائمة الهدايا المعتمدة، فصارت قطع أثاث إحدى غرف المنزل وأدوات المطبخ والتجهيزات الكهربائية المنزلية تقدم هدايا في المناسبات المختلفة، كما تضم هذه القائمة علبة من الشكولاته أو زجاجة عطر أو ساعة يد أو طقم أقلام أو باقة ورد أو نبتة في أصيص.
تلك بعض أمثلة من الهدايا التي يتم تبادلها في المناسبات المختلفة فأي هذه الهدايا مناسبة أكثر من غيرها؟ أترانا نستطيع تقديم أي واحدة منها لأي شخص؟! أم أن هناك هدايا تقدم في مناسبات معينة لأشخاص لهم ظروف خاصة، وأخرى لا تناسب هؤلاء الأشخاص، وهل تكون الهدية دوماً أمراً مقبولاً يرحب به أم تكون الهدية في أحيان كثيرة عبئاً مالياً واجتماعياً لا مبرر له ولا فائدة ترجى منه؟
يقول الدكتور عبدالرزاق كامل : إنه في بعض المؤتمرات والندوات قد تكون الهدية التي تقدم عادة في مثل هذه المناسبات محفظة توضع فيها الأدوات والمطبوعات التي يتم توزيعها على المشاركين.. وباستثناء حالات قليلة فإن المحفظة تكون من النوع الرخيص قليل المقاومة يلصق عليها ما يشير إلى المناسبة التي وزعت فيها. وقد يكون لتقديم هذه الهدية قيمة شكلية من الأفضل تجاوزها لأنها في أغلب الأحيان ستهمل ولن يستفاد منها، وحتى المحفظة ذات النوع الجيد لا تكون سداً لحاجة أو تلبية لطلب لدى الأشخاص الذين تقدم إليهم، إذ يندر أن تجد شخصاً في هذا المستوى العلمي أو الثقافي لا يملك محفظة لكتبه أو أوراقه.
ولهذا فالهدايا التي يمكن للمرء أن يحصل عليها من هذه اللقاءات إلى جانب المحفظة يمكن أن تكون بدائل ذات تكلفة متقاربة مع كلفة المحفظة مثل آلة حاسبة أو جهاز راديو أو آلة تسجيل صوتي أو ساعة منبهة وأقلام حبر وساعة يد. ويحق للمشارك أن يختار أياً منها ويلصق عليها ملصق خاص بالندوة أو المؤتمر الذي وزعت الهدية بمناسبته. وهكذا نحول دون أكوام المحافظ التي تتجمع لدى الأشخاص الذين اعتادوا الكثير من الندوات والمؤتمرات.
أنسب الهدايا
إن اختيار الهدية الملائمة في إحدى المناسبات هي من الأمور المحمودة التي تقوي الروابط بين الناس وهي دليل على حصافة مقدم الهدية وحسن ذوقه ودرجة وعيه. فإذا كانت ظروف المرء المالية صعبة. وهو يجهز منزل الزوجية فقيام واحد أو أكثر من أصدقائه أو أقربائه بتقديم أي شيء مما يحتاجه من تأثيث المنزل يعد اختياراً صحيحاً يسد حاجة المهدى إليه ويكون عوناً له.. وهكذا فإن إهداء هذا الشخص مزهرية من الكريستال أو لوحة لرسام تشكيلي يكون اختياراً غير موفق ولا مقبول.. وما زلت أذكر قصة زميل لي تلقى بمناسبة زواجه الكثير من باقات الورد وكان يتمنى لو استطاع جمع قيمتها ليسدد بها أحد الأقساط المترتبة عليه لقاء شراء بعض التجهيزات الأساسية المنزلية أو اقتناء إحدى قطع الأثاث التي يحتاجها.
وإذا كانت الأغنام وما شابهها من الحيوانات الداجنة هدية جميلة للمناسبات الاجتماعية في القرى والأرياف، حيث يلحق بالسكن حظيرة تربى فيها هذه الحيوانات وتغذى بما يفيض عن المنزل من بقايا الطعام، ويتم ذبحها فيما بعد لوليمة أو مناسبة اجتماعية أو خيرية ولكن هذه الهدية لن تحظى بالرضا والقبول حين تقدم لشخص يقطن في شقة من عمارة متعددة الأدوار تنتقل بين شققها بسهولة الروائح المختلفة، حيث يصبح من اليسير انتقال الروائح التي تصدر عن مثل هذه الحيوانات.
إن هدية كهذه ستكون مصدر إزعاج لمن أهديت له وستجلب له ولعائلته من الإرباك ما يفوق الفائدة التي تجنى من الهدية وسيضطر للتخلص منها فور تسلّمها.
هدايا كالدين
إن ما يزيد مشكلة الهدايا تعقيداً أنها في أغلب الأحيان والحالات واجبة الرد أي أن الشخص الذي تلقى الهدايا من أصدقائه أو أقاربه بمناسبة زواجه واستقبال مولود له أو غير ذلك يتوجب عليه تقديم هدية لكل من أهدوه سلفاً حين يحتفلون بإحدى المناسبات الاجتماعية وينبغي أن تكون قيمة الهدية التي يقدمها لأي منهم قريبة من قيمة الهدية التي تلقاها منه سابقاً. وإلا الصقت به من صفات التقصير وعدم اللياقة والبخل، ويزداد حرجه حين تكون الهدية التي تلقاها هامشية ولا تسد شيئا من حاجاته أو متطلباته الاستهلاكية.
إن الظروف المادية المتغيِّرة التي يعيشها الناس تتطلب اعتماد أسلوب سليم ومراعاة اعتبارات معينة في اختيار الهدايا وتقديمها ليكون مردودها الاجتماعي عالياً وتأثيرها الإيجابي كبيراً نذكر منها الآتي:
أن تكون الهدية ذات فائدة حقيقية لمن تهدى إليه تقارب قيمتها في السوق أو تسد حاجة هذا الشخص لمثل هذه الهدية، فتقديم ماكينة خياطة إلى سيدة لمساعدتها في خياطة ملابس أفراد أسرتها أو تساعدها في توفير دخل إضافي يعد اختياراً موفقاً.
أن تكون الهدية منسجمة مع إحدى هوايات المهدى إليه كأن يكون من هواة لعبة التنس فيهدى له مضرب تنس من نوع جيد أو أن يكون من محبي قراءة القصص فتهدى له واحدة منها ولقد لمست آثار الإنزعاج على صديق تلقى بمناسبة زواجه مصباح منضدة يوضع بجوار السرير فيه موضع لتخزين السجائر وولاعة بينما هو لا يدخن أبداً.
إن الترشيد في اختيار الهدايا وتبادلها من شأنه تحقيق إيجابية من المجتمع ويتم هذا باعتماد أسلوب يراعي مصلحة المهدي والمهدى له، ويأخذ بعين الاعتبار الظروف المادية والاجتماعية والثقافية والمهنية وطبيعة المناسبة، فحين تكون المناسبة ولادة طفل للأسرة فيمكن اختيار هدية ذات علاقة بالطفل المولود (كالملابس أو احد المصوغات الذهبية أو سرير أو عربة له).
وفي مناسبات الزواج يمكن أن تكون الهدية واحدة من مستلزمات المنزل أو مما يستخدمه العروسان كأحد المصوغات الذهبية أو قطعة قماش أو ساعة يد على سبيل المثال.
يجب أن تناسب الهدية ظروف من يقدمها، فقد يستطيع شخص ما التعبير عن مشاركته لفرحة قريب أو صديق عزيز فيقدم له غسالة أو ثلاجة أو سيارة احياناً دون أن يؤثر عليه هذا مادياً. في حين نجد أن قيمة مروحة مثلا قد ترهق ميزانية شخص آخر حين يضطر لتقديم هدية ولهذا يجب أن يراعى في تقديم الهدية ظروف مهديها.
ومن خلال العلاقة بصاحب المناسبة وظروفه وما يترتب عليه ذلك من التزامات وبمراعاة إمكاناته الخاصة يحدد الشخص الذي يرغب تقديم الهدية مبلغاً معيناً من المال لتأمينها، وبمراعاة ظروف (المهدى له) وهواياته يمكن لمقدم الهدية أن يختار عدداً من الهدايا (البدائل) التي يمكن أن تناسب المبلغ المحدد لهذه الغاية.
فإذا كانت الميزانية الخاصة بهدية تقدم لصديق بمناسبة زواجه وتأثيث منزله في حدود تتراوح بين مروحة كهربائية أو طقم أدوات سفرة (طعام) أو طقم أدوات لتحضير المطبخ (عصارة خلاطة فرن كهربائي) أو طقم مناشف حمام أو ثريا ويفضل أن يقوم صاحب الهدية باستشارة الشخص الذي ستقدم له ليختار من القائمة التي أعدها واحدة من محتوياتها البديلة تكون أكثر ملاءمة لظروفه ورغباته وبذلك تحقق الهدية أكبر قدر ممكن من الفائدة لمن يتلقاها ولا تكون حملاً ثقيلاً لا يستسيغه أو لا تسمح التقاليد الاجتماعية بأن يرفضه أو يعتذر عن قبوله. ولا بد أن أعرج على ما يمكن أن يطلق عليه اسم (هدايا الخير)، فالهدايا التي تقدم في المناسبات التي يمكن تحويلها بناء على رغبة من يتلقونها إلى تبرعات تستفيد منها هيئات مختصة بأعمال الخير فقد اعتاد الناس تقديم باقات الورود في مناسبات الزواج والولادة وغيرها حيث لا تلبث أن تذبل وتضيع فائدتها في أيام معدودة فبدلاً منها يمكن شراء بطاقة تصدرها الهيئة الخيرية مثل (هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية) يكتب عليها بطاقة ورد الخير تكون على سبيل المثال قياس كبير بقيمة 1000 ريال وقياس وسط بقيمة 500 ريال، وقياس صغير بقيمة 200 ريال، يكتب على أي منها اسم مقدمها واسم المقدم له وطبيعة وتاريخ المناسبة التي تقدم فيها الهدية، فحين يقدم شخص ما مثل هذه البطاقة إلى المحتفى به يكون قد عبَّر عن فرحته ومشاركته بالمناسبة وتحولت قيمة الهدية الرمزية إلى عمل خيري يحمل الثواب والبركة للمحتفى به ولمقدم الهدية.
ويمكن أن تكون هدايا الخير سلعاً أخرى (رأساً من الغنم أو البقر أو كيساً من الأرز أو الذرة على سبيل المثال).
ويحدد لكل منها قيمتها، كما يمكن للشخص أن يقدم أكثر من واحدة من هذه الهدايا.
|
|
|
|
|