أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 31th August,2001 العدد:10564الطبعةالاولـي الجمعة 12 ,جمادى الآخرة 1422

الاخيــرة

دوافع النوازع
السياحة الخارجية
د. محمد بن عبدالرحمن البشر
في مستهل أو نهاية كل عطلة صيفية لا أملُّ أن أعيد الحديث عن السياحة الخارجية التي اعتاد بعض من أفراد مجتمعنا القيام بها بطريقتهم الخاصة والمميزة عن سائر الأساليب السياحية المعتادة في العالم، وبغض النظر عن مقدار قبول هذا النمط السياحي الفريد من عدمه إلا أنه يظل فريداً في أسلوبه وكنهه ونكهته وأساليب تنفيذه ومقدار الاستمتاع به.
في شارع الشانزلزيه بباريس تتهادى الفتيات يمنة ويسرة يذرعن الشارع جيئة وذهاباً وقد ارتدين من الملابس أجملها، ومن المعاطف أبهاها، ومن الحلل أثمنها، وتشم رائحة العطورعن بعد أمتار حتى لكأن الشارع أصبح بفضلهن معرضاً مفتوحاً لكل ما استهوته الأفئدة من الروائح الزكية النفاذة، وفوق ذلك فقد وضعن على وجوههن أثمن وأفضل ما أنتجته مختبرات التجميل في العالم، وفي نفس الشارع يختال الشباب بعد أن ماثلوا الفتيات في التزين والتحلي بكل ما يسلب الألباب، وفي كل غدوة ورواح يرمق أحدهم الآخر بنظرات ناعسة تتخللها ابتسامات تحمل بين طياتها عبارات تتوارى بين أنفاس الجمع، وتعبر عن مكنون تحول الحواجز الأخلاقية عند البعض عن البوح به، بينما تتجلى الشجاعة عند بعض فرسان ذلك الميدان من كلا الفريقين ليقول كلمة، أو يرمي قطعة من ورق قد كتب عليها رقم هاتفه.
وأعجب العجب من ذلك القليل الذي أخذ الدهربنصف أعمارهن وهنّ يبارين هؤلاء الفتيات في ممارستهن لتلك الهواية الفريدة، وهنّ لا يعلمن أن للعمر حكمه، وللدهر صولجانه، فالشاعر يقول فيهن:


لا تنكحن عجوزاً إن ابتليت بها
وارفع ثيابك عنها ممعنا هربا
فإن أتوك وقالوا إنها نصف
فإن أحسن نصفيها الذي ذهب

وفي المقابل هناك البعض من الرجال الذين تجاوزوا أنصاف أعمارهم ومازالوا يمارسون ذلك النوع من السياحة الفريدة ناسين أو متناسين ما قال الشاعر:


إذا شاب رأس المرء أو قل ماله
فليس له في حبهن نصيب

وعلى جنبات ذلك المسلك العجيب يتربع عدد غير قليل من النساء والرجال في المقاهي يحتسون بعضاً من فناجين القهوة أو الشاي، وهم لا يتركون شاردة ولا واردة إلا وقد علموها وأحصوها وأعدوا لها العدة، من النقد دون سواه، دافعهم من ذلك الفضول والاستمتاع بالحديث عن بعض المارة المعروفين.
لا أجد لهذه السياحة الفريدة الممتعة لتلك الفئة من الناس سوى التطلع لاشباع رغبة كامنة أضحت ميسرة في هذا المكان دون سواه، كما لا أجد فيها من معاني السياحة ما يجدر بي أن أذكره غير ما قد تفرزه من التعرف على بعض الأسر الكريمة، ومهما يكن من أمر فهي رغبة البعض، ولولا أنهم يرون فيها من المتعة مالا يرونه في سواها لما جعلوا أنفسهم في وضع كان في مقدورهم أن يكونوا حلاً منه.
ومن طرائف تلك السياحة أن البعض قد يدخل تلك البلاد ويخرج منها وهو لم يمتع ناظريه إلا بذلك الشارع وبمن فيه، تاركا لتلك الطبيعة الخلابة المتناثرة في السهول وعلى سفوح الجبال للطيور تشدو بما طاب لها دون أن يقطع تغريدها الجميل بملاحقة أولاده لها أثناء تحضيره شيء من الشواء تحت تلك الأغصان الوارفة أو أن يكدر صفاء مائها بما قد يقذف به من مخلفات.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved