| محليــات
قال فيما أذكر ممَّا قال ابن جنِّي : «اللُّغة أصوات يعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم»...
ولغة القوم بفصاحتها، واستيعابها، وقُدرتها على التَّوالد، ومرونتها في التَّصريف، والاشتقاق، وتنوُّع التراكيب، وثراء التبادل، والتَّقابل، والتَّرادف، بأصواتها وتنغيمها قادرةً على أن تكون يسيرة في تعبيرها عن أغراض القوم على امتداد مساحات العالم العربي...
لكنَّ عولمة «الاستهلاك» طغت وبغت، فامتدت إلى اللسان في التعبير عن حالاته ليس فقط عند استخدام آلة العصر، واستهلاك مُنتجاته، والتعامل مع أساليبه ونظمه وبرامجه الاقتصادية والاجتماعية وتِقانته، بل تخطَّى الاستعمال «الأغراض» اليومية كما هو ملحوظ ملموس، مسموع مقروء، مشاهَد ماثل للعيان...
حتى أنَّ «العولمة» في منتهى دلالاتها لا تقف عند ما يفهمه عامة الناس عنها من أنَّها دلالة على الانفتاح على العالم والأخذ عنه فقط، بل غدت محاذاة القُذّة القُذَّة للمجتمع المادي بكلِّ طغيان قوَّته المادية ... وهذا لعمري هو زمان دخول جحر الضَّب الذي حدَّث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء الزمان... وجاءت الأدلة عليه.
في هذا الصيف، والذي ذهب، والذي سيأتي ... يتعامل الناس في سياحتهم، ولهوهم، وترفيههم مع «مفردات» عُرِّبت قسراً، أو تمَّ استخدامها في لفظها الأجنبي بلسان عربي، إذ لم تتمْ ترجمتها في لغة القوم للتعبير عن أغراض القوم...
وسمع الناس على ألسنة الصغار والكبار، في المواقع ذاتها أو عن طريق وسائل الإعلام، «تسميات» الألعاب كما هي في ألفاظها «الأجنبية».
في الملاهي، وبلاد الألعاب، فوق الجبال داخل العلب الحديدية المتحركة على الأسلاك الكهربائية، وفي المنتزهات، عند تناول الوجبات السريعة، أو شراء الألعاب، تسمع الجميع يلفظون «بمسميات» أجنبية، وكأنَّهم مع كافة الأجواء الترويحية خارج أرض بلادهم... ولعمري أنَّ التأثير لحق «بالاحساس» فتجدهم ينطلقون، يضحكون، يرتدون من الملابس ما يناسب الأجواء الترويحية الترفيهية التي تمنحهم الشعور «بالتجديد» وهو شعور يتزامن ويتزامل مع الانعتاق عادةً من رتابة الوضع اليومي خلال زمن العمل والدراسة في جدِّية الحياة التي تتطلَّب الترويح كي لا تكلَّ النفوس ولا تعمى القلوب، غير أنَّ الانعتاق يرافقه شعور آخر تعبِّر عنه أصوات العربية وهي تختنق داخل تركيبات أجنبية على ألسنة أبنائها فيما هي قادرةً على أن تكون لغة السياحة والترفيه...
لقد شمَّر القوم منذ عقود من الزمان خلال القرون البائدة وزادت همَّتهم نشاطاً في هذا الزمن للدفاع عن العربية، هذه اللُّغة التي وسِعت كتاب الله وأبانت عن رسالة الحق كما قال حافظ ابراهيم، فرفض أن تُستبدل بسواها مع تأثير الاستعمار لكثير من دول العالم فيما سبق...، غير أنَّ الاستعمار الآن لم يدخل إلى العرب عن طريق الاحتلال العسكري، والأنظمة السياسية...، بل دخل عن طريق «الاستهلاك»... وطغى وزحف إلى اللسان العربي... وتلك لعمري قاصمة الظهر للغة القوم...
فما ترون..؟!
أليس من اللائق بأصحاب العربية... أن يشكِّلوا لجنة ترجمةٍ لكلِّ مستهلَك أجنبي، ويطلقوا عليه اسماً عربياً كي لا تُقتل اللغة العربية في أشمل استخدامها وهي «أغراض أصحابها» في حياتهم اليومية بما فيها الترفيه والسياحة؟.. فهي قادرة على الاستيعاب، متمكِّنة من التجديد، قابلة للتعبير عن كلِّ غرض..
|
|
|
|
|