أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 31th August,2001 العدد:10564الطبعةالاولـي الجمعة 12 ,جمادى الآخرة 1422

أفاق اسلامية

الملتقيات العلمية
د. عبدالرحمن بن سليمان المطرودي
الحمد لله رب العالمين الذي خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على من جعل الله معجزته في البيان، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. أما بعد:
فقد جعل الله سبحانه وتعالى من مقومات خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن المعلوم ان القيام بهذا الامر لا يتم إلا بالعلم بما جاء عن الله، وعن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فالعلم هو طريق العمل والإيمان بالله جل وعلا «فاعلم أنه لا إله إلا الله»، «ولا تقف ما ليس لك به علم»، وفي مواطن كثيرة من كتاب الله، وفي سنة رسوله جاء الحث على طلب العلم، وأنه الوسيلة الصحيحة لعبادة الله، وطاعته وفق مراده سبحانه، وفي هذا السياق جاء عقد الإمام البخاري رحمه الله تعالى لباب العلم في صحيحه، حيث صدره بقوله باب العلم قبل القول والعمل، وليس هذا مقام بسط الحديث عن العلم وفضله ومكانته، ولكن ضرورة التنويه عن ذلك عند التوكيد على ان رفع جهل الأمة بدينها لا يتم إلا عن طريق العلم الصحيح، القائم على كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ورفع جهالة الأمة بدينها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، الذي هو أصل من أصول الإسلام، بل إن بعض العلماء عده الركن السادس من أركان الإسلام.
وبث العلم ونشره كان ديدن سلف هذه الأمة في مختلف العصور والأزمان، وبفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل اقتفاء هذا المنهج من أجيال هذه الأمة جيلاً بعد جيل، لبست الأمة المسلمة حلة من أبهى الحل وأزهاها، فتميزت في مظهرها ومخبرها بالعلم النافع والعمل الصحيح، فلا ترى أفرادها، حيث لا تحسن رؤيتهم، ولا تفقدهم حيث الأمر بوجودهم.
والقيام بمهمة التعليم ليست بيسيرة، فهي تحتاج الى وسائل متعددة، فمن ضرورة وجود العالم المتمكن الى أهمية توفير المكان المناسب، الى ضرورة توافر الرافد المادي الذي بواسطته يتوفر الكتاب، ويتفرغ العالم وغير ذلك من الأمور المساعدة التي تتطلبها العملية التعليمية، وقد توافرت هذه الوسائل للأمة المسلمة في البلاد الإسلامية على مر العصور، إما عن طريق الحكومات، او عن طريق الأوقاف التي كان لها دور فاعل في هذه المجال، وذلك حيث كان المسلمون يعيشون في بلاد المسلمين ودول العالم الإسلامي، أما وقد انتشر المسلمون في أرجاء المعمورة، ما بين باحث عن وسيلة العيش، وما بين متزود من علوم الدنيا، أو من لديه من الخبرة ما تتطلبه مؤسسات التنمية أو الخدمة في البلاد التي التحق بها، وما بين صاحب ظروف خاصة، وما بين عائد الى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فمحتاج للمعرفة والعلم، الى غير ذلك من الدواعي والأسباب التي اوجدت ما تعارف الناس عليه اليوم بمصطلح الأقليات او الجاليات المسلمة في العالم على اختلاف في الدلالة والمعنى والمقصود او اتحاد في ذلك.
وهذه الحال فرضت على المسلمين من حكومات وأفراد، انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» إلى الاهتمام بالأقليات والجاليات المسلمة في العالم، حيث ان هذا أمر وتوجيه للأمة بالاهتمام بأفرادها أين ما كانوا، وتتميماً للقيام بهذا الواجب فقد كان الاهتمام بالمسلمين الذين يعيشون في مجتمعات الأقليات او الجاليات، وذلك أملاً في دفع ما قد يلحق معرفتهم الشرعية من جهالة أو تغرير او تضليل، بسبب ما يحيط بهم او ما يتعرضون له في المجتمعات التي يقيمون فيها، او بسبب انشغالهم وانصرافهم الى أمور الحياة، مما قد يكون سبباً في عدم ادائهم للعبادة على وفق مراد الله سبحانه وتعالى ، فتنادى لفيف من المسلمين جماعات وفرادى الى الاهتمام بالمسلمين الذين يقيمون في مختلف دول العالم، والعمل على ايجاد المؤسسات الإسلامية التي يجدون فيها ما يسد حاجتهم من المعرفة الشرعية، ويتحصن فيها ابناؤهم، وتنشر دعوة الحق في مجتمعهم.
وتكونت مؤسسات فردية وجماعية جعلت مهمتها العمل على سد حاجة المسلمين المقيمين خارج البلاد الإسلامية، وتعد تلك المؤسسات، وبخاصة تلك التي تتنوع اهتماماتها بحسب الحاجة، مظهراً من مظاهر الاهتمام بشؤون المسلمين، وبقيت حال المسلمين على مثل هذا النوع من المؤسسات، الى ان ظهرت في عصرنا الحاجة الى التخصص، وضرورة ان يكون هناك تنويع في المؤسسات بحسب تنوع الحاجات والموضوعات، إلا ان هذا لم ينتشر بصورة واسعة، ومن المجالات التي اتجهت بعض المؤسسات الإسلامية الى الاختصاص فيها نشر حضارة الأمة المسلمة، وإبراز الثقافة الإسلامية بطريقة معاصرة، على ان ذلك لا يفصلها عن العلم الشرعي القائم على كتاب الله، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولا تنفك عنه، ولكن تجاوباً مع متطلبات التنويع والتفاعل مع الواقع فيما يحقق المصالح، ويجلبها، ويبعد المفاسد وبحكم ان الاهتمام بهذا المجال لا يزال حديثاً، فإن المؤسسات الإسلامية وأخص منها المراكز الإسلامية لا يزال توجهها الى هذا الاختصاص لم يصل الى المستوى المطلوب منها.
ولأن في التعريف بحضارة الأمة المسلمة، ونشر الثقافة الإسلامية تنويع لوسائل الدعوة الى الله، وذلك عبر المعارض الهادفة، وتنظيم المؤتمرات التي تهتم بموضوعات تجمع بين معطيات العصر الحاضر، وتحقيق أهداف دعوية كثيرة، وهذا يحقق مصالح ظاهرة للإسلام والمسلمين، فقد اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله بتنظيم الملتقيات العلمية الثقافية، لما فيها فائدة ظاهرة للإسلام والمسلمين، فجرى توجيه وزارة الشؤون الإسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد بتنظيم ملتقيات علمية ثقافية تناقش فيها موضوعات تهم المسلمين، وتبصيرهم بها، حتى يكون تعاملهم مع الواقع ومع المجتمعات التي يعيشون فيها مبنياً على فهم صحيح للإسلام، وعلم يرشدهم الى ما ينفعهم في دينهم، ويحقق لهم المصالح الشرعية الدنيوية.
وتحقيقاً لهذا شرعت الوزارة بالتعاون مع المراكز والجمعيات والمؤسسات الإسلامية في تنظيم ملتقيات متنوعة، منها ما يخصص لفئة معينة من الناس، مثل ملتقيات الدعاة، ومنها الملتقيات الثقافية التي يناقش فيها موضوع عام من الموضوعات ذات الصلة بالمسلمين الذين يقيمون خارج البلاد الإسلامية، وسميت بالملتقيات الثقافية، وذلك امتداداً للجهود المباركة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية بتوجيه ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله الذي تحمل هذه الملتقيات اسمه، وتحظى بدعمه ورعايته وتأييده، إذ عقد منها حتى الآن اربعة ملتقيات آتت ثمارها، وحققت أهدافاً طالما انتظرها كثير من المسلمين، هذا فضلاً عما في مثل هذه الملتقيات الثقافية من إظهار لمكانة المسلمين، وترابطهم وتعاونهم فيما يحقق مصلحة الإسلام، وخدمة وتوعية للمسلمين.
وفي هذا العام يعقد الملتقى الخامس في الدنمارك بمتابعة واشراف معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، الذي أعطى من نصحه وتوجيهه وارشاده لهذا الملتقى ما مكن من عقده وتنظيمه، ليناقش موضوعاً ذا أهمية قصوى، وهو مناقشة مستقبل المراكز والمؤسسات الإسلامية، أملاً في تفعيلها لتساير ركب التطور السريع الذي يعيشه العالم في مجالات كثيرة، فموضوع هذا الملتقى هو المراكز والمؤسسات الإسلامية نظرة مستقبلية.
نسأل الله ان ينفع به، وان يكلل الجهود بالنجاح وان يكتب الأجر والمثوبة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود على ما يقوم به من دعم ومؤازرة للمسلمين في الخارج. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الأوقاف رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى خادم الحرمين الإسلامي الثقافي في الدنمارك

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved