أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 31th August,2001 العدد:10564الطبعةالاولـي الجمعة 12 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

المقاهي في تونس
د. عبدالعزيز السنبل
المقاهي جمع مقهى وهو المكان الذي تشرب فيه القهوة، والقهوة لغة الخمر، وتطلق على اللبن المحضن والبن وهو المادة التي تعد منها القهوة، وربما كان تسمية البن بالقهوة مجازاً كإطلاق النار على جهنم« انظر منجد اللغة والأعلام» والمقاهي هي ظاهرة اجتماعية شرقية شأنها شأن الحمامات الشعبية، بدأت أول مابدأت في الشرق مع الأتراك في أواخر العهد العباسي، وذلك من أجل توفير مكان عمومي يجتمع فيه الرجال من أصدقاء وقرناء خارج البيوت ومن أجل أن يلهوا أو يتحدثوا في الأمور التي تربطهم ضمن الروابط الاجتماعية والثقافية والإنسانية عموما.
والمقاهي قبل كل هذا ليست سوى تحريف لدور الحانات القديمة والتي كانت معروفة عند العرب في الجاهلية في حواضرهم ومضارب بواديهم، فلربما اتخذ أحدهم خباءه حانة يجتمع فيها السمار، يشربون الخمر ويأتون المباذل كما يتخذونها مقاصف ومراقص.
غير أن الدور الذي تلعبه القهوة ظل إلى عهد قريب دور المكان الذي يجتمع فيه الأتراب والأصحاب وحتى الفرقاء في المعاملات من أجل التحادث والتسامر بعيدا عن البيوت.
والواقع أن الدور الذي أنشئت من أجله المقاهي في تونس عندما كان المجتمع كلاسيكيا ظلت تؤديه حتى بعد تحرر المجتمع وشيوع الانفتاح والنظيرية بين المرأة والرجل، فرغم كل هذا بقيت المقاهي مكان التقاء الرجال وتسامرهم بعيدا عن أجواء البيوت، ولعبت المقاهي دورا أساسيا إبان الكفاح ضد الاستعمار حيث اعتاد المناضلون الاجتماع في مقاهي محددة لعل أهمها مقهى باريس للتشاور والتخطيط وتبادل المعلومات بشأن التحركات وتنسيق العمل النضالي الثقافي والفكري وإلى حد ما العسكري.
على أن المقاهي في تونس غدت إلى جانب كل هذا، مجالا للممارسة الثقافية في بعدها الاجتماعي والممارساتي البحت، فالقهوة مجال لتنفيس المرء عن كاهله يوما مليئا بالعمل والكد. وهي أيضا مجال لممارسة هوايةما ، كهواية لعب الورق أو الرند«الطاولة» أو هواية تدخين الشيشة تلك الممارسة التركية الصرفة والتي جلبها الأتراك معهم إلى الربوع التي ملكوها. فلربما يحس مدخن الشيشة في حالة صفاء وجداني، أنه باشا أو باي أو هو أحد المقربين من هذين اللقبين الدالين على منصب عظيم في الهرم السلطوي التركي تاريخيا.
ثم إن القهوة أو المقهى يظل المكان المناسب للحديث بين الرفاق حول أمور الهوايات، كالكرة ومتعلقاتها كمرابيح الرهان على النوادي «بروموسبور» أو هي مكان للحديث في أمور النجاح والفشل واغتنام الفرص، بل قد تكون أحيانا مكانا للحديث في أمور الحب والزواج وقصص الغرام. ومن المقاهي ما يجمع بين الجسنين في إطار لقاءات الأحلام، لقاءات يتصور فيها الحبيبان حياتهما المستقبلية المليئة بالحب والسعادة والخصوبة.
لكن المقاهي هي أيضا المكان المفضل لإطلاق الشائعات والأحاديث المصطنعة والتي قد لا يكون لها من الصحة إلا ما يتشفى به قائلها أو مروجها. وهو بذلك إنما ينفس عن حالة نفسية يمر بها، أو هو يسعى للمساس بخصم أو غريم زاحمه في صعيد من أصعد الحياة. ولذا فمن الشائع عند أهل تونس اعتبار الحديث الناشئ من القهوة حديثا كاذبا، بل وفي بعض الأحيان مبتذلا. فلربما رد عليك أحدهم عندما تسأله عن خبر ما:« هذا كلام قهاوي».
كما أن أي كلام لا يستقيم ذوقا وأدبا يوصف بأنه«كلام قهاوي» وكل من لا يربأ بنفسه عن سفاسف الأمور أو هو لا يتقن عملا أو حرفة يستطيع أن يعيش من خلالها عيشة محترمة يوصف بأنه لا يصلح إلا أن يكون «قهواجي».
ورغم ذلك تظل القهوة أشبه ما تكون« بلحم الرقبة يؤكل ويذم». وفي تونس يتمنى البعض لو يحصل على رخصة لافتتاح مقهى عمومي، فهو في نظره مصدر للرزق مضمون الرواج والعوائد.
والواقع أن الناس فيما يعشقون مذاهب كما يقال، لكن الشيء الأكثر إزعاجا في نظري حيال موضوع المقاهي هو ما قد تسببه لروادها من مضار صحية تتعلق بممارسة ظاهرة التدخين فيها. إذ يمكن أن يتعرض المداوم عليها إلى أمراض من التي تنتج عن التدخين، فالداخل إلى المقاهي خاصة في الشتاء عندما تكون الأبواب والنوافذ مغلقة قد لا يتمكن من رؤية الحضور نظرا لأن الجميع يغطون في بحر غمائم من الدخان كدخان فوهة بركان في حالة هيجان. وفي تونس مقاه مشهورة تعتبر من معالم المدينة، كقهوة باريس والقهوة العالية بسيدي بوسعيد وقهوة سيدي شعبان ومقاهي أخرى عديدة، تعد نقاطا سياحية بارزة.
' تونس



أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved