أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 30th August,2001 العدد:10563الطبعةالاولـي الخميس 11 ,جمادى الآخرة 1422

الثقافية

الشِّعر في تونس
لقد دخل الشعر العربي إلى بلاد إفريقيِّة التونسية مثله مثل الثقافة العربية الإسلامية بشتى فروعها وفنونها، وبما أن الشعر كان فن العرب الأوحد ووسيلة إعلامهم الأولى في فإنه ظل رفيقا لهم في حلهم وترحالهم وأنيسهم في بدوهم وحضرهم. ولذا عرفت تونس شعراء كباراً شاع صيتهم في المشرق شأنهم شأن الشعراء الأندلسيين، بل إن شعراء إفريقية التونسية وشعراء الأندلس كان انتماؤهم للجهتين في بعض الأحيان مزدوجا، إذ نرى منهم من مكث بإفريقية التونسية لبرهة ثم انتقل إلى الأندلس والعكس. ونحن هنا لسنا بصدد ذكر أسماء شعراء تونس القدامى، لأن مقالتنا مخصصة بالأساس للشعر الحديث وأعلامه، ولذا فسننصرف للحديث عن هذا الشعر الحديث وشعرائه.
فنقول: إن البلاد التونسية عرفت فترة من الركود الشعري على شاكلة ماوقع في المشرق أثناء ما عرف بفترة الانحطاط. غير أنه لم تكد النهضة الشعرية تشتعل شرارتها في المشرق، حتى امتد أوارها إلى البلاد التونسية فانتظمت لذلك النوادي الشعرية، وبرز فطاحلة الشعراء، الذين طبقت شهرتهم آفاق القطر التونسي وطارت إلى ماوراء الحدود حيث وصلت إلى المشرق.
والواقع أن الأغراض التي عالجها الشعراء التونسيون خاصة ابتداء من أيام الشاعر محمود قابادو، قد اتخذت منحى مختلفا عما كان معروفا ومعهودا من أغراض عند الشعراء قبله، فعندما كانت أغراض الشعر العربي الكلاسيكي تجعل من الغزل والمدح أو الوقوف على الأطلال والرثاء أغراضا، فإن الشعر الذي حمل شعراء النهضة لواءه قد اتخذ لنفسه أغراضا مختلفة عن هذه الأغراض، أغراض تجعل من الأوطان وهمومها والمجتمعات وكبواتها ومن مسائل كالاستعمار وضرورة توحد العرب ونهوضهم وسلوكهم لطريق التقدم على شاكلة الأمم الأوروبية، مواضيع له.
بل إن الشعر العربي الحديث قد اتخذ من المدارس الشعرية الغربية نماذج ينسج الشعراء على منوالها. ولم يكن الشعراء في تونس بمنأى عن هذه الأغراض والاتجاهات بل إن الشعراء في تونس قد حذوا حذو إخوانهم في المشرق حذو القذة بالقذة حين انبرى منهم شعراء مصلحون جعلوا من القضية الوطنية التونسية وضرورة نهوض تونس وشعبها في وجه الاستعمار أمرا شاغلا لهم. كما جعلوا من قضية المرأة وتحررها، والخروج على التقاليد في المجال الاجتماعي والسياسي مواضيع أذكوا بها عاطفتهم الشعرية. كما أوجدوا بها لدى المتقبل في ذلك هوى شديدا. وهكذا كان لأشعار شعراء كبار أمثال محمود قبادو المتقدم والشاذلي خزندار والطاهر الحداد وسعيد أبي بكر وأبو القاسم الشابي ومصطفى خريّف الوقع المؤثر في نفس الشعب التونسي ولاقت قبولا خاصة لدى الشباب والأوساط الكادحة، وذلك لما رفعته من شعارات تنادي بالإصلاح والتصدي للاستعمار المداهم، وتدعو للعدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد.
وإذا كان مفعول هذا التيار الشعري قد خف أمام زحف تأثير الأدب النثري« القصة والرواية». فإن عدم وجود شعراء فحول من مستوى الشابي يرفعون الراية الشعرية بعده قد كان له الأثر الأكبر في حدوث نوع من الخفوت الشعري حتى منتصف الخمسينيات. إذ يرى الناقد والأديب. صالح الجابري أن النصف الثاني من الخمسينيات يعتبر مرحلة انطلاق جديدة للشعر في تونس حين بدأ أعلامه يتفاعلون مع الأحداث من حولهم، ويغتنمون الفرصة للتحديث في شكل ومضمون القصيدة الشعرية رغم ما واجهته محاولاتهم من عنت يعود إلى انصهارهم في المسار السياسي للبلاد وزعمائها السياسيين.
غير أن هذه الفترة لم تلبث أن انحسرت أمام شيوع ظاهرة الشعراء الجوالين المتشبعين بقيم التحرر والمواطنة، أولئك الشعراء الذين استطاعوا أن يدخلوا الناس كافة ضمن مستمعيهم، وعمدوا إلى محاولة جريئة لإنزال الشعر من برجه العاجي ومحو النخبوية عنه، حتى يستمتع به العامل الكادح والفلاح البسيط والقروي الخجول. على أن هذه الظاهرة الشعرية ما لبثت هي الأخرى حتى انكفأت على نفسها وانقطعت أنفاسها بسرعة كبيرة. ومهما يكن فإنه منذ أن عرفت النهضة الشعرية في تونس بدايتها وحتى الآن، فقد أنبتت تربة الشعر في هذه البلاد شعراء كثيرين وإن تفاوتت شاعريتهم ودرجة قبولهم لدى الجمهور، وليس من مشمولاتنا ولا باستطاعتنا هنا أن نميز بعضهم عن بعض ولا أن نعطي لبعضهم صفة الشاعر المفلق دون الآخر وحسبنا أن نقول إنه كان لكل منهم الدور الذي لعبه انطلاقا من موقعه وقدراته. وتذخر الساحةالتونسية اليوم بأسماء لامعة من الشعراء، نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر د. نور الدين صمود، ود. جعفر ماجد، والمنصف المزغني، ومحمد العروسي المطوي، والمنصف الوهايبي، والميداني بن صالح، وعبدالسلام لصيلع، ونجار المرواني، ومحمد الغزي، وأحمد القابسي، ورياض المرزوقي، والصغير أولاد أحمد. وتغلب على شعر هؤلاء الأخذ بأساليب الحداثة في الشعر باستثناء جعفر ماجد.
ففي قصيدة لمحمد العروسي المطوي يقول:


ولتحلِّق مثلما تهوى ولكن
من علوِّ النجم في وهم الفضاء
إن جلد الأرض ميدان الحياة
فخذ السدَّ وصارعْ
واحمل الهمَّ وقارعْ

ويقول جعفر ماجد:


تُخبرنا الأيام في كل لحظة
بأن صباح الجائعين قريبُ
لقد طلعت شمس على الأرض كلها
تضاء بها للكادحين دروبُ

ونظراً للأهمية التي توليها للشعر فلقد أنشأت منتدى للشعر أطلقت عليه «بيت الشعر» يضطلع بمسؤولية رعاية الشعراء وتنظيم امسياتهم وطباعة دواوينهم وتوثيق مساهماتهم ويترأس هذا المنتدى الأخ المنصف المزغني الذي يجمع صفات تؤهله لرئاسة هذا المنتدى.
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
تونس ص.ب 1120

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved