بيْنَ رَجْعِ الصَّدى وهَمْسِ الخَواطِرْ
يُولدُ الشِّعْرُ مِنْ مُخاضِ المشاعِرْ
سيِّداً توَّجتْهُ ممْلَكَةُ ال
رُّوح فدانَتْ له عُروشُ المنابِرْ
وتسامَتْ به النُّفوسُ ابْتِهاجاً
وافْتِتاناً يَجسُّ نبْضَ الضَّمائرْ
إنهُ الشِّعرُ مُلْهمُ الروحِ بوْحاً
مِن معينٍ بلُجَّةِ الحِسِّ زاخِرْ
هاجسٌ كُلّما تَصَيَّدهُ الب
الُ مضى كالحبيبِ حينَ يُكابِرْ
إيهِ يا شِعْرُ يا رنينَ القَوافي
وهَديرَ البُحورَ مِلْءَ الحناجِرْ
يا سَفيرَ القُلوبِ في كُلِّ أُذْنٍ
ومُريها ما لا تراهْ النَّواظِرْ
ها أنا اليوْمَ بعْدَ عشْرينَ عاماً
بِكَ عهْدي مازال أبْهى المآثرْ
يا شَريكي الذي يُقاسِمني العُمْ
رَ سِنيناً مكاسِباً وخَسائرْ
يا نديمي بِفَرحتي وشقائي
وسَميري إذا غفا كُلُّ سامِرْ
كمْ تَنَفَّسْتُ مِنْكَ روحَ المعاني
بِلسانٍ أحْيى بهنَّ الدَّفاتِرْ
وغَدَتْ مِنْك كُلُّ أوْراقها العُجْ
مِ حديثَ الرُّواةِ عنْ كُلِّ شاعِرْ
إيه يا شِعْرُ يا (عُكاظَ) الملايي
نِ ومَغْنى شُعُوبِها والعشائرْ
كمْ تَغَنَّتْ بِكَ العُروبةُ حتَّى
صِرتَ ديوانها تَليدَ المفاخِرْ
هكذا أنْتَ يا نجيَّ مُحِب
هامَ عِشْقاَ بذاتِ حُسْنٍ باهِرْ
حِكْمَةٌ أنْ يكون (مَجْنونُ ليْلى)
بِكَ عَقْلاً تَنوَّرتْهُ البَصائرْ
يا حماسَ الفرسانِ في كُلِّ حَرْبٍ
حينَ تَغْدو ساحاتُها كالمجازِرْ
عَجَبٌ أنْ يسْتلَّ (عنْتَرةُ
العبّسي) قَصيداً بيْنَ القنا والبواتِرْ
يا عزاء الرَّاثي إذا فَجَعتْهُ
نَكَباتُ الزَّمان فيمنْ يُعاشِرْ
أنْشدَتْكَ (الخنْساءُ) في فَقْدِ (صَخْرٍ)
وَهْيَ أشْقى الأحْياءِ بيْن المقابِرْ
يا تَباهي المدَّاحِ حينَ يُباهي
بِامْتداحِ العِظام نَسْلِ الأكَابِرْ
في بَلاطِ المُلوكِ (للمُتَنَبِّي)
مِنْكَ ما صاغَهُ البيانُ السَّاحِرْ
إيهِ يا شِعْرُ هكذا أنْتَ مِنَّا
وإليْنا أوائلاً وأواخِرْ
مِثْلما كانَ عَهْدُنا بِك تبْقى
إرْثَ أمْجادِنا فقيراً وتاجِرْ
وتجلِّي آمالِنا مُشْرقاتٍ
بُوُعودٍ زَفَّتْ إلينا البَشائرْ
ومُواساتنا بآلامِنا حي
نَ تُديرُ الخُطوبُ شرَّ الدَّوائرْ
عِشْتَ يا أنْفَسَ المآثر فينا
خالداً بينَ كُلِّ بادٍ وحاضِرْ