|
| مقـالات
* تقع منطقة الثلوج في مناخ معتدل، تتميز فصوله الأربعة، وتهطل عليها الأمطار معظم العام، وتتساقط على مرتفعاتها الثلوج في عز الشتاء! ينشط أهلها في أعمال الزراعة والتجارة، وهم أهل حضارة ومدنية، اشتهرت نساؤها بالجمال، وتميزن ببياض البشرة، وعُرفت بمستوى اقتصادي لا يرقى إلى طموح سكانها!
أما منطقة السهول فتقع على مسافة منها وتتميز بمناخها الصحراوي الجاف وحرارتها الشديدة، حيث يأكل الصيف والشتاء معظم أشهر السنة، ولا يزورها المطر إلا لماماً، ويتميز أهلها بسمرة الوجوه، وعُرفت المنطقة في عصرها الحديث بمستوى اقتصادي متفوق، حيث تتوفر في جيولوجيتها معادن الحديد التي ينشط الأهالي في صهرها والتفنن في صناعتها التحويلية التي تُدرُّ عليهم أرباحاً كبيرة! ولقد ظلت منطقة السهول، منطقة طرد سكاني طيلة تاريخها الماضي، ثم تحولت في التاريخ الحديث إلى منطقة استقطاب سكاني لأسباب متعددة لعل أهمها ارتفاع مستواها الاقتصادي الذي جذب فئات شتى من المناطق المجاورة لمقاسمة منطقة السهول حظها الكبير من الخيرات التي منحها الله.
كما ظلت منطقة الثلوج، موقع جذب سكانياً طيلة تاريخها الماضي، لطبيعتها الجميلة، وينابيعها العذبة، وفواكهها المتنوعة، لكنها ما لبثت في التاريخ الحديث أن عانت من تراجع اقتصادي أثر على المستوى الاقتصادي للسكان، وكان من أسبابه الرئيسة انعدام معدن الحديد في أرضها، لكن التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ظل مستمراً بينها وبين منطقة السهول وذات يوم دار حوار خفي داخل منزل أسرة تقطن منطقة السهول، وكان الحوار بين والد وولده في شأن عائلي:
لماذا تعارض يا أبتِ زواجي من منطقة (الثلوج) إن التي اخترتها فتاة باهرة كالقمر، بيضاء كالثلج، جميلة كالربيع! أريدها يا أبي، وسأسافر لها حال موافقتك!
تأنَ يابني، راجع موقفك، ولتعلم أن في موطنك منطقة (السهول) فتيات جميلات فارغب فيهن يرغبن فيك!
يا أبي أريد فتاة لها لون الشفق، وبياض الثلج، شعرها ناعم كالحرير، وليس لمثل هذه وجود في منطقة (السهول) حيث الشمس الحارقة التي تُحيل الوجوه إلى سمرة واضحة!
السمرة ليست عيباً يا بني، فأنت أسمر، والقيمة ليست للون، ولكنها للجرهر، والتي تريد بياض وجهها، هي تريد بياض قرشك!
والزواج الذي يكون شرط اللون فيه هو الأهم، هو زواج لا يدوم زمنه، كالثلج لا يستمر قبضك عليه! وكالشفق عمره لحظات ويتلاشى مشهده!
أنت تتكلم بالعقل يا أبي، وأنا مندفع بالعاطفة، ولست أرى لقولك تأثيراً في فكري!
لن أستمر في الحديث معك يا بني، فقد أكون غير قادر على إقناعك، تعال بنا إلى شخص صاحب تجربة، إنه جارنا (سليمان)!
* ودخلا إلى مجلس الجار (سليمان) الذي أوقد ناره، وأعدَّ قهوته، فسمع منهما وسمعا منه، والتفت الجار في نهاية الحوار ليقول للابن: إن والدك على حق يا بني، فخذ مني العبرة والعظة، فقد تزوجت في مطلع شبابي بشابة من منطقة (الثلوج) عاشت معي شبابي، ورزقت منها بالبنين والبنات، ولما دخلنا مرحلة الكهولة، قالت لي ذات صباح وقد احتقبت حقيبتها: إنَّ بي حنيناً وشوقاً إلى شجرة المشمش وبركة الماء في صحن دارنا بعاصمة الثلوج، استودعك الله، ورحلت وتبعها الأولاد! وليس لي اليوم من الأنس في قهوة داري غير ناري وفاري!! أتحب أن تكون مثلي؟! ثم دعني أسألك: أتريد زوجة لشبابك وشيخوختك؟
أم تريدها لشبابك فقط؟
فأجاب الشاب بسرعة ودون تفكير:
بل لكليهما!
فعقب الجار:
إذن فعليك يا ولدي بابنة (السهول) تجمع حطبك، وتُوقد نارك، وتصبر على حلوك ومرِّك، وفقرك وغناك، شبابك وهرمك!
وتذكر ....
إنها تنظر إليك باعتبارك شجرتها التي تحنُّ إليك، تأكل من ثمرك ما بقيت تُثمر، فإذا مضى عصر إثمارك وجدت في خواتيم عمرك سنداً وظلاً لها، فاستندت على جذعك، وسكنت إلى حيث ظلّك..!
بريدة ص. ب: 10278
asbt2hotmail.com
|
|
|
|
|
