| عزيزتـي الجزيرة
ربما كانت تلك التداعيات الشاردة محاولة أولى لرصد بعض الممارسات الاجتماعية غير الصائبة.. والتقاط صور من مشاهد التأثر والتغير في الأعراف المجتمعية والتقاليد الحياتية.. كثيراً ما نستورد عادات .. نجلب ممارسات.. ونرسم انتماءات دون أن نعيد اكتشاف أنفسنا مقوّمين ومصححين من خلال قراءة متأنية لواقع حضورنا ودورنا في العطاء ومزاولة أثر إيجابي في ربوع مجتمعنا العابق بنكهة الكفاح... بل ومحاولة النهوض بعاداتنا والارتقاء بتقاليدنا في ظل عقيدتنا السمحة التي رسمت الإطار المجتمعي الصافي وشكلت قيمه وأبانت علاقاته التي تكفل نجاحه وتماسكه..
حقاً تتناثر في السياق الاجتماعي أعراف قذفت بها أمواج الحضارة (كما يزعمون) وألقت بها الرياح الوافدة محدثة أضراراً بالغة في اتجاهات المجتمع وسلوكيات أفراده فهلا أجزتم لي اقتطاع بعض من تلك الأوراق المحفوفة بالبوح الساخن لصالح المبادئ:
* ورقة أولى
اسمحوا لي ان أمارس تصحيحاً أو تحريفا (لا أدري) لبيت أبي الطيب وليعذرني مالئ الدنيا وشاغل الناس على هذا العبث الذي يأتي منسجماً مع الواقع في (زمن الدش).. نعم لم يقل المتنبي:
أعز مكان في الدنى متنُ شيشةٍ
وخيرُ جليسٍ في الزمانِ قناةُ |
وعفواً.. على تلك الممارسة المجحفة بحق بيت أبي الطيب.. لكنني أعدت ترتيب دلالته وبعثرت مفرداته مصوراً حال هؤلاء المرابطين في الاستراحات والجلسات الليلية غير الطارئة بين أحضان الشيشة وفي كنف القناة الفضائية في عصرٍ انتكست فيه المفاهيم واضطربت، القيم واختلت الموازين الأسرية.. رجال مشغوفون بمواقف الهوى ومشاهد الغرام التي خدّرت عقولهم وسلبت أفئدتهم!!
رجال اتخذوا من بيوتهم (فنادق) مرور عابر لملء البطون.. والجفون.. فغدوا كالأنعام تأكل وتنام !! فكيف يغرسون بذور التربية في نفوس أبنائهم !! وكيف ينوّرون هم بصائرهم بعد أن سحبت القناة البساط من تحت أقدام الكتاب؟!!
* ورقة ثانية:
تساؤل جاد: لماذا غابت الرقابة من الأبناء وانحسرت المتابعة الأسرية ووجد الجيل نفسه بلا موعد أمام القناة والانترنت فضلاً عن الهاتف دون توجيه أو رعاية.. لماذا اختفت دروس التربية عن فضاء المنزل لقد نشأت فجوة أو مسافة بين تفكير الآباء والأمهات وتفكير أولادهم لاختفاء جسور التقارب وغياب دوائر التواصل.. فليس ثمة امتداد.. والنتيجة خلل في السلوك..
* ورقة ثالثة :
أمر مؤسف انشغال مربّية الجيل بأساليب الموضة وصور الريجيم وفنون الأناقة وعالم الأزياء وجديد الموديل.. اتصبح حبيسة الأسواق رهينة المحلات تزرع دروبها عبر ركضٍ دائم تفتش عن كل عطر قادم أو فستانٍ عائم.. في واجهة محل أنيق.. متى تنعتق حواء من هذا الإطار الذي استحوذ على اهتمامها واستعمر أوقاتها.. بالتأكيد.. حينما تمنح عقلها لحظات تفكر وتدبّر.. ستدرك شرودها وجموحها وستعرف ان مفردات بيتها الزوجي بحاجة إليها لتعيد صياغة منهجها وبناء برنامجها اليومي بعيداً عن لغة المظاهر الزائفة.. ودون أن تندفع حواء في الشراء..
* ورقة رابعة:
لم يعد للكتاب حضور في أذهان القوم المترهّلة بثقافة القشور.. لم يعد للقراءة متسع في ظل اللهاث خلف مشاريع الترويح وقتل الوقت.. بخلوا حتى بوقت مستقطع لمنح أفكارهم دفعات من خير زاد.
قف لحظة .. واقرأ لمحات من برامجهم اليومية لتدرك أن تنقّلاتهم المكوكية ورحلاتهم الماراثونية ليس في ثناياها مشوار ثقافي.. فليس ثمة قارئ في قوافل السفر المعتاد.. ولا اعتبار لمجلات الفن الهابط المليئة بكل ما هو رديء.
عفواً.. لاتجهد نفسك.. أو تطل الوقوف في سوق ثقافاتهم فلن تجد بضاعة معروضة تستحق التأمّل!! إنها أزمة قارئ.. وأزمة فكر.
* ورقة خامسة:
آه.. ماهذا الاندفاع خلف أنواع المأكولات.. وأصناف الوجبات.. كتب ومؤلفات وانغماس في الاختراعات..
مطاعم تزداد.. وتحت أقدامها تولد مكتبة !! نعم مكتبة واحدة يقابلها افتتاح عشرات المطاعم!! آه من جنون البشر.. لو أننا أبدعنا في آفاق الفكر وشغلنا بغذاء العقل انشغالنا بأجناس المأكولات وأنماط المحشيات وألوان المشويات لرأينا أثر ذلك عجيباً في حضارتنا وتفكيرنا.. ولكن لا عليك.. الجم خطابك واستمرئ العزف على وتر الطهي.. واكتفِ بالاستماع إلى هتاف المطاعم ونداء البوفيهات.. ولاتخف لأن خدمة «توصيل الطلبات» متوفرة هناك.. لقد عرفت «العمالة» هوس القوم ببرامج المطاعم فاتخذتها مهنة فريدة!!
وعلى كل متى تستيقظ حواء لتمارس دورها ويصبح الأكل «صناعة نسائية محلية» في منزلها العامر.
ورقة سادسة: «اللباقة
في إجازة»!!
مؤلم حقاً افتقاد فئة منّا لأبسط آداب اللباقة أو مراعاة المشاعر واحترام الأحاسيس.. فمثلاً تدخل دائرة أو مؤسسة لقضاء مصلحة لك أو تخليص معاملة لتجد أن «الموظف المختص» مشغول بمكالمة هاتفية خارج نطاق العمل!! يمتد الحديث الباسم وتتشعب طرق الحوار الودي القاتم .. وما عليك إلا أن تقف بمعاملتك جانباً بانتظار نهاية هذه الثرثرة الزاحفة الباردة الخالية من الحياء...
كم نتمنى اختفاء هذه النماذج من «موظفي الغفلة» الذين يهدرون وقتهم ووقت غيرهم ويعطلون سير المصالح ويقفون حاجزاً أمام المعاملات ...
فهلاّ منحنا هؤلاء الخارجين عن النص دروساً خصوصية في العلاقات الإنسانية وكيفية احترام مبادئ العمل واستيعاب فنون التعامل...
* ورقة سابعة:
جميل أن يتم تأنيث الأسواق النسائية لرفع الحرج الذي قد تواجهه المرأة في الشراء بل من مقتضيات الضرورة أن تتولّى حواء البيع بنفسها لبنات جنسها بدل ان تتركه للرجل. ومع أهمية تشجيع هذا الاتجاه ينبغي دراسة أسباب فشل تجارب عدة سلكت هذا الطريق لتلافي تكرارها لعل أبرز تلك الأسباب: رداءة البضاعة المعروضة ومنع دخول المأكولات والمشروبات وضعف إمكانيات المحلات التجارية مما يجعل جموع النساء تحجم عن التسوّق داخل تلك المجمعات..
أعتقد ان الارتقاء بمستوى البضاعة وتأجير جهات معروفة بجودة معروضها مع تخصيص أماكن جلوس للتجمعات النسائية من أكبر الحوافز للتسوق وذلك له أثر فعال في نجاح تلك الأسواق .. إضافة إلى إمكانية استغلال تلك اللقاءات في توعية النساء عبر برامج ودروس مرخصة..
* إضاءة:
لابد أن يتجلى في مسيرتنا روعة العطاء وصدق الانتماء لنساهم بفعالية في خدمة الدين الحنيف وبناء حضارة وطننا المعطاء.. من خلال إعداد جيل نافع.. يتعامل بأسلوبٍ واع مع مبتكرات الحضارة.. فلنمنح هذا الجيل بذور التربية وخرائط المعرفة... في مجتمعنا العابق بنكهة الإيمان العامر بدوائر الكفاح المشرف.
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة
|
|
|
|
|