يعد الامير الشاعر عبدالله الفيصل أحد أهم الشعراء الرومانسيين في الشعر العربي المعاصر وقد ساهم ابداعه الشعري في إثراء التجربة الشعرية السعودية حيث قدم نماذج مثالية على هيئة نصوص شعرية مفعمة بصدق العاطفة وتجديد واضح في الصياغة والصور الفنية.
ولأن تلك التجربة الشعرية هي مما يعد من الظواهر التي لايجود بها الزمن كثيراً فقد حظيت الدراسة والرصد من قبل المتخصصين الذين رأوا في انتاجه الشعري مايمكنهم من استخدام ادواتهم البحثية للخروج بالجديد في مجال الطرح النقدي والبحث الادبي.
ولم تقتصر تجربة الامير عبدالله الفيصل الشعرية على الاطار الفصحوي للقصيدة بل امتدت التجربة الى افق آخر هو نتاج البيئة المحيطة به في الجزيرة العربية ومايسمى بالشعر الشعبي او النبطي واعمل فكره وثقافته ليرتقي من خلال هذا الجانب في شعره بالطرح الشعبي للقصيدة وليقدم لنا تجربة تميزت بالابتكار والتجديد.
فكما قدم من خلال الفصيح رائعته «عواطف حائرة»:
**********
«إن اشعار الحب التي رددها العرب مع سمو الأمير عبدالله الفيصل، سيرددها الفرنسيون الآن بلغتهم وبقلوبهم واعمالهم ايضا».
جاك شيراك
أكاد أشك في نفسي لأني
أكاد أشك فيك وأنت مني
يقول الناس أنك خنت عهدي
ولم تحفظ هواي ولم تصني
وانت مناي اجمعها مشت بي
اليك خطى الشباب المطمئن
قدم من خلال العامي روائع ايضا ويقول في احداها:
ملك من كل حسنٍ مايريده
تخير وافضل الباقي على اللي
يحسبون انهم بالزين آية
وهم ماحاشوا إلا مايخلي
لقد كانت تجربته الشعرية خلاصة تجربة حياتية عاش سنواتها الأولى في كنف جده الملك عبدالعزيز في الرياض ثم انتقل الى الحجاز ليرى والده للمرة الأولى في حياته ويدخل مرحلة جديدة في كنفه ايضا ويبدأ في هذه المرحلة أولى خطواته العملية حيث تولى منصب وكيل نائب جلالة الملك في الحجاز، وكان يمضي الساعات الطوال خلال تلك المرحلة في القراءة والاطلاع فقرأ للكثير من الشعراء والادباء من عصور مختلفة كعمر بن ابي ربيعة، وابي تمام، والبحتري، والمتنبي، وشعراء المهجر والمدرسة الرومانسية واحمد شوقي الذي اعجب به الامير فخصه بقصيدة «صنّاجة العرب» ولم يكتف بالشعر في قراءاته بل كان يقرأ لكبار الكتّاب العرب كالعقاد وطه حسين واعمال مترجمة للعربية لأرنست همنجوي وغيره.
لقد كان الامير عبدالله الفيصل شاعراً ذا نزعة عاطفية تميل للتعبير عن الحزن والاغتراب واسترجاع الماضي والحنين له ولا ادل على ذلك من الاسم الذي اختاره لنفسه كشاعر والذي يحمل أبعاداً كثيرة في هذا الاطار «محروم»
لقد كان شاعراً ذا كبرياء وانفة تتجلى في الكثير من قصائده ويقول في هذا السياق:
ملأت بالشعر دنيا طالما هزجت
بما تردد من شدوي ومن كلمي
فأصبح الشعر يروى للورى مثلا
عني، ليرشفه من للغرام ظمي
وصرت شأن ابي الخطّاب في زمني
رمزاًً لكل فؤاد بالهيام رُمي
ويتسامى عفة وطهرا في عاطفته ويبرز ذلك شعراً فيقول:
احب للحب لاعجزاً ولا نهماً
وارتقي بالهوى عن حمأة البهم
فالحب كالفن يسمو في مداركه
عن النقائص إذ يعلو على القمم
ان تجربة الامير الشعرية لم تقف عند حدود بل كانت دائما تنظر الى الافق وتعيش الزمن بكل اوجهه في المعاصرة والاصالة ومن النماذج التي لايمكن ان نغفلها لتلك المعايشة معارضته لنونية ابن زيدون في قصيدته «ياناعس الطرف» حيث يقول:
ياناعس الطرف قد فازت اعادينا
واستبشروا بمناهم في تجافينا
وكف عنا كؤوس الصفو ساكبها
وعاد بالشجو والاحزان يسقينا
وودعتنا اماني الوصل مسرعةً
حتى غدونا بمنأى عن امانينا
ولم يكن تكريم الامير الشاعر عبدالله الفيصل من قبل عدة من الجهات الدولية بمستغرب بعد هذه التجربة الطويلة التي قدم من خلالها عصارة فكره في قالب شعري فحفر اسمه باحرفٍ من ذهب في تاريخ الادب العربي بل والعالمي ايضا.. حتى منحته الاكاديمية العالمية للفنون والثقافة بجمهورية الصين الوطنية درجة الدكتوراه الفخرية.. وكرمته باريس مدينة النور ومقهى المثقفين في العالم ومنحته وسامها تقديراً لاعماله الادبية واسهاماته المتميزة.
ولم يقتصر عطاء الامير عبدالله الفيصل على المجال الادبي بل تجاوزه الى كثير من المجالات التي بذل من خلالها الكثير لهذا الوطن وكان له بصمة واضحة المعالم على الرياضة السعودية والعالمية ايضا فقد ترأس بنفسه اللجنة الأولمبية للالعاب الرياضية العالمية وساهم في دعم العديد من القطاعات الرياضية في المملكة والعالم العربي.. وما تقوم به دار سعاد الصباح من تكريم هو شيء لايقارن بما قدمه الامير عبدالله الفيصل، وان كنت اقترح من خلال هذا التكريم ان يتم اطلاق اسم عبدالله الفيصل على كل نشاط ثقافي يقام خلال مهرجانات ابها القادمة ويمكن ان يقدم من خلالها جائزة ثقافية تحمل اسم سموه ايضا.