| الثقافية
شاعرنا الأمير قمة شامخة من القمم الشعرية الباذخة لا داخل الجزيرة العربية وحدها، بل في العالم العربي كله، وعلى صعيد البحث والتمحيص، انتزع شعره الاعجاب من النفوس انتزاعا، واستولى على القلوب كما تستولي عرائس الجمال على الكون في لحظات الاشواق والحب والفتنة، فأفسح له الأدباء والنقاد درب الخلود ومعاريج الشهرة والذيوع، وجردوا اقلامهم لتقويم شعره وإجلاء النواحي الفنية فيه، فكان في كل مرة يزداد روعة وجمالا، وتنكشف جوانب كثيرة منه تؤكد عمقه وأصالته، وتحله مكانته اللائقة به في عالم الفن والابداع، كان شعره اول سفير عربي عبر حدود البلاد ليمثلها احسن تمثيل، وليقنع الناس هناك ان الارض التي أنجبت قبل لا تزال تنجب، وأن البلاد لم تجدب، والمعين لم ينضب، انها لا تزال تزخر بالملكات الخلاقة والعبقريات المبدعة، التي تصل الامجاد الشعرية الماضية لهذه البلاد بعنوان الحاضر وحرارته وإشراقه، في إيمان وثقة واقتدار.
ذلكم هو الشاعر الأمير «صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل» الذي عرفت دنيا الشعر إطلالته الأولى عليها باسم «محروم» فبهذا الاسم الشاعري كان ينشر معظم قصائده داخل المملكة وخارجها، وبهذا الاسم نشر ديوانه الأول «وحي الحرمان» عام 1373ه.
والشعراء الأمراء في تاريخ الادب العربي قلة تستدعي التوقف وتتطلب التأمل، كظاهرة خاصة متفردة، صحيح انك تجد من بينه من ينظم البيت او القصيدة، ولكن الذين فرغوا منهم للشعر او فرغ الشعر لهم: معدودون، ذلك ان انشغالهم بالامور المختلفة كثيرا مايلتهم طاقاتهم في وجهات اخرى، ويضيق امامهم فرصة التفرغ للآداب والفنون، الا في الحالات التي يخالط فيها الفن النفس ويمازجها بشكل عنيف، لايمكن معه الانفكاك بحال، بحيث يصبح جزءاً من الذات ومقوما من مقوماتها، وكذلك كان عبدالله الفيصل ففي الشعر متنفسه وانطلاقه، وبه يحقق وجوده الفني وسعادة روحه، فلا غنى له عن الشعر ولا غنى للشعر عنه بحال.
فالشاعر الأصيل من وجد نفسه شاعراً دون خيار، ومن اجل هذا آثرت ان اسميه الشاعر الأمير لا الأمير الشاعر، وسيحتفظ تاريخ الادب باسمه مع الشعراء الامراء القلة، عبدالله بن المعتز، وأبي فراس الحمداني، والمعتمد بن عباد، مع ميزة ظاهرة، و هي انه من اسرة يقرض اكثر افرادها الشعر ويميلون اليه: الفصيح منه والنبطي، ولذلك نجد شاعرنا الأمير يبدأ نظم الشعر في سن مبكرة جدا، ويزاول النوعين معا ايضا، ولكن شعره الفصيح هو الذي يعنينا، وهو الذي عرف به في الاوساط الادبية العربية.
|
|
|
|
|